ما أكثر المدعين وما أقل المبدعين.. ما أكثر الكتاب وما أقل القراء.. ما أكثر الباعة وما أقل المشترين.. ما أكثر القوالين وما أقل الفعالين.. ما أكثر النظريات وما أقل التطبيقات.. كثر من يتكلمون وقل من يسمعون.. ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب.. المصلون علي "قفا من يشيل".. ولكن ذهب الذين تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر.. ليس لنا الآن من صيامنا إلا الجوع والعطش.. وليس لنا من قيامنا إلا السهر والتعب.. وليس لنا من ثرثرتنا علي الورق وعلي الهواء إلا الصداع.. كلنا أساتذة علي مقاعد خالية من التلاميذ.. "ألف خولي علي فلاح واحد".. الزبد عندنا هو الذي يمكث في الأرض.. ويذهب جفاء ما ينفع الناس.. وإذا غضب الله علي قوم أعطاهم كثرة الجدل وقلة العمل.. نكذب ونتحري الكذب حتي يهدينا الكذب إلي الفجور ويهدينا الفجور إلي النار ونكتب عند الله كذابين.. زحام.. زحام.. مئات الصحف في مصر تتنافس علي أقل من مليون قارئ. غياب أو غيبوبة الوعي أخطر أمراضنا.. نكتب بلا وعي.. ونقرأ بلا وعي.. ونثرثر بلا وعي لذلك نعيد إنتاج خطايانا في كل عهد.. ونختار "غلط" بمحض إرادتنا.. غياب أو غيبوبة الوعي والنرجسية والعزة بالإثم مأساتنا التي لا يبدو منها مخرج ومرضنا الذي لا يبدو له شفاء.. نحن في انتظار دستور جديد لكنني أراه جبلاً سوف يتمخض فيلد فأراً.. ليس لعيب في النص ولكن العوار.. كل العوار في التطبيق.. العوار في منطق الفئوية ونحن نصوغ الدساتير والقوانين.. كل فئة "عايزة حتة من الدستور".. الدستور يناقض نفسه وهو ينص علي أن المواطنين جميعاً سواء أمام القانون.. ثم ينص علي حقوق كل فئة.. الفئات صارت أوطاناً بديلة.. والوطن الحقيقي صار هامشياً.. نقول إن الدستور انتصر للصحافة.. الدستور انتصر للفلاحين والعمال.. الدستور انتصر للمرأة.. انتصر للصعايدة والنوبيين والبدو.. والنيابة الإدارية ومجلس الدولة.. "كل فئة عايزة حتة وعايزة تمييز". وتتساءل عن المواطنة فلا تجدها.. المفترض جدلاً أن المواطنة هي السقف الذي يظل الجميع.. لكنها حبر علي ورق.. تلاشت تماماً أمام الفئوية والطائفية والنرجسية.. الوطن هو بيت أبينا "اللي وقع كل واحد أو كل فئة عايزة تخطف منه قالب". الذات في مصر أعلي من الموضوع.. والفئة أعلي من الوطن.. وأنا أمير وأنت أمير ولا يوجد من يسوق أو يربط الحمير.. والخلاف ليس في الرأي ولكنه خلاف علي تقسيم الغنائم.. والحجة دائماً هي أننا تغيرنا بعد وكسة يناير وكسرنا حاجز الخوف.. وكل واحد "بقي رئيس جمهورية نفسه".. لأن يناير بوكسته أسقط الوطن ولم يسقط نظاماً.. النظام في مصر لم يسقط ولن يسقط "هو بغباوته وشكله العكر".. ومصر يحكمها نظام واحد منذ فرعون والسامري وقارون إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.. تتعدد وتتغير الأسماء والنظام واحد.. لا فرق بين من نزل ومن ركب بدلاً منه.. لا فرق بين من رحل ومن جاء.. نفس الرأس... نفس العمة.. نفس التيار الكهربائي