من آثار قضية الاختيار التي تميز بها الإنسان عن غيره من الكائنات خلقاً الصدق والكذب وهما خلقان بشريان لا يتخلق بهما الإنسان فقط لأن غيره من الكائنات مجبولة علي ما تفعل أو هي تتخلق بالصدق فقط فيما تفعل لا تستطيع أن تتخلق بغيره. ولأن الله أراد من خلقه أن يختاروا منهجه في قضية الاختيار فلم يرد للمسلم إلا أن يكون صادقاً بل صار الانحراف عن الصدق مدخلاً إلي النفاق والنفاق يلقي بصاحبه في الدرك الأسفل من النار. لذا فعندما سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم "أيكون المؤمن جباناً فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن بخيلاً فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذاباً فقال لا". وعندما أراد الله سبحانه وتعالي أن يمتدح رسله وصفهم بالصدق قال تعالي: "واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً" وفي وصفه ليعقوب واسحاق فقال سبحانه "ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق علياً" وفي وصفه لسيدنا إسماعيل قال تعالي: "إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً" وكذلك إدريس. وفي الوصايا التسع التي أوصي بها الله سيدنا محمد بدأ بالصدق حيث قال صلي الله عليه وسلم أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها أوصاني بالإخلاص في السر والعلن" والأخلاص أعلي درجات الصدق ويتجاوز الصدق في القول إلي الصدق في كل حركة وسكون للإنسان في سره وعلنه في فعله أيا كان هذا الفعل في بيعه وشرائه وفي تفكره وتأمله وفي كل أمر من أمور الحياة. فإذا عدنا إلي استقراء الواقع فنجد أن من علامات تحضر الأمم ورقيها شيوع فضيلة الصدق حيث يسمو البشر إلي درجة الإنسان وتشيع الحرية التي تعين الناس علي الصدق ولا تدفعهم إلي التخفي في أقوالهم بالكذب فالكذب عادة أو النفاق الذي أصله الكذب ينتشر حيث التضييق علي الحريات وكتم أنفاس الناس والتفتيش في ضمائرهم فيلوذون بالكذب وكذلك يلوذ بالكذب أصحاب الأهواء المنحرفة والأغراض المربية التي لا تتسق مع طبائع الأشياء وأصولها لذا وصف رسول الله صلي الله عليه وسلم الأثم وعلامته بقوله ما حاك بالقلب وكرهت أن يطلع عليه الناس فاللهم اجعلنا من الصادقين. تجليات إن كان نور الصبح لا يعطيك إحساساً ببهجة أو أن تري في الورد إبداعاً وإيماناً وصحوة أو أن أصوات البلابل لا تحرك فيك صبوة ماذا عن الليل البهيم إذا جثا من غير رحمة