أعدت الدولة خطة للتخلص من الأمية خلال عدة سنوات لكن السؤال الذي تبادر إلي ذهن العلماء هو ما هو تعريف الأمية الآن؟ وهل مازالت تعني الجهل بالقراءة والكتابة أم انها أكبر من ذلك في عصر وصلت فيها التكنولوجيا إلي مدي بعيد..؟ الدكتور طه حبيش الاستاذ بجامعة الأزهر يقول: إن الأمية من الكلمات المزعجة والفضفاضة في نفس الوقت أما أنها مزعجة فلأنها فيها دلالة قاسية علي تخلف البيئة التي انتشرت فيها هذه الأمية. وأما أنها فضفاضة فلأنها تدل علي أكثر من معني تكون هذه المعاني مرتبة ترتيبا تصاعديا إن شئت أو تنازليا إن أردت. قال في مجال التربية والتعليم تكون الأمية دالة علي فقد القراءة والكتابة والعجز في هذين المجالين. وأننا لا ننزعج كثيرا من فقد هذا المعني لأن النبي صلي الله عليه وسلم علمنا ان القراءة والكتابة مهارتان بهما يستطيع الانسان أن يحصل من ابناء نوعه خلاصة تجاربه. ولما كان النبي صلي الله عليه وسلم قد تحقق له ذلك بغير قراءة أو كتابة لم تكن الأمية بالنسبة له ذات دلالة سلبية. اضاف د. حبيش أن النبي صلي الله عليه وسلم كان شديد الوعي بما اختصه الله به من تحصيل المعلومات من غير أن يكون محتاجا لتحصيل أدواتها.. ومن أجل ذلك وجدنا النبي صلي الله عليه وسلم يفتح كل باب لتحصيل هذه الوسيلة أعني القراءة والكتابة ويظهر ذلك في غاية الجلاء منذ أول العهد لإنشاء الدولة الإسلامية حيث طلب فدية الأسير تعليم عشرة من أبناء الأمة القراءة والكتابة وهذه لفتة من النبي صلي الله عليه وسلم جعلت الأمة في أول عهدها تلتفت إلي الأمية باعتبارها دلالة علي شيء يتصل بالأدوات ينبغي أن نتخلص منها. قال د. حبيش اننا إذا أردنا أن نتعرف علي ما فعلته الأمة في مجال تحصيل المعرفة سنجد هذا التطور الهائل لحظة بعد لحظة في المجتمع الإسلامي منذ عهد المبعث إلي قرون متقدمة لكننا في هذا الزمان إن أردنا أن تحاكي أمتنا في عصر المبعث فإنه يجب علينا أن ننظر إلي الأدوات التي تحقق بنا نقل المعرفة واستجلالها وتحصيل تجارب الآخرين.. أشار د. حبيش إلي أن الأدوات في هذا الزمان لم تعد قاصرة علي تعلم القراءة والكتابة فحسب بل تطورت واصبحت الأدوات كثيرة ومتعددة واشهرها في هذا الجانب التقني المتصل بالحاسب الآلي والتكنولوجيا الحديثة والمتطورة وفي غير جوانب المعرفة نحتاج إلي تأمل غير قليل في مجال المهن وتحقيق التقدم الاقتصادي المترتب علي هذه الجودة في تحقيق هذه المهن وتحصيل نتائجها وهو أمر يتباهي به الناس اليوم وهو المعيار الاساسي الذي تقوم عليه وسائل التفضيل بين أمة وغيرها.. قال إن الرسول العظيم صلي الله عليه وسلم استطاع ان ينهض بأمة عاشت حياة البداوة والأمية إلي قمة العلم والمعرفة من خلال المسجد الذي تعلم فيه الصحابة الأجلاء وكان معظمهم من الشباب حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بل تعلموا الطب النبوي من الرسول صلي الله عليه وسلم ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تعلموا فنون القتال ووضع الخطط الحربية والاستراتيجية العسكرية.. أوضح د. حبشي ان النبي صلي الله عليه وسلم استطاع وهو الأمي أن يتحدي العرب وهم أهل البلاغة والفصاحة في أخص صفة لديهم وهي اللغة كما علم صحابته الأجلاء التجارة والزراعة وجعل لكل منهم حرفة يتكسب منها حتي لا يكونوا عالة علي أحد