طوغان.. أو عم طوغان كما احب ان اناديه.. رحل في صمت.. كما عاش بعيدا عن الاضواء رغم انه نجم يضيء سماء من حوله. هو شيخ رسامي الكاريكاتير في مصر والعالم العربي.. وبلا منازع لسنوات طويلة. رحل بعد حوالي 88 عاما من الكفاح المسلح بريشته. افخر انني تحاورت معه كثيرا.. واقتربت منه بشكل شخصي طوال السنوات الماضية وسجلت معه قصة حياته بالصوت والصورة.. ويزداد فخري حين اقول انني زميل طوغان في جريدة الجمهورية.. وما أقصده طبعا هو انني ازامل قرنا من الابداع والصحافة والانسانية والفن والسياسة.. لن اتكلم في في هذا المقال عن فن عمنا طوغان.. ولا حتي عن ظروف دخوله بلاط صاحبة الجلالة. ولكن فقط استعرض رحلته في الجمهورية من خلال شهادته كي نحكي ونعيش نحو 60 عاما من عمر مضي وعمر الجمهورية. كيف ولدت الجمهورية من رحم ثورة 23 يوليو 1952 قلت ذات لقاء معه فقال العم طوغان: بعد نجاح ثورة يوليو1952 وفي الاجتماع الخامس لقياداتها قرروا إصدار جريدة تعبر عن أحلامهم وآمالهم في تغيير الواقع إلي واقع أفضل يحقق مطالب الشعب الذي أرهقه عجز النظام السابق الذي أصابته الشيخوخة والتجمد وفقدان القدرة علي مواجهة الأحداث في المنطقة التي تجتاحها عاصفة ممثلة في الصهيونية التي تمكنت وتمركزت. إلي جانب فيروس التخلف والفساد الذي يعيق تقدم الشعب ولحاقه بالعصر. وكان في مقدمة الهموم. وجود قوات الاحتلال وانتشارها في مدن القناة. لذلك استصدر جمال عبد الناصر التصريح لجريدة باسم الجمهورية. وكانت المفاجأة ان الترخيص يحمل اسم جمال عبد الناصر ليقترن ميلاد واسم الجمهورية بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر. وإذا كان الترخيص باسم ناصر فكيف دخل الرئيس الراحل انور السادات الي تاريخ اسم جريدة الجمهورية؟.. يقول طوغان: كان من الطبيعي أن يطلبوا من أنور السادات حمل مسئولية إصدار الجريدة المطلوبة لما له من تجربة صحفية سابقة ليست قصيرة في دار الهلال عندما كان يعمل محررا في صحفها بالإضافة إلي كتاباته في مجلة المصور خلال فترة طرده من الجيش بعد اتهامه بالتحريض وتدبير قتل الوزير في حكومة الوفد أمين عثمان الذي كان ربيبا لسلطة الاحتلال. وبالرغم من حصول السادات خلال المحاكمة علي البراءة إلا أنهم أخرجوه من الجيش. فراح يبحث عن الرزق والتحق بدار الهلال! قلت لكن من هم اول المعينين والمختارين للعمل بالجمهورية؟.. يقول طوغان: بدأ انور السادات خطوته لتنفيذ قرار إصدار الجمهورية فاختار الدكتور طه حسين. ويساعده حسين فهمي في رئاسة التحرير! وأمر بتعيين زكريا الحجاوي وعبد العزيز جبر مديرين للتحرير. كما أمر بتعيين محمد علي ماهر وعباس الأسواني وعبد السلام الشريف ومحمود السعدني وأنا. كما عين الصحفي المناضل المغامر سعد زغلول فؤاد صاحب التاريخ الحافل والذي لم يترك سجنا سياسيا في المغرب أو في المشرق لم يدخل فيه!وطبعا بالإضافة إلي زملاء أعزاء آخرين في يناير 1953! لكن ماهي الاجواء التي صاحبت الايام الاولي للاعداد للجمهورية؟ ... يقول طوغان: عشت في جو من الألفة والمرح والتفاؤل سمح لي بالانطلاق في الرسم والتعبير عما يجري في الوطن العربي من المحيط إلي الخليج وملاحقة الاستعمار الإنجليزي الذي كانت بقاياه مازالت متمركزة علي طول منطقة قناة السويس. إلي جانب الهجمة الصهيونية علي فلسطين وتنبيه الناس لها عن طريق الكاريكاتير! كانت فترة ممتعة أحسست فيها بالدفء بين الأقران. وبالتقدير حتي من الثوار الذين كانت رسومي الكاريكاتيرية محلا لإعجابهم ورضاهم والذين كانت كثيرا ما تصلني تحياتهم. وأيقنت بأن ثورة يوليو هي فجر جديد أشرق علي مصر. لكن لماذا ترك السادات بلاط صاحبة الجلالة؟ يقول طوغان: بعد سنوات ثلاث من اصدار الجمهورية وقع الاختيار علي أنور السادات لتولي أمانة المؤتمر الإسلامي فترك الجمهورية. وترك في رئاسة التحرير جلال الدين الحمامصي الذي لم يلبث طويلا وتركها وعاد للأخبار. ثم تولي أمين شاكر من الضباط الأحرار وكان مديرا لمكتب الرئيس عبد الناصر مسئولية الجريدة. كان أمين شاكر في عز الشباب. وكانت عسكريته تملأ نفسه وتسبب رهبة للمحررين. وفي مرة دخل عليه محيي الدين فكري يعرض شيئا وفي يده سيجارة فصرخ أمين في وجهه قائلا: اقف عدل واطفي السيجارة! ثم قال: تعالي بعد شوية. وعندما خرج محيي ذهب يشكو لرئيس التحرير وكان أيامها كامل الشناوي قائلا: ده قال لي اطفي السيجارة! فسأله كامل: وطفيتها؟! فقال محيي: أيوه! فرد عليه كامل: وانت عاوز إيه دلوقت؟ أولعها لك! لم يلبث أمين طويلا في الدار فتركها وعمل سفيرا في الخارج! بعده جاءنا محسن عبد الخالق أحد الضباط الأحرار الذين كان لهم حضور متميز في التنظيم! جاء محسن وقضي أغلب الوقت في مكتبه وبابه مفتوح لمن يستطيع لقاءه إذا ما صادف مشكلة أو احتاج إلي عرض شيء أو طلب الحصول علي موافقة أو استئذان. كما كان كثير السفر إلي الخارج!