آمن طوال الوقت أن رسام الكاريكاتير لابد أن يعايش قضاياه التي يدافع عنها عن قرب، لهذا زار الجزائر وعاش ب"وهران" ستة أشهر، وعبر عنها في رسوماته الكاريكاتيرية التي قدمها فيما بعد في كتابه "أيام المجد في وهران" عام 1954، الذي يندرج تحت "أدب الرحلات"، كما زار فلسطين واليمن أيضا، وأصدر كتبا عن هذه الزيارات تضمنت رسوماتها، واتهم وقتها بمعاداته للسامية، وتم تجاهل رسوماته الكاريكاتيرية لفترة، قبل أن يتم فصله من جريدة "الجمهورية" بعد عمله بها علي مدار أكثر من نصف قرن. طوغان رسام كاريكاتير من طراز خاص يصعب تكراره ولا يمكن إغفاله، فهو رسام مناضل وثوري، قد يكون ذلك طبيعيا علي اعتبار أن رسام الكاريكاتير لابد أن يكون صاحب قضية ومتمرداً دائمًا علي الأوضاع، لكن ما ميز طوغان أنه عايش قضاياه بنفسه فلم ينفصل يوما عنها، ربما تكون سقطته الوحيدة أنه احتسب علي السادات نظرا لعلاقة الصداقة التي ربطت بينهما، إنما هناك أسرار في هذه العلاقة لا يدركها أحد، يحكيها طوغان لروزاليوسف قائلا: "كان التعارف الأول بيني وبين السادات في منزل الكاتب الساخر زكريا الحجاوي 1946، وكنت مدعوا لأكلة سمك مع الحجاوي، ولم يكن وجه السادات غريبا، حيث كان قد أفرج عنه لتوه من السجن، من تهمة قتل "أمين عثمان" الذي كان وزيرا في حكومة الوفد، وكان يؤمن أن علاقة الإنجليز بمصر هي كالزواج الكاثوليكي لايمكن فصلهما، ومنذ هذه اللحظة أصبحنا أصدقاء جدا، وكان السادات وقتها مفصولا من الجيش المصري ويعمل صحفيا بمجلة "المصور" بدار "الهلال"، وكنا نجلس علي قهوة "محمد عبدالله والحجاوي وأنور المعداوي".. وأضاف ضاحكا: "كان من أشبال الكتاب وقتها محمود السعدني، ويوسف إدريس، وسمير سرحان وصلاح جاهين...إلي أن اختفي السادات حوالي خمسة أشهر ليظهر بعد عودته للجيش، ثم اختفي مرة أخري إلي أن قامت الثورة وظهر بعدها". أكد طوغان أن السادات كان مثقفا بطبعه، قليل الكلام ويستمع جيدا، ومحبا للشعر والموسيقي، وأردف أنه كان يعشق إلقاء السادات للشعر. سألت طوغان عن أهم الموضوعات التي كانت تشغلهم وقتها، وتدور حولها أحاديثهم في أمسيات قهوة "عبد الله" خاصة أن هذه المجموعة تغلب عليهم روح السخرية والدعابة.. فأجاب علي الفور: "هموم الوطن.. لأن البلد وقتها كانت تسيطر عليها حالة من التوتر والحيرة والاضطراب، فكان الهم الأساسي لنا وللشعب المصري هو إخراج الإنجليز من مصر!... وقد كان وقامت ثورة يوليو 1952". هذه القهوة لها ذكريات عديدة لدي طوغان وشلته، ففي يوم النكسة بدأت أمسيتهم المعتادة علي القهوة ولم يتم الإعلان بعد عن نبأ الهزيمة، وكان هناك عدد من اللافتات التي تؤيد الحرب، وفوجئوا بعساكر شرطة مصريين يزيلون هذه اللافتات، مما أزعجهم وأزعج شبابا صغارا آخرين هموا بالاشتباك مع العساكر، وظننا أننا قد انتصرنا لذا فلا معني لبقاء اللافتات، إلي أن أتانا كمال منسي وكان ضابطا بالجيش المصري ليخبرنا بالنكسة، الذي نزل علينا كالصاعقة !...