* رحم الله "لا أدري".. فقد ماتت "من بدري".. رحمها الله ورحم مَن قالها في الدنيا والآخرة. فهي طوق النجاة. وهي نصف العلم.. والحمد لله الذي هداني إلي الاعتزاز بأنني لا أدري. وأن ما لا أدريه ضعف ما أدريه.. وأن أسئلتي أضعاف أجوبتي في بلد مات فيه السؤال. وصار كل أهله من عائلة "أبوالعريف".. ورأسه وألف سيف أنه مالك لناصية الحقيقة. وأنه جُهينة التي عندها الخبر اليقين. وأنه جهيزة التي قطعت قول كل خطيب.. وأنه فاشل ويواصل بلا فاصل.. رحمنا الله يا صديقي عاطف محمد أمين النكلاوي.. المحامي بالنقض.. ممن يكتب ويقول متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلي فئة.. فهذا لا جدوي من الحوار معه. ولا معني لإهدار الوقت مع الذي لا يدري ولا يعلم أنه لا يدري. ليس عندي من رد علي صديقي الذي لا أدري لماذا لم يكتب اسمه. سوي أنه بالغ كثيراً في أنه يدري. بينما جُل ما قال لا يصمد كثيراً أمام المنطق والحق. والعقل والقلب.. هو أراد فقط أن يختلف علي طريقة: "أنا أحتج".. "تحتج علي إيه ياعم؟!.. هو كدة.. أحتج وخلاص".. وكلما ساق فكرة أنهاها بسؤال: "تمام؟!".. علي طريقة من يسأل سؤال العارف. وعندما تجيبه يقول: صدقت أو كذبت أو "برافو".. هو يري نفسه "تمام".. فلا جدوي إذن من الحوار.. والحمد لله أنني لا أمتلك جُرأة "تمام" لكل ما أكتب.. والحمد لله أنني أخاف مما أكتب علي نفسي يوم ألقَي الله.. فلا شيء فيما أقوله "تمام التمام".. فأنا كائن ناقص. ولابد من الخطأ والزلل. وربما الهوي والمزاج في بعض ما أقول وأكتب.. فلا كمال ولا تمام إلا لله عز وجل.. أما نحن فإننا هالكون إذا أخذتنا العزة بالإثم. وإذا قتلنا في عقولنا وقلوبنا "لا أدري".. وإذا رأينا أن ما نقول وما نكتب "تمام التمام".. وإذا سلكنا مسلك فرعون: "ما أريكم إلا ما أري. وما أهديكم إلا سبيل الرشاد". مشكلة الذي يحاورك وهو متحرف لقتال. أو متحيز إلي فئة. أنه "عقد علي كده".. وتلك آفة أصابت هذا الوطن في مقتل.. وكل من انتمي أصابه العمي.. عمَي البصائر. لا الأبصار "فإنها لا تعمي الأبصار. ولكن تعمي القلوب التي في الصدور".. وكل مَن تحزب عذبك وتعذب.. وكل مَن شايع تياراً خرب الديار.. وقد قال نوح عليه السلام فيما ورد علي لسانه بالقرآن الكريم: "رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا".. وأنا أقول داعياً الله عز وجل: "رب لا تذر علي أرض مصر تياراً"!!.. لا إخواني ولا ناصري. ولا علماني ولا سلفي. ولا جهادي ولا كذبة أبريل. ولا ليبرالي!!.. لا تذر علي أرض مصر مَن يتمذهب أو يتحزب. أو يتطأف أو ينتمي إلي غير الوطن.. فالكل علي باطل.. وما هي إلا فساطيط وخيام بديلة للوطن.. وما هي إلا سبوبة ونحتاية ولقمة عيش مغموسة بدم الوطن وعذاب هذا الشعب الذي لا يريد أن يفيق والذي لا يريد أن يتوب عن أن يكون قطيعاً يُساق إلي حتفه وهو يضحك في بلاهة.. ولا يريد أن يكف عن أن يكون وقوداً لحروب التيارات والأحزاب والحركات والائتلافات والمذاهب. الناس في بلدي لم تعد عقولهم في آذانهم.. بل