تشهد الجزائر الفترة الراهنة حراكاً سياسياً كبيراً يتوقع المراقبون استمراره بقوة حتي موعد الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل . ورغم قصر المدة إلا أن الغموض سيد الموقف ولا يزال يخيم علي الاجواء السياسية حول موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومسألة ترشحه لولاية رابعة في الحكم من عدمه بعد ان شارفت ولايته الثالثة علي الانتهاء ليكمل بذلك 15 عاماً في حكم الجزائر . يشهد الجميع أن الجزائر عرفت في عهد بوتفليقة اكبر مدة استقرار خصوصاً وأنه تعهد في بداية حكمه بالتركيز علي ملفين أسياسيين .. الاول عودة الجزائر الي الساحة الدولية بعد ازمة التسعينيات وانتشار موجة الارهاب التي أتت علي الأخضر واليابس بالدولة والثاني مشروع المصالحة الوطنية لوقف العنف وبداية حقبة جديدة . ولأن السياسة في المنطقة العربية بأسرها كالرمال .. متحركة باستمرار وتشبه لعبة الدومينو والأواني المستطرقة ما يحدث في الاطراف تصل آثاره في العمق ..هناك سؤال يلح بقوة في رءوس المتابعين للشأن الجزائري.. هل تلحق الجزائر بدول الربيع العربي رغم محاولة السلطة بناء حوائط صد حول الدولة من سقوط أنظمة بن علي ومبارك والقذافي وهل تنجح هذه المحاولات أم تنهار أمام تعطش الجزائريين للتغيير عبروا عنه أكثر من مرة علي فترات متقطعة خلال السنوات القليلة الماضية؟ إجابة واحدة كررها الخبراء وهي صعوبة تكرار ما حدث في دول الربيع العربي مع الجزائر التي كانت سباقة حسب رأيهم في التعامل مع موجة التغيير التي طالت العديد من الانظمة في شمال افريقيا حيث اعتبرتها الجزائر منذ اللحظة الاولي مؤامرة وجاهرت بموقفها هذا في المحافل الدولية ورتبت أمورها علي مواجهتها والحد من آثارها عليها ونجحت في ذلك إلي حد بعيد . يري المحللون ان التغيرات التي أدخلها الرئيس بوتفليقة بذكاء علي الحكومة وعلي الأجهزة الامنية تعطي مؤشرات قوية علي رغبته في الاستمرار وأنه حصن نظامه جيداً من تداعيات الثورات التي لحقت بدول الجوار إلا أنهم يؤكدون أن الرغبة في البقاء سيكشفها التعديل الدستوري الذي يتم التحضير له الآن وساعتها سيتضح ما اذا كان بوتفليقة يرغب في الاستمرار لفترة رئاسية جديدة أم انه سيختار من يخلفه في الحكم . هناك مؤشرات قوية علي إمكانية طرح بوتفليقة نفسه من جديد إذا قرر الترشح مرة أخري بعد قيامه بالقضاء علي العديد من مراكز القوي في السلطة والتي كانت تسعي لوراثته حياً الفترة التي غاب فيها عن البلاد للعلاج في باريس . يري المتابعون أن أهم خطوة قام بها لتعزيز سلطته من جديد والتأكيد علي أنه لا يزال لاعباً أساسياً ويمتلك الكثير من خيوط اللعبة التغيير الوزاري الذي اطاح فيه ب 11 وزيراً وتفيكك جهاز المخابرات ووضع المقربين منه من قيادات الجيش علي رأسه إضافة الي التربيط مع الاحزاب السياسية المؤثرة في الساحة الجزائرية وإعلانها الصريح بتأييد ترشحه لفترة رابعة ومنها جبهة التحرير الوطني والتجمع الديمقراطي والجبهة الشعبية الجزائرية وهي احزاب تمثل الثقل في المجتمع الجزائري . كل المؤشرات السابقة ترجح كفة الرئيس إذا أراد خوض غمار الانتخابات المقبلة في ظل هشاشة قوي المعارضة وتشتت مواقفها التي أدت الي تضاؤل فرص نجاحها أو الوقوف أمام بوتفليقة في منافسة حقيقية. الضغط علي الرئاسة هل تستطيع المعارضة اجبار السلطة علي التغيير وإحداث نوع من تداول السلطة ؟ سؤال إجابته صعبة رغم نجاح أكثر من 20 قوي معارضة في تشكيل اكبر تكتل سياسي ضم شخصيات سياسية بارزة ومنهم حركة مجتمع السلم الكبري التي تعد من اهم الاحزاب الدينية في الجزائر وحزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية وهي أكبر الاحزاب العلمانية . عبد الرزاق مقري رئيس أكبر الاحزاب الدينية بدا متفائلاً ويعتبر الاجتماع بداية جديدة لتشكيل جبهة سياسية موسعة للتغيير والاصلاح الا ان الواقع كما يراه المراقبون أن هذه الاحزاب والتكتلات تفتقد لادوات الضغط علي السلطة بدليل البيان السياسيي الذي خرج عن الاجتماع واكتفي بمطالبة الرئيس بتأجيل تعديل الدستور المقرر قبل نهاية العام الحالي الي مابعد الانتخابات الرئاسية لعدم توافر الشروط الملائمة لتعديل يستجيب لتطلعات الشعب والطبقة السياسية. كشف البيان حجم هذه المعارضة لأنها لا تزال تستجدي السلطة لمنحها ما تعتقده حقوقاً من خلال المطالبة بإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم وادارة الانتخابات الرئاسية