وأزيلت قهوة "عبدالله" بعد النكسة بقليل". وعن بداية علاقته بالرسم يسترجع طوغان ذكرياته قائلا: بدأت علاقتي بالصحافة والرسم منذ مراهقتي، حينما تعرفت إلي زكريا الحجاوي علي المقهي، وأمامه عدد من البوسترات التي رسمها الإنجليز إبان الحرب العالمية الثانية للتحفيز علي الوقوف أمام الألمان، حيث أدرك "تشرشل" أن الكاريكاتير هو أقوي سلاح لمواجهة العدو، فانتشرت بوسترات الكاريكاتير في كل مكان. وأكمل: توقفت أمامها منبهرا بدقة الرسم وجمال الخطوط وقوة التكوين، وهو ما لاحظه الحجاوي، فنادي علي ودعاني لتناول الشاي معه، وأكد لي أن الرسم هو أقوي سلاح للمواجهة، من هنا توطدت علاقتي بالرسم خاصة الكاريكاتير، لأعمل بعدها في العديد من الصحف والمجلات مثل: "الجمهور المصري" وهدفها الرئيسي مقاومة الإنجليز و"روزاليوسف" و"المساء" مع عملاقي الكاريكاتير "رخا" و"صاروخان" لمدة خمسة أشهر، لكن هذه المجلة لم تصدر إطلاقا! عند هذه النقطة سألت طوغان عن علاقته برخا وزهدي وكيف تأثر بهما، فأجاب: "أنا أحب رخا من البداية ورسوماته كانت مهمة بالنسبة لي، فرسوماته تتميز بالوضوح والقدرة في الرسم والحرفية، كذلك قدرة التعبير والتكوين القوي المتماسك، فرسوماته فيها جمال وطعم خاص، رخا هو أول رسام كاريكاتير مصري وفتح الباب لباقي الرسامين، فضلا عن إنسانيته المفرطة فكان يعاملني كابن له، وظلت علاقتنا ممتدة ولم تنقطع حتي وفاته!". وذكر طوغان موقفا غريبا حدث عقب إحدي زياراته لرخا في أواخر أيامه، حيث كان مصطحبا لابنه بسام البالغ من العمر وقتها تسع سنوات، وبعد أن نزلوا من عنده استوقفه ابنه قائلا: "أنا عرفت يا بابا مصر ليه جميلة!" فسأله طوغان: "لماذا؟" أجاب الابن: "لأن فيها أشخاصا مثل رخا !" كما عمل بجريدة الأخبار اليومية لمدة عام ونصف العام، إلي أن تركها لاختلافه مع علي أمين الذي أراد فرض فكرة عليه ليرسمها، وهو ما رفضه طوغان لإيمانه أن الأفكار لابد أن تنبع من ذات رسام الكاريكاتير، فما كان من أمين إلا أن خاطبه بحزم قائلا: "من يعمل لدينا عليه تنفيذ ما نريده!" فاعتبر طوغان هذه الجملة مهينة له وقرر ترك الجريدة اليومية. بعد ثورة يوليو 1952، قرر السادات إنشاء جريدة ناطقة باسم الثورة، كانت جريدة "الجمهورية" ومن الطبيعي أن دعا صديق العمر "طوغان" لرسم الكاريكاتير فيها وباقي الشلة أيضا. سألت طوغان عن علاقة السادات بالكاريكاتير، فأجاب: "ثاني كتاب أصدرته كان بعنوان "قضايا الشعوب" في 1957، اردت من هذا الكتاب تسجيل التاريخ بالرسم، وكتب له السادات مقدمته، وكان وقتها رئيسا لمجلس الأمة". اهتم طوغان في الحقبة الناصرية بقضايا المنطقة العربية، وكانت رسوماته تتصدر الصفحة الأولي لل"الجمهورية" علي أربعة أعمدة، مهتما بعلاقات مصر وثوار إفريقيا، أيضا ثورة إيران، وكانت رسوماته حديث مجلس قيادة الثورة، حتي أنه في عام 1962 سافر لفلسطين ليعيش القضية الفلسطينية مع القيادة العامة للجبهة الشعبية للتحرير في الجحور، وعقب عودته أقام معرضا لرسومه عن القضية بنقابة الصحفيين، وسافر المعرض بعدها إلي الصين ليستقطب 2 مليون صيني انبهروا برسومات طوغان. كان هناك سؤال يطرح نفسه عن مواجهة طوغان برسوماته لديكتاتورية عبد الناصر، فأجاب: "هذه الفترة كانت فترة ثورة والمشاعر محتدمة، فلم أتنبه لديكتاتورية عبد الناصر إلا بعد النكسة!..