لم يفق الشعب المصري من كارثة قطار أسيوط والتي راح ضحيتها 51 تلميذاً منذ ثلاثة أشهر تقريباً حتي فجعته كارثة قطار البدرشين والتي قتل واصيب فيها أكثر من مائة وخمسين من شباب مصر المكافح الذي ذهب لأداء واجبه الوطني في الأمن المركزي فتم التعامل معه باستهانة. وقوع الكارثتين خلال أسابيع قليلة يجسد حالة التسيب والفوضي التي تسود كل مرافق الدولة ويؤكد اننا أمام مسئولين لا يقدرون المسئولية وأمام موظفين في السكة الحديد لا يعرفون قيمة أرواح البشر.. مسئولين أدمنوا الاهمال والفوضي ولم يعد يشغلهم غير المكافآت والحوافز والبدلات والامتيازات الوظيفية. هذه الحوادث والكوارث والأزمات برهان ساطع علي فشل حكومة هشام قنديل في التعامل مع الواقع المصري المتردي رغم الصلاحيات الواسعة التي منحها لها رئيس الجمهورية والأموال الطائلة التي تنفقها من خزينة الدولة الخاوية. ورغم التحذيرات التي انطلقت علي ألسنة العديد من الخبراء والمسئولين السابقين والحاليين من تكرار حوادث القطارات خاصة قطارات الغلابة التي يذهب ضحيتها دائماً فقراء أبرياء سواء أكانوا ركاباً لهذه القطارات المتهالكة أو ساقهم القدر الي المرور من أمامها أو السير في محيطها. لذلك لا ينبغي ان يمر هذا الحادث المؤسف والمخجل دون حساب وعقاب رادع ولا يجوز تحميل مسئوليته لسائق قطار متهور أو مستهتر أو تربي علي الاهمال. بل ينبغي محاسبة قيادات هيئة السكة الحديد الذين أزهقوا أرواح الأبرياء. *** من العار تحميل كوارث السكة الحديد المتلاحقة الي النظام السابق. فقد كانت القطارات تسير في عهده بنفس الامكانات والبشر دون تكرار الكوارث المتلاحقة كما نشهدها حالياً وهو ما يؤكد ان المشكة ليست في قضبان السكة الحديد ولا في الامكانات المتواضعة ولا في القطارات المتهالكة بقدر ما هي في موظفي السكة الحديد من مسئولين ومهندسين وفنيين وسائقي قطارات وعمال صيانة وملاحظي بولكات وغير ذلك حيث فقد هؤلاء الاحساس بقيمة أرواح الناس. هذا الحادث المأساوي يحمل إدانة واضحة لرئيس الحكومة الي جانب كبار المسئولين في وزارة النقل وهيئة السكة الحديد فوعودهم جميعاً عقب كارثة أسيوط التي هزت المجتمع المصري كله لم ينفذ منها شئ علي أرض الواقع ولو عمل المسئولون بعشرة في المائة من الوعود التي أطلقوها منذ أسابيع ما وقع حادث قطار البدرشين وما فقدنا أرواح هؤلاء الشباب بسبب اهمال سائق قطار وبعض موظفي هيئة السكة الحديد. لا يكفي ان نطفئ نيران الغضب والسخط في نفوس كل المصريين بوعود براقة سرعان ما تتلاشي ثم نفيق من غفوتنا وبريق وعود رئيس الحكومة ووزير النقل والنائب العام علي فاجعة أخري بل لابد من أن يقدم جميع المسئولين عن حادثي أسيوط والبدرشين الي محاكمة عاجلة وعادلة ليكونوا عبرة لكل مسئول يهمل في عمله ويزهق أرواح أبرياء ويشوه صورة مصر في كل أرجاء الأرض. *** لا أدري ما قيمة هذا التعويض الهزيل الذي بادر بإعلانه د. قنديل عقب وقوع هذا الحادث المؤسف والذي يبرهن علي استهانة الحكومة بالإنسان؟ ماذا ستفعل الثلاثون ألف جنيه لأسرة شاب ترك خلفه أرملة وأربعة أطفال؟ لقد خرج هؤلاء الشباب من بيوتهم لتلبية نداء الوطن وأداء واجب عظيم في وقت يتهرب فيه أبناء علية القوم من كل الواجبات الوطنية وفقدوا أرواحهم نتيجة اهمال الدولة ممثلة في هيئة السكة الحديد الي جانب المشرفين علي تدريبهم في الأمن المركزي. وهم جميعاً من أسر مكافحة وكل فقيد منهم هو أمل أسرته المكونة من أب وأم صغار فضلاً عن أن بعضهم متزوج وترك أرامل ويتامي.. فماذا سيفعل أهالي هؤلاء الضحايا بمبلغ الثلاثين ألف جنيه التي قدمها رئيس الحكومة وهو يعلم أنها تساوي ثمن بقرتين؟ لقد ظهر علي شاشات الفضائيات بعض أهالي هؤلاء الضحايا وهم فقراء ليؤكدوا ان كنوز الدنيا لن تعوضهم عن فقدان أبنائهم.. لكن السؤال الذي يجب ان تجيب عنه الحكومة هو: لماذا لا يعامل هؤلاء الضحايا الذين خرجوا لتلبية نداء الوطن معاملة شهداء الثورة لتخفيف المعاناة النفسية والمادية عن أسرهم ولنؤكد لهم ان الدولة تقدر المهمة الوطنية التي خرجوا من أجلها وأنها حزينة فعلاً علي رحيلهم؟ يجب ان تغير الدولة من نظرتها المتدنية لضحايا الاهمال الذين يتساقطون كل يوم نتيجة أخطاء وتقصير بعض موظفي الحكومة فمرتب رئيس هيئة السكة الحديد وحوافزه تزيد علي المائة ألف جنيه شهرياً وعندما يتسبب اهمال هذا المسئول في ازهاق أرواح أبرياء يختلق المبررات وينجو من العقاب ويظل يحصد المزيد من الحوافز والمكافآت والبدلات بينما تقدم الدولة لضحايا اهماله الفتات!! لقد عايرنا منذ سنوات قلائل أحد الإعلاميين الخليجيين الذين اختلفوا معنا بسبب دفاعنا عن حقوق بعض المصريين الذين فقدوا أرواحهم في بلده وقال قبل ان تطالبونا باحترام كرامة الإنسان المصري وتقديره حياً وميتا احترموا أنتم أولاً فثمن الإنسان الذي يموت في بلادكم في حادث قطار يساوي ثمن غسالة!! ورغم تصدينا لهذه النوعية المستفزة من الإعلاميين العرب الذين يتحدثون باستهانة عن الإنسان المصري إلا أننا نقدم لهم مسوغات اسفافهم ونؤكد لهم ولغيرهم أن أرخص ما في بلادنا هو الإنسان فمجموع ما يحصل عليه شهيد في حادث مؤسف مثل قطار البدرشين لا يكفي لشراء توك توك!! احترموا الإنسان المصري حتي يحترمه الآخرون.. اشعروا هذا الإنسان بآدميته.. أكدوا لأسر هؤلاء الشهداء ان الدولة بالفعل حزينة علي رحيلهم بهذه الصورة المؤسفة.