الواصل من الكرسي إلي الرأس.. نفس البطانة التي تجيد شحن بطارية القادم كما شحنت بطارية الراحل.. "لا ثورة ولا يحزنون".. الشعب لا يسقط بثورة أو بانقلاب.. والشعب هو الذي يفسد النظام ويفسد الحاكم بسلوكياته وقدرته الخارقة علي "نفخ البلالين والعجل".. العبارة تتغير حروفها.. والجملة تتغير كلماتها ولكن المعني واحد لا يتغير أبداً "أنا ربكم الأعلي".. أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي.. أنا خديو البلد.. وما أنتم إلا عبيد احساناتنا.. "أنا اللي علمتكم العزة والكرامة".. "أنا كبير العائلة المصرية".. "أنا أو الفوضي".. "أنا عارف مين بيعمل إيه وإزاي وفين وإمتي.. وإذا اضطررت سأفعل وها أنا أفعل".. "أنا الرئيس.. أنا الشرعية".. أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متي أضع العمامة تعرفوني.. و"النبي أنا عتريس.. أنا بلوي مسيحة".. "أنا لومة.. أنا رئيس جمهورية نفسي". قل لي بربك: هل تجد فرقاً بين نظام مصري حاكم وآخر من فرعون إلي مرسي إلي ما شاء الله؟ الفرق في الأسماء لكن الشعب الذي يستخفونه فيطيعهم باق.. القوم الفاسقون باقون.. النظام لم يسقط ولن يسقط لأنه في حماية القوم الفاسقين.. ولأنه في رعايتهم وكنفهم.. الجديد الذي فعلته وكسة يناير أنها أسقطت الوطن الذي لا أظن أن إعادة بنائه ستكون سهلة.. البعض يراها سهلة وقريبة أما أنا وحدي أنا فأراها بعيدة.. لقد سقط الوطن لصالح الفئات.. لصالح الطائفية والفئوية.. لصالح الأهل والعشيرة والقبيلة.. والمصطلح لا يعني الإخوان بالذات.. ولكنه يعني كل الفئات.. فالناصريون أيضاً قبيلة.. والقضاة أهل وعشيرة والصحفيون والأطباء والمهندسون والعمال والفلاحون و"النسوان".. كل هؤلاء أهل وعشيرة وقبيلة.. ومصر يحكمها المثل العامي الذي يرسخ منطق الأهل والعشيرة "أنا وأخويا علي ابن عمي وأنا وابن عمي علي الغريب".. فالقضاة مثلاً أهل وعشيرة لكن إخوة النيابة الإدارية ضد أبناء عمهم في مجلس الدولة.. وهم جميعاً علي الغريب والغريب هو المصري الآخر الذي ليس قاضياً.. والسلفي والإخواني معاً ضد الغريب الذي هو أي مصري آخر.. لا نبحث عن الوطن.. لا ترهق نفسك فإنه "فص ملح وذاب".. "الوطن بح".. الوطن خرج منذ 25 يناير عام 2011 ولن يعود. **** عندما يرفع متظاهرو الإخوان شعارات وشارات رابعة في مسيراتهم ولا تري أثراً لعلم مصر فاعلم علم اليقين أنه اعتراف علي الملأ وعلي رءوس الأشهاد بأنه لم يعد هناك وطن ولا مصر.. وعندما ترفع صور عبدالناصر في المسيرات والمظاهرات فاعلم علم اليقين أنها مظاهرات الأهل والعشيرة لا مظاهرات المصريين.. قلت لكم ومازلت مصمماً علي أقوالي وليست لدي أقوال أخري أن مصر لم يعد بها مصريون.. فيها إخوان.. فيها سلفيون.. فيها ناصريون.. فيها أقباط.. فيها مسلمون.. فيها صعايدة.. فيها فلاحون.. فيها فئات وطوائف لكن ليس فيها مصريون "فيها بيبي.. مافيهاش بيبي.. مافيهاش بيبي".. ثورات ومظاهرات ومسيرات واعتصامات ووقفات مصر كلها