سقطت أكثر. وصارت في "جزمهم".. الناس يتحزبون وينتمون إلي تيارات دينية أو سياسية من أحذيتهم لا من رءوسهم.. لذلك يدهشك أن تري واحداً منهم في أقصي الجنوب. والآخر في أقصي الشمال. ولا علاقة بينهما. لكنهما يلوكان نفس الكلام "لا حرف ناقص ولا حرف زائد".. كأنها منشورات أو خطية. وزعت عليهم جميعاً ليلقوها في كل محفل وفي كل ناد. وفي كل حوار.. ولا تسأل عن منطق أو موضوعية فيما يُقال "هي كدة.. اتقالت كدة.. وتحريفها حرام شرعاً".. وكل منتم إلي تيار في مصر يردد نفس كلام تياره أو حزبه.. نفس المفردات.. فمصر صارت بلداً ببغائياً كبيراً "أبوك السقا مات": "يعني حتي متقولش أبوك البنا أو النجار أو السباك مات.. لازم يكون سقاء". يقول صديقي إياه علي طريقة أبوك السقا مات: "إن الدين الذي أرسله الله إلي محمد "ودي غلطة".. والمفروض أن يقول: الدين الذي أرسل الله به محمداً "صلي الله عليه وسلم" "ما علينا".. يقول: الدين الذي أرسله الله إلي محمد "صلي الله عليه وسلم" له شقان: شق العلاقة بين العبد وربه.. وشق العلاقة بين العباد وبعضهم "نفس الكلام.. نفس الاستامبا".. نفس القالب الذي تُصَب فيه كل الأحذية. وتُدق عليه.. والدين يا هذا. لو تمتعت بفضيلة التأمل وإعادة النظر فيما صبوه برأسك. ليس شقين. أو ليس له شقان.. بل هو شق واحد.. وهو العلاقة بين العبد وربه. فإذا صَلحت. صَلحت علاقته بالعباد.. وإذا فسدت. فسدت علاقته بالعباد.. والكَيِّس الفطن يعرف صلاح أو فساد علاقة المرء بربه من خلال علاقته بالناس.. يعرف المفلس. ويعرف الثري في علاقته مع الله.. وعُد يا هذا إلي حديث رسول الله "صلي الله عليه وسلم" لتعرف أنك شطرت ما لا ينشطر. وشققت ما لا ينشق. وقسمت ما لا ينقسم. وهو الدين.. علي طريقة أهلك وعشيرتك. لا علي أساس العلاقة مع الله عز وجل.. تحدثت بطريقة: هذه نقرة. وتلك نقرة أخري. * * * * * قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "أتدرون مَن المفلس؟!.. قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم ولا متاع له.. قال: المفلس من أمتي مَن جاء يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج.. وجاء وقد شتم هذا. وقذف هذا. وأكل مال هذا.. فيأخذ هذا من حسناته.. ويأخذ هذا من حسناته.. فإذا فنيت حسناته.. طُرح عليه من سيئاتهم. فطُرح في النار". "وبرضه مش حاقولك تمام زي ما قلت".. فقد أكون لا أدري.. وقد أكون مخطئاً. وأستغفر الله.. لكن أليس الدين واحداً؟!.. علاقة المرء بالناس تفسد أو تصلح علاقته بالله.. تماماً كما يفعل تيارك "صلاة وصيام وحج وزكاة.. وكل شيء".. ثم بعد ذلك "خراب وتدمير وترويع وقطع طُرق. وقتل وفساد في الأرض. وقذف وسب. وعزة بالإثم". يا أخي.. ويل للذين يلوون ألسنتهم بالكتاب لنحسبه من الكتاب وما هو من الكتاب.. المسلمون أو تيارات الإسلام السياسي الآن تعيب علي اليهود والمسيحيين أنهم حرَّفوا الكتابين المقدسين التوراة والإنجيل.. وقد فعلت تيارات الإسلام السياسي ما هو أشد وأخطر. وهو تحريف المعاني والتفسير. وكسر