فكنت أراه "الأمل" الذي فقدت إيماني به بعد ذلك، وانعكس ذلك علي رسوماتي التي بدأت أهاجم فيها ما فعله، وكنت أطالب بمحاسبة المتسببين في النكسة، إيمانا مني بأنه لم يكن من المفروض أن نهزم، لكن كنت حريصا ألا تكون رسوماتي مستفزة قدر الإمكان، بالتالي لم تأتني تعليقات مباشرة عليها، لكن مع الوقت وجدت أن رسوماتي بدأ يقل نشرها بالجريدة، فلم تعد يومية، لكن في عهد السادات أصبحت رسوماتي تعامل بشكل أفضل، فعهد السادات كان عهدا ديمقراطيا، شهد أول انتخابات حرة، إلي أن تم تهميشي فيما بعد إلي أن تم فصلي في عهد مبارك". سألت طوغان عن استقباله لنبأ تولي مبارك حكم مصر بعد السادات، خاصة أنه كان قريبا من السادات وعايش مرحلة نيابة مبارك له، فأجاب قائلا: "لم أتحمس مطلقا لتوليه الحكم، فلم تكن له علاقة بالسياسة واختيار السادات له نائبا كان خاطئا من البداية، فما أعرفه أيضا أنه كان يعمل ومنير ثابت في تهريب السلاح، ورأيت اهتمامه بإسرائيل بشكل صادم لي، فأذكر أنه هنأ إسرائيل بعيدها الخمسين!. وأكمل: في فترة مبارك تم تهميش أعمالي تماما في "الجمهورية" وأصبح المناخ غير مناسب لي علي الإطلاق، لهذا آثرت الابتعاد عن الوسط الصحفي إلي أن يعود الحال كما كان وتعود الديمقراطية مرة أخري. هل توقعت قيام ثورة من الشعب لإزاحة مبارك؟ - بدون تفكير أجاب طوغان: "طبعا، فالحياة أصبحت كريهة جدا، فانهيار الحياة في مصر كان مؤامرة واضحة، انهيار التعليم والاقتصاد وإغراق الشعب في الاتجاه الاستهلاكي رغم الفقر، فمبارك تواطأ مع اليهود لتكبيل مصر بكل هذا الكم من المشاكل التي تحتاج لسنوات طويلة من أجل أن يتم حلها". كيف كنت تري الكاريكاتير في وقت مبارك؟... - بعد تفكير يقول: " افتقدت الرسومات الاهتمام بالقضايا العربية، إلا فيما ندر..حتي الرسومات التي كانت مهتمة بالقضية الفلسطينية لم تكن مؤثرة علي الإطلاق، لأن القضية ليست في ذهن الفنان، فلم يعايشها ولم يكن يوما جزءا منها، لذا فقدت معناها، لكن كل اهتمامهم انصب علي القضايا الاجتماعية للمجتمع المصري". معروف في تاريخ الثورات أنها تنتج فنونها بعدها، لكن ثورة مصر تولدت فنونها داخلها، ما تعليقك؟ - هذا رد فعل طبيعي من المجتمع، كنت سعيدا برسوم الكاريكاتير التي رسمها الثوار بالميدان، فالمصريون بطبعهم فنانون وعاشقون للحياة وللفن، فالمستقبل للفن والعلم والرياضة. مَنْ من مرشحي الرئاسة تتحمس له؟ - انا معجب بفكر البرادعي، لكني متحمس لمجدي حتاتة بتولي الرئاسة علي أن يكون البرادعي وجورج عبد المسيح نائبيه، فسمعته جيدة جدا ويفكر بشكل جيد ومنظم وهو الأنسب لإدارة المرحلة في الفترة المقبلة. لماذا لم تتحمس لواحدة من المرشحات؟ - المجتمع حاليا من الصعب أن يتقبل امرأة تقوده، كما أن المرحلة المقبلة تحتاج إلي رجل، لكنها ظاهرة صحية جيدة جدا.