فئوية.. طائفية وليست وطنية أبداً. يركب تيار أو فئة بدلاً من تيار أو فئة نزلا.. "وكل تيار يجيب بعضه ويخدم علي بعضه".. زمان كل كلامنا كان عن المفاضلة بين أهل الثقة وأهل الخبرة.. اليوم كلامنا كله عن أهل الفئة.. عن الأهل والعشيرة والقبيلة.. وهذا داء بلا دواء.. داء ورثناه من حكم المماليك.. المماليك البحرية.. المماليك البرحية.. المرادية.. الألفية.. الجلبان.. "هو بغباوته وشكله العكر".. والشعب كما قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي علي لسان كليوباترا في مسرحيته الشعرية الشهيرة: "ياله من ببغاء عقله في أذنيه".. كليوباترا انهزمت في معركة أكتيوم وعندما عادت من المعركة احتشدت تحت قصرها الجماهير في مليونية من مليونيات مصر المعروفة تهتف لها وتهنئها بالانتصار فقالت كليوباترا عبارتها الشهيرة: "الشعب ببغاء عقله في أذنيه". كان دائماً وسيبقي عقله في أذنيه ويستخفه أي فرعون فيطيعه.. استخفوه عندما أقنعوه أن موسي عليه السلام مهين ولا يكاد يبين.. استخفوه عندما اخترعوا له إلهاً علي شكل عجل جسد له خوار فظل عليه عاكفاً.. استخفوه عندما أقنعوه بأن نكسة يونيه عام 1967 انتصار تاريخي وأن نصر أكتوبر هزيمة تاريخية وحرب تحريك لا تحرير.. استخفوه عندما قالوا له إن الرئيس مبارك منزه عن الهوي.. استخفوه عندما قالوا له إن الرئيس مرسي من نسل الرسول وأنه صلي إماماً بالرسول صلي الله عليه وسلم في مسجد رابعة.. استخفوه عندما قالوا له إن جبريل عليه السلام أطل علي معتصمي رابعة من السماء وأشار إليهم بعلامة النصر "خللي بالك علامة النصر دي إنجليزية إشارة لحرف "V)". شعب قابل للاستخفاف والخداع والضحك عليه بالخرافات والدجل والشعوذة وكل أدوات النصب وحروف الجر "ليه؟" لأننا أبناء يعقوب الحقيقيون.. لأننا بنو إسرائيل الأصلاء.. نفس اللجاجة والثرثرة والنرجسية والعزة بالإثم والتعالي علي العالمين بأننا شعب الله المختار "ودلوعة السماء".. وعبقرية المكان.. وعبقرية الزمان وعبقرية الإنسان كما ذهب الراحل الدكتور جمال حمدان.. ومصر فيها عبقرية مكان فعلاً لكن الإنسان فيها لا يعي عبقرية هذا المكان. الإنسان عندنا أصابته الشيخوخة.. فالشعوب أيضاً تشيخ ويصيبها الخرف وتستجيب للدجل والخرافات.. ودول الحضارات القديمة كلها شاخت وهرمت "وخرفت" مثل مصر والعراق والشام واليونان وإيطاليا.. إنها دورة الحياة وسنة الله التي لن تجد لها تحويلاً ولن تجد لها تبديلاً.. والشعوب عندما تشيخ كما جري عندنا تصاب بالصمم أو يكون "سمعها تقيل" فإذا حذرتها من سيطرة الفئة تقول لك "أنا فعلاً نفسي في الفتة".. تسمع ما يعجبها.. تسمع علي مزاجها.. ويسهل جداً استخفافها لأن الشعوب عندما تشيخ تفقد القدرة علي الفعل والحركة وتكون كل قوتها في لسانها وتكون صلتها الوحيدة بالعالم من خلال أذنيها.. "اللي سمعها تقيل".. والذي لا يسمعك يتهمك بأن صوتك منخفض أو ضعيف ولا يتهم نفسه بالصمم وثقل السمع.. "قاعدين في السهراية يقروا علي خلق