وهي مطالب غير واقعية لأنه ليس من مصلحة الرئيس التأجيل الذي لا يخدم رصيده السياسي وسيظهره أمام الرأي العام بعدم الوفاء بتعهداته بالتغيير إضافة إلي الاضرار بطموحه السياسي الذي بناه علي قاعدة حفظ الجزائر من آلة التغيير التي اجتاحت عدداً من الدول العربية. الخلاصة كما يراها المحللون أن أي تعديلات في قانون الانتخابات كما تنادي المعارضة لن تكون متاحة لأن الوقت لم يعد كافيا ما يشير بوضوح ألي أن إمكانية التغيير في الجزائر بات أمراً صعب المنال علي المدي القريب علي الأقل بسبب تعقيدات تتصل بطبيعة النظام السياسي خاصة وأن مكونات السلطة خلقت تقليداً سياسياً سيئاً يجعل البيئة موتية لكل رئيس لتشكيل الدستور الذي يراه ويضع فيه الصلاحيات بالطريقة التي يريدها . إذن.. ماهو المخرج في ظل مناشدات لرئيس مريض بالترشح ومعارضة هشة وضعيفة لا تستطيع تحمل المسئولية ؟ يطرح المحللون سيناريوهين .. الاول أن يكون هناك نائب رئيس وبهذا يصبح الرئيس بوتفليفة هو الفاعل السياسي والممسك بزمام الامور داخل الدولة وأن يطرح نائبا له بموجب التعديل الدستوري ما يوفر مخرجا للرئيس وللسلطة من توجس الراي العام وانتقادات المعارضة حول عدم قدرة الرئيس علي ادارة شئون البلاد . السيناريو الثاني هو أن يتخلي الرئيس بوتفليقة عن المنصب لصالح مرشح تدعمه الدولة ويشرف الانتقال التدريجي للسلطة ويطرح المراقبون السياسيون عدداً من الاسماء التي ربما يكون لها رصيد إذا خاضت السباق الرئيسي في حالة تنازل بوتفليقة عن ترشيحه . الشخصية الاولي وكما يراها المراقبون هو علي بن فليس المناضل الحقوقي ورجل القانون وكان رئيساً للحكومة الا انه استقال ومن أهم مطالبه تغيير الدستور الذي يعطي للرئيس الحق في العفو عمن يراه من المجرمين والفاسدين وهذه الشخصية لها حضور كبير في المحافل الشعبيي وفي وسط الطبقة السياسية والنخبة ويحظي بقبول المعارضة وكثير منهم وقفوا بجانبه في انتخابات عام 2004 الرئاسية . اما الشخصية الثانية وهو الاسم المطروح حاليا عبد المالك سلال رئيس الوزراء الحالي فهو ابن النظام بامتياز وله حضور كبير مع عامة الشعب خاصة بعد بروزه بشكل قوي خلال فترة مرض الرئيس بوتفليقة من خلال زياراته الميدانية اما المرشح الثالث هو ابو جرة سلطاني الذي تخلي عن رئاسة الاخوان ليتفرغ ويستعد للانتخابات الرئاسية القادمة وهو ينوي ان يدخلها باسم تكتل الجزائر الخضراء والذي يضم ثلاثة احزاب دينية وهي حركات مجتمع السلم والنهضة والاصلاح. أيضاً تم تداول اسمين آخرين هما عبد العزيز بلخادم واحمد او يحيي وكلاهما شغل منصب رئيس الحكومة والمعروف عنهما الطموح السياسي للرئاسة وعلي الرغم من محاولتهما اخفاء هذا الطموح لعدم اغضاب الرئيس فقد كانا يكرران انهما لن يترشحا مادام بوتفليقة مرشحاً. الغرب والانتخابات الجزائرية الوضع في الجزائر شأنه شأن باقي الدول العربية لابد أن تكون العيون الغربية مسلطة عليها وهو ما ظهر مؤخراً في بلد المليون شهيد التي شهدت حركة غير عادية من الزيارات الخارجية للمسئولين الغربيين إليها ومنها زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك الذي اصطحب معه وفداً يضم اكثر من 50 رجل اعمال وتصريحاته عندما كان الرئيس بوتفليقة في رحلة العلاج بباريس تدل علي الرضا الفرنسي والغربي عن بوتفليقة ما يؤهله للفوز بولاية جديدة. كال مارك المديح للرئيس وقال إنه يتمتع بصحة جيدة ويتابع الملفات بصورة دقيقة وتعكس هذه الشهادة دلالة واضحة علي رغبة غربية في وضع تصور عن الانتخابات القادمة وامكانية ترشح بوتفليقة مرة رابعة اضافة الي رسائل الرضا الامريكي التي تصل المسئولين في الجزائر باعتبارها شريكاً مهماً للولايات المتحدة في محاربة الارهاب والزيارة المرتقبة لجون كيري زير الخارجية الامريكي للبلاد في يناير المقبل فضلاً عن زيارة خالد بن محمد العطية وزير الشئون الخارجية القطري الذي تعد بلاده أحد كروت اللعبة الامريكية في المنطقة . أكد العطية خلال الزيارة التقارب الجزائري القطري حول رؤيتهما للأوضاع الراهنة في المنطقة العربية في إشارة إلي ما حدث ويحدث في دول الربيع العربي وهنا تجدر الاشارة الي الدور الذي لعبه هذا المثلث ¢فرنسا وأمريكا وقطر¢ في بلدان الربيع العربي وخاصة دور فرنسا وقطر في لبييا وسوريا كل هذا يعطي تصوراً واضح الدلالة علي رغبة فرنسا وقطر والولايات المتحدةالامريكية في طمأنة النظام الجزائري مقابل نفوذ جديد وكسب أرض أكبر في المنطقة.