عنق النص ليخدم الأهداف الدنيوية.. الله تعالي تكفل بحفظ القرآن نصاً.. "إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون".. لكنه سبحانه وتعالي ابتلانا بإخضاع المعاني والتفسيرات لأهوائنا. وأمزجتنا. وهنا وقعت الواقعة. والطامة الكبري.. وهي كارثة اللعب بالنصوص الصحيحة والمحفوظة من الله. وتأويلها وتفسيرها بما يخدم الأهواء والأطماع.. فأنت تقرأ أو تسمع نصاً صحيحاً سليماً. لا اعتراض عليه. ولا تحريف فيه. لكن مَن يشرح لك المعني يوقعك في فخه ومصيدته. ويخضعك لهواه. ويحكمك باسم الدين ويقول لك: هذا حكم الدين.. فالدين هنا لا يحكم.. ولكن صاحب الدنيا والهوي يحكم به.. وإذا تأملت تجد أن الدين الذي هو غاية الغايات. صار عندهم وسيلة. الدين الذي لابد أن يكون متبوعاً صار لأهوائهم. تابعاً.. نفس طريقة فرعون "ما أريكم إلا ما أري. وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".. وقد وقع المصريون جميعاً زمان في فخ مقولة مغلوطة وهي أن جماعة الإخوان أكثر الفصائل تنظيماً وجاهزية لحكم البلاد.. وقد قلت مراراً. ولكننا لا نسمع الصُم إذا ولوا مدبرين: إن تيار الإسلام السياسي عموماً "لا هو منظم ولا حاجة".. والحكاية هي أن أي واحد "مؤهلاته العقلية علي قده" يستطيع بثلاث آيات. أو أربعة أحاديث أن يحشد المئات من خلفه ليسمعوا له ويطيعوا. الدجال الذي يجيد اللعب بأحلام الناس وآمالهم وآلامهم. يحشد ملايين الزبائن والأنصار من حوله.. "ولو حلفتلهم بالطلاق والعتاق. وأتيتهم بألف دليل ووثيقة علي أنه نصاب ودجال ما صدقوك".. بل ربما لو اقتربت منه لتسوقه إلي الشرطة لفتكوا بك. كما فعلت الجماهير بالعميد مجدي "عادل إمام".. عندما أراد القبض علي "ديناري الدجال".. في فيلم "النوم في العسل".. وصدق ديناري عندما قال للعميد مجدي "أنا هنا أقوي منك.. أنا في حماية كل الناس"!! لا يوجد دجال في أمتي. ولا يوجد متسول إلا وعدة النصب عنده هي الدين.. والفرق بين متسول وآخر ودجال وآخر. هي قدراته علي توظيف الدين والدعاء في حرفته.. الفرق في القدرات التمثيلية.. لذلك نري نجوماً في الدجل. ونجوماً في التسول. كما نري نجوماً في السياسة ونجوماً في الدين. ونجوماً في الفن والإعلام والصحافة.. كلنا دجالون.. لكن المواهب هي التي تؤدي إلي الفرق.. هناك من لديهم موهبة تسويق الباطل. وترويج الزيف.. وهناك من لا يجيدون تسويق الحقيقة وترويج الصدق والصواب.. وليس صحيحاً أن الذي يستطيع إقناعك هو الذي يكون علي صواب.. لكن الصحيح أن لديه براعة تسويق الباطل وإقناعك بالزيف.. فالفروق ليست في الصواب والخطأ. أو في الحقائق والأكاذيب. ولكنها في القدرات علي التسويق والترويج. والإعلان.. والدين صار أفضل وأسهل وسيلة لترويج وتسويق الأباطيل. وتمرير الزيف علي أساس أن الناس إذا اعترضوا "يبقوا اعترضوا علي كلام ربنا".. وهنا تصدق المقولة الشيوعية علي الحالة عندنا.. بل في أمتنا كلها وهي: "إن الدين أفيون الشعوب".. والحق أن الدين نفسه ليس أبداً أفيوناً أو مخدراً.. ولكن