وكل ذلك كان بفضل محو أميتهم المعرفية والثقافية والهجائية وغير ذلك. قال إن الأمية الآن وقد تحولت إلي غول يلتهم الأخضر واليابس في تقدم حضاري بل طالب علوم الدين نفسها والاسباب معروفة فالمساجد كانت مجال اشعاع يقوم الامام من خلال هذه المساجد ببث المعرفة الدينية وما لها من صلة بالجوانب الاجتماعية والآن نحب أن يباشر المسجد دوره وان يقوم الإمام بعمله علي أكمل وجه حتي يعود إلي سيرته الأولي أما وقد ضاع من الأمة شيء آخر هو التعليم عن طريق الكتاتيب بما له من مميزات يعرفها كل من انتسب إلي الأجيال الماضية ثم قيام التربية والتعليم بدورها منه احياء دور الانشطة التربوية وهذا أمر طيب اضافة إلي ضخ الحياة في المناهج التعليمية وقيام المخلصين بالاشراف علي تطبيق هذه الأنشطة علي أكمل وجه... دعا الدكتور حبيش رجال الأعمال وأصحاب الشركات المتقدمة في مجال التكنولوجيا بالاتفاق مع طلبة الماجستير والدكتوراة ورعاية اصحاب الابتكارات والمخترعين حتي ينتهوا من ابحاثهم ثم ينتفعوا بها بعد ذلك حتي تتقدم الأمة وترتقي بين الأمم. قال إن هذا العمل بحاجة إلي مجموعة من المخلصين يخلصون هذه الأمة من عار الأمية اللعينة التي نخرت في عظم ابنائها.. وإنا لمنتظرون. الدكتور علي مدكور استاذ التربية وعميد معهد الدراسات والبحوث التربوية جامعة القاهرة الاسبق يقول: إن الأمية قديماً كانت أمية القراءة والكتابة "الهجائية" وذلك في فترة الخمسينيات وما بعدها.. ثم تطورت بعد ذلك إلي الأمية الوظيفية بحيث يتعلم الأمي بجانب القراءة والكتابة حرفة أو صنعة ليصبح منتجا في المجتمع ثم تطور الأمر بعد ذلك واصبحت القراءة الحضارية الثقافية لأن الانسان الذي لا يفهم العالم من حوله والمشاكل التي يعج بها المجتمع هو الانسان الذي لا يعرف من هو ولا ماذا يريد. قال إن العالم الان اصبح يتعلم الأمية المعلوماتية ولابد للناس أن تفهم أن المعرفة هي المعلومات وأن المعرفة هي انتاج الأفكار الجديدة والطرائق الجديدة لحل المشكلات ووضع سيناريوهات لحل مشكلات المستقبل. اضاف ان التخلص من الأمية بحاجة إلي أن نعلم أولادنا بالمدارس كيف يعلمون أنفسهم.. لأن الاعلام بأنواعه اصبح معلما ومنه التليفزيون والانترنت إذن علينا أن ندرب ابناءنا من خلال هذه النوافذ تعليما ايجابيا من أجل صنع مستقبلنا.. أوضح د. مدكور أن سد منابع الأمية بحاجة إلي الاهتمام بالتعليم في مرحلة التعليم الإلزامي عامة وفي سن السادسة والقضاء علي التسرب من التعليم خاصة التلاميذ الذين لا يجدون تعليما جيدا فيضطرون إلي التسرب من التعليم ومن الاسباب الخريجون الذين يتخرجون من التعليم الفني ولا يجدون عملا لهم ولا يدخلون الجامعات وهؤلاء نسبتهم حوالي 70 بالمائة وكذلك طلبة الجامعات الذين لا يجدون فرص عمل وإذا عملوا لا يعملون في تخصصاتهم فكل هذا أدعي أن الناس لا تبعث بأولادهم إلي المدارس ليتعلموا بدون جدوي.. أكد الدكتور مدكور أن الحل الأمثل للقضاء علي الأمية هو تحسين التعليم وجودته وفتح افاق زراعية وصناعية لتشغيل الناس حتي يكونوا منتجين وننتقل بهم من الاستهلاك إلي الانتاج وتحويلهم من طاقة سلبية إلي طاقة منتجة. أشار إلي أن التعليم بغير لغتنا هو من أهم منابع الأمية حيث أننا نعتمد علي الترجمة والقص والحفظ وأداء الامتحان وننسي بعد ذلك كل ما تعلمنا من الترجمة.