الله" ويقولون: ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. **** والشعوب عندما تشيخ وتصبح معقدة وعاجزة عن الحركة والفعل تسعي إلي مقاومة العجز والملل والرتابة بالخيالات المريضة والخرافة والكذب والدجل.. تماماً مثل الفرد عندما يشيخ ويهرم وينكسه الله في الخلق ويصبح بلا دور في الحياة فإنه ساعتها يصبح ماضوياً تماماً فلا مجال عنده للحديث عن اليوم أو الغد.. فيومه ليس فيه سوي العجز والضعف وغده قد لا يأتي.. والملعب الواسع عنده هو الماضي "يأخذ راحته فيه علي الآخر" ويحكي أمجاداً له ولعائلته ولفترة رئاسته لمؤسسة ما.. يحكي أمجاداً هي في الغالب خرافية ودجلية وكاذبة.. وهكذا الشعوب التي هرمت وردت إلي أرذل العمر.. تراها معقدة.. كسولة.. وعندها ارتداد طفولي مثل الفرد الذي يشيخ "أولنا صغار وأخرتنا صغار".. ولعل هذا يفسر لك لماذا كثر في مصر شغل العيال.. ولعب العيال.. وإصرار العيال علي تدمير الوطن وتخريبة والعبث به.. الناس في بلدي كبار عيال.. عندهم انفلات العيال وعدم تقدير العيال لعواقب أفعالهم.. لذلك يفعلون فعل العيال إذا سلطت عليهم الأضواء أو صاروا مسئولين حكوميين أو غير حكوميين.. يتصرفون في مواقع المسئولية وفي المظاهرات والثورات والاعتصامات ولجنة الخمسين والاجتماعات.. تصرفات عيال.. يتخاصمون تخاصم عيال ويتصالحون تصالح عيال.. الشعب شاخ وليس الحاكم هو الذي شاخ.. النظام في مصر واحد منذ فرعون إلي ما شاء الله ولم يسقط ولن يسقط والذي سقط حقاً هو الوطن.. تتغير أسماء الحكام وأزمانهم لكن النظام واحد والشعب الذي يستخفونه حي ومازال قابلاً للاستخفاف.. يذهب النظام ويأتي آخر.. والفاسقون علي حالهم باقون!!! نظرة السياسة في مصر "رطرطت".. زمان كنت أقول إن الصحافة "لمت".. ولكن الأمر تجاوز "اللم".. وبعد وكسة يناير أقول الآن إن السياسة "لمت".. صارت حرفة المرتزقة "والصيع".. صارت سبوبة ودجاجة تبيض ذهباً.. "اللي ناشط.. واللي ناشطة وإيش تعمل الناشطة في الوش العكر".. وهناك محلل سياسي وكاتب سياسي وخبير استراتيجي سياسي ومفكر سياسي.. "وأي حاجة وراها سياسي".. مدرس سياسي.. طبيب سياسي.. حلاق سياسي.. زبال سياسي.. لاعب كرة قدم سياسي.. زواج سياسي وطلاق سياسي واغتيال سياسي وجنس سياسي وحب سياسي.. ومشكلة المصريين الأزلية ادعاء المعرفة.. لا أحد في مصر يقول: "لا أدري".. والناس يمارسون السياسة كما يمارسون كل شيء.. لا وعي ولا فهم ولا معرفة.. والرياضيون في أي لعبة الذين يرفعون شارات وإشارات سياسية يمارسون السياسة كما يمارسها "اللي خلفوهم".. بنفس البلاهة والغباء والبحث عن شهرة ودور.. وقد كان شعبنا أيام كليوباترا عقله في أذنيه واليوم.. ومع "رطرطة السياسة".. وتحولها إلي سلعة مغشوشة علي عربات اليد.. صار الساسة عندنا جائلين مثل الباعة الجائلين.. صاروا مراهقين يفكرون بشقهم الأسفل.. وعندما نزلت السياسة إلي الملاعب ومارسها لاعبو كرة القدم تأكدت أن عقل الشعب لم يعد في أذنيه وإنما صار في "جزمته"!!!