تفسيرنا وتأويلنا حسب أهوائنا هو فعلاً الأفيون. * * * * * والدين الذي أنزله الله تعالي لإفاقة الناس من سكرتهم وإيقاظهم من سباتهم. جعله بعض أقوامنا وسيلة لتغييب العقول. وتخدير القلوب. وإغراق الناس في الخرافات والدجل. يسهل سوقهم مثل القطيع إلي حيث يريد صاحب الهوي.. والدين الذي جعله الله لهداية البشر. استخدمه قومنا للإضلال والشعوذة.. وحبسوه في شخوص يزول بزوالهم.. ويبقي ببقائهم.. فإذا بقي مرسي. بقي الدين.. وإذا ذهب مرسي. ضاع الدين وانتهي.. وربط قومنا قسراً وزوراً وبُهتاناً بين الشرعية والشريعة.. وشرعية الصناديق والمنهج الانتخابي. منهج دنيوي مخترع.. وضعي يجوز الشك فيه والطعن عليه.. لكن قومنا جعلوه منهجاً ربانياً إلهياً. لأنه ارتبط بمرسي.. يلعبون بقواعد العلمانية والليبرالية والديمقراطية. التي يرفضونها.. ثم يجعلون نفس القواعد التي يرفضونها مقدسة لأنها جاءت بمرسي.. "مالكم كيف تحكمون؟!".. لقد فاز مبارك في انتخابات تعددية وكانت له شرعية صناديق "مزورة سليمة مش مهم".. ثم جاءت وكسة يناير لتخلعه. وقلنا إنها ثورة شعبية. ولم يقاوم مبارك. ولم يدافع عن شرعيته.. وفاز مرسي في انتخابات تعددية. وكانت له شرعية صناديق "مزورة سليمة مش مهم".. ثم جاء طوفان يونيه وعزله.. لكن مرسي وأهله يقاومون ويتمسكون بالشرعية "ودونها دماؤهم".. وهي نفس شرعية مبارك.. "ليه؟!!".. لأن مبارك لم يسلك سكة الدين. فلم تكن له فئة تنصره.. لكن مرسي وجماعته وتياره سلكوا سكة الدين.. فكان ما نحن فيه الآن.. ثورة علي مبارك حماها الجيش.. وثورة علي مرسي حماها الجيش.. "إيه الفرق والنبي؟!.. حد يقول لي".. فأنا غُلب حماري.. ولا أدري.. ورحم الله "لا أدري.. فقد ماتت في مصر من بدري"!!! نظرة * مَن علم بلا فتوي. خير ممن أفتي بلا علم.. ومن أفتي بلا علم فقد ضل وأضل.. ومن علم بلا فتوي فقد نجا وأنجي.. والعالم الحق لا يقول كل ما يعرف.. والعالم المزيف هو الذي يقول ما لا يعرف.. والعالم الحق قلبه أمام لسانه.. والعالم المزيف لسانه وقلمه سابقان لقلبه.. وروي عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه قال: إن في جهنم أرحية تطحن العلماء طحناً.. فقيل له: ولم تطحن العلماء؟!.. قال: تطحن مَن علم. ولم يعمل بما علم.. والناس في بلدي تحولوا إلي ألسنة وأقلام بلا قلوب ولا عقول.. وحصائد ألسنتنا تكُبنا علي وجوهنا في نار الدنيا ونار الآخرة.. والتخاصم بيننا هو تماماً تخاصم أهل النار.. كلما دخلت أمة لعنت أختها.. ودساتيرنا وقوانيننا غير قابلة للحياة.. تولد لتموت.. ولجاننا ومجالسنا مقابر للقضايا. ولحود لمشاكل بلا حلول.. ونقول بألسنتنا ما ليس في قلوبنا.. ويعجبك قولنا في الحياة الدنيا ونشهد الله علي ما في قلوبنا. وهو ألد الخصام.. ثم نتولي فنفسد في الأرض. ونهلك الحرث والنسل. والله لا يحب الفساد.. لكننا نفعل ما لا يحبه الله.. ويُقال لنا دائماً: استفت قلبك.. وأنا أقول لهم: "هي فين قلوبنا دي؟!!..".. فنحن نستفتي رجالاً ضالين ومضلين. أو نستفتي قلوباً ميتة!!