أخيرا.. انتصر صوت العقل والحكمة واتخذت الحكومة خطوة هامة في سبيل استعادة أموال الشعب المنهوبة طوال العقود الماضية فقد قرر مجلس الوزراء ان يكون هناك تصالح في جرائم الفساد والكسب غير المشروع بحيث تقبل الجهات القضائية ما يعرضه المتهم في هذه الجرائم للتصالح عن جريمته شريطة أن يرد فعليا كل ما تكسبه من أموال غير مشروعة بالإضافة إلي نصف أو مثل أو مثلي قيمتها طبقا لكل قضية وهذا الإجراء الذي استلزم شجاعة من الحكومة وجرأة لم يكن هناك من يقدر علي اتخاذه في الفترة الماضية التي أعقبت ثورة 25 يناير فقد كان الحديث يدور حول ضرورة محاكمة من استولوا علي أموال غير مشروعة وأن يقوموا بإرجاع هذه الأموال مع إصدار أحكام عقابية بحقهم أيضا. ولم يكن ذلك طرحا عقلانيا بقدر ما كان انفعالا ثوريا لأنه لم يكن منطقيا ان تكون هناك عقوبة بالحبس وإعادة الأموال في وقت واحد فمن سيدخل السجن سيرفض رد أية أموال! وعندما كتبنا وتساءلنا في ذلك الوقت عن الفائدة من حبس كل هؤلاء بينما تفقد مصر كل أموالها المنهوبة فإن البعض اعتبر ذلك تهاونا مع الفاسدين وتشجيعا لهم! وأذكر ان الدكتور يحيي الجمل وكان نائبا لرئيس الوزراء قد حاول أن يسير في اتجاه التصالح مقابل إعادةالأموال المنهوبة ولكن الموج كان عاليا وعاتيا وتوقف الحديث في هذا الاتجاه وظلت الأموال بعيدة المنال والشعارات هي التي تعلو الميدان!! وجاء قرار مجلس الوزراء الأخير ليفتح الباب أمام صفحة جديدة لمن أراد الإفلات من العقوبة والعودة إلي الحياة والاستثمار ولكنه قرار يجب التعامل معه بكل الحذر وإلا أدي إلي هروب مزيد من الأموال للخارج وهروب اصحابها أيضا فجهاز الكسب غير المشروع والذي يضم مجموعة من أفضل رجال القانون في مصر سيكون عليه أن يأخذ في الاعتبار الكثير من المتغيرات والعواقب التي يمكن أن تصاحب إجراءات تتبع وتقدير الأموال التي حصل عليها اصحابها بطريقة تعتبر الآن غير مشروعة وربما لم تكن كذلك في وقت آخر! فالذين حققوا مكاسب وغنائم في سنوات مبارك لم يحصلوا عليها في غيبة النظام الذي كان واعيا ومدركا لكل ما يحدث ومشجعا له وكان في مقدوره ايقاف هذا الفساد أو الحد منه ولكنه شارك فيه ومنحه شرعية الاستمرار. فلم يكن ممكنا علي سبيل المثال تحويل الأراضي المستصلحة علي الطريق الصحراوي لمصر - الاسكندرية من أراض زراعية إلي أراض سكنية تضم مدنا كاملة دون موافقة الدولة علي ذلك وسماحها بادخال الكهرباء والمياه! وهذه الأراضي حصل عليها اصحابها من كبار رجال الأعمال وأصحاب النفوذ والحظوة بقيمة زهيدة لاستغلالها في الزراعة أو تربية الماشية ثم باعوها أو اقاموا عليها منتجعات سكنية ومنشآت سياحية مما حقق لهم أرباحا خيالية في مضاربات علي أراضي الدولة التي لم تحسن استغلال ما لديها وتركت مجموعة من رجال الأعمال تتولي المهمة نيابة عنها! وهو واقع مازال موجودا ومليئا بالتعقيدات ولا يمكن معه محاسبة رجال الأعمال وحدهم ومطالبتهم برد ما اكتسبوه بغير حق لأن العقاب يجب أن يشمل أيضا الذين سمحوا لهم بذلك والذين تقاضوا مقابلا للسكوت من موظفي الدولة علي كل المستويات والذين أثروا ايضا ثراء فاحشا من جراء الصمت أو تسهيل الاستيلاء علي أراضي الدولة. ان ما يهمنا في النهاية هو أن تعود أموال الشعب المنهوبة للشعب.. فكل ما سيدخل خزانة الدولة من جراء هذه المصالحات أفضل كثيرا من وجود أصحابها خلف القضبان لأننا لا نعاقبهم وإنما نعاقب أنفسنا! *** ہہ ملحوظة أخيرة: * اصبحت الاخطاء المطبعية في الصحافة كثيرة ومتنوعة ومؤلمة وتعكس حال الصحافة الورقية التي تكافح من أجل البقاء. * اليوم يصدر الحكم علي محمد حسني مبارك وعدد من رموز نظامه لاتهامهم بقتل المتظاهرين السلميين خلال أحداث 25 يناير والإضرار بالمال العام من خلال تصدير الغاز لإسرائيل! وبعيدا عن القانون وأحكام القضاء فإن حسني مبارك الذي كان مدانا شعبيا في بداية ثورة يناير نال البراءة الشعبية أيضا بعد زوال حكم الاخوان وأصبح هناك من يطالب بتكريمه أيضا.. ونقول ايه.. دنيا!