*في غياب القانون صار كل شئ مستباحا. ولا شئ مستبعدا. فالدولة غابت. وحضرت الفوضي. وهو جو يهيئ لاضطراب القيم وتدني الأخلاق. وانحطاط المثل العليا في المجتمع. وسيادة البلطجة والعنف. وتكريس ثقافة التكويش وشريعة الغاب. وبث الخوف والترويع في نفوس المواطنين لا سيما الضعفاء والفقراء. والفئات المهمشة.. وهو ما يدعونا للتوقف وتدبر العاقبة ومراجعة المواقف. والإجابة عن سؤال حتمي: لماذا وصلنا لما نحن فيه. وكيف نخرج من هذا النفق المظلم. وكيف نجنب البلاد والعباد ويلات الانقسام والاحتراب الأهلي والإفلاس الاقتصادي الذي نقف علي بعد أمتار قليلة منه إذا ما استمرت أحوالنا علي هذا السوء لاقدر الله!! وحتي لا نرجع للوراء وحتي لا نغرق في تفاصيل وسجالات سوفسطائية من عينة: مِنْ تسبب في ماذا.. ومَنْ يتحمل مسئولية البدايات الخاطئة فذلك وحده يشغلنا عن المضي قدما في إنقاذ المستقبل الذي لابد من المسارعة إليه بجماعية وتوافق وعزم لا مفر منه.. وإلا فالعاقبة أسوأ كثيرا مما نتصور أو مما يدور في خلد أكثرنا تشاؤما؟! * المزاج العام صار عكرا غاضبا حادا لا يقبل الاختلاف ولا يعترف بالخطأ. والديكتاتورية والعناد والإصرار والتشبث بالرأي حتي لو تبين خطؤه وفساده فيما بعد صارت آفه تلبست كثيرا منا وهو ما يجعل المشهد ضبابيا غامضا قاتما يوحي بأن أحدا من المختلفين ليس مستعدا للتراجع قيد أنملة ولا التنازل والتسامح محبة لهذا الوطن المبتلي في لحظة فارقة تستلزم التوحد والتنادي بإنقاذه وليس التباهي بالنصر أو التوعد بالانتقام ؟! * الشعب خائف يترقب. فليس في الغد ما يطمئنه في ظل ما يشاع بين أفراده عن صعوبة الوضع الاقتصادي وخطورته التي بلغت حدا غير مسبوق. وحدة الانقسام السياسي واحتقانه بدرجة تنذر إذا استمرت علي هذا النحو المرتبك والشائك بكوارث ندعو الله أن ينجي مصر وشعبها منها. * لقد كشفت الأحداث الأخيرة أنه ليس هناك مَنْ يطمئن الناس علي غدهم..فالداعمون للدستور والمؤيدون له يرونه أعظم الدساتير.. رغم ما شاب الاستفتاء عليه من خروقات وتجاوزات ومطاعن.. والرافضون للدستور يرونه شر البلية وسببا في زيادة حدة الانقسام والاستقطاب وتفتيت وحدة المصريين. وبين الفريقين يقف أغلب الشعب. إما غارقا في همومه عازفا عن المشاركة كعادته. باحثا عن لقمة العيش. وإما محتكما لعاطفته مؤيدا لهذا الفريق أو ذاك دون أن يقرأ أو يتدبر ما في هذا الدستور من مضامين وأفكار. * ولعل ما جري في الأسابيع الأخيرة منذ أحداث الاتحادية مرورا بحصار "الدستورية" ومدينة الإنتاج الإعلامي وحرق مقرات الأحزاب والاعتداء علي الأقسام والمساجد. وانتهاء بالاعتداء الغاشم علي رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند لهو دليل علي غياب تام لدولة القانون وغياب الإحساس بالمسئولية التي تتحمل الحكومة.وفي القلب منها وزارة الداخلية.الجانب الأعظم منها. نظرا لمسئوليتها المباشرة عن تنفيذ القانون وبسط الحماية والأمن علي المؤسسات والمواطنين كافة دون تمييز.. لكنها لم تتحرك للأسف لحماية قضائنا العادل ولاذت بالصمت المريب رغم أن الأمر ليس في حاجة لأوامر أو تعليمات عليا في أخص مهامها وأوجب وظائفها..!! * ويبدو طبيعيا في مناخ ملتبس كهذا أن تصبح الدول وليس الثورة فقط في خطر في ظل ما نراه من بلطجية واعتدءات واتهامات ومؤامرات وفتن لم يسلم منها للأسف حتي بعض القيادات الدينية. وهو ما يخلق تربة خصبة ترعي فيها الانقسامات وتحتد فيها الخلافات. ويتهدد بها أمن الوطن ما لم نتنبه لخطورة ذلك. * ولا يمكن استبعاد أو إنكار حالة التربص بمصر وثورتها في الداخل علي يد بعض أبنائها. وفي الخارج أيضا.. لكن ذلك يفرض علينا أن نتنادي بسرعة للحفاظ علي وطننا وتحصينه ضد رياح الفتنة.. وعلينا أن نسأل أنفسنا: أليست تلك مسئوليتنا جميعا - رئاسة وحكومة. أحزابا وثوارا وقوي مدنية وشعبية -.. ألم يئن الأوان لنتكاتف في وجه الفوضي. وأن نوقف سيل التصريحات المنفلتة من هنا وهناك حتي لا نصب مزيدا من الزيت علي النار المشتعلة.. وأن نعمل بكل ما أوتينا من قوة علي أن يسود القانون وتسترد الدولة هيبتها. وألا نسمح باستمرار ضياع هذه الهيبة تحت أي ظرف وبأي ذريعة..!! أليس من واجبنا أن نترك الجدل فيما لا طائل منه. وأن نسارع للعمل وزيادة الإنتاج وبناء مصر الجديدة.. مصر المتوحدة لا المنقسمة. مصر المنتجة لا العاطلة ولا المعطلة.. إن كل يوم يمضي ونحن علي هذه الحال يكبدنا خسائر يستحيل تعويضها. ويصب في صالح أعدائنا..!! * مَنْ المستفيد من التشكيك في نزاهة القضاء وإهدار استقلاله.. وهل يمكن للدولة أن تقوم لها قائمة في غيبة القضاء والعدالة.. أليس الاعتداء عليه وصمة عار وسبَّة في جبين الحكومة والمجتمع كله.. وأي دولة قامت دون دعائم القضاء الحر المستقل؟! * لا شك أننا سندفع الثمن جميعا إذا استمر حصار مؤسسة العدالة والاعتداء عليها.. لقد دقت أجراس الخطر في آذاننا ولم يعد ممكنا صم الآذان عنها.. ولا مفر من الحوار والمصالحة وإعادة صياغة أولويات العبور بمصر.. وإذا كنا بصدد إجراء انتخابات برلمانية في غضون 60يوما بعد موافقة الشعب علي الدستور الذي صار نافذا فيجب ألا نتجاهل أن أكثر من ثلثي الشعب لم يدل بصوته في الاستفتاء. وأن أكثر من 35% من جملة المصوتين رفضوا هذا الدستور. وهو ما ينبغي للرئاسة أن تلتفت إليه وأن تعيد القوي السياسية إلي حوار جاد تتوافق بمقتضاه علي المواد الخلافية أولا حتي يتسني تعديلها في مجلس النواب الجديد.. فهذا وحده ينقلنا لآفاق الاستقرار الحقيقي والعدالة المرجوة والحرية المبتغاة والتقدم المنشود..؟! * لقد ذقنا مرارة الاختلاف والانقسام وإعلاء المصالح الفئوية الضيقة وما استتبعها من فتن تكاد تحرق الأخضر واليابس.. ولم يعد أمانا سوي الاتفاق علي أولويات المرحلة المقبلة الذي صار فريضة وترك الخلاف والكف عن الجدل ورفع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار..!! * وإذا كان شعبنا العظيم أو سواده الأعظم قد انخرط في الصمت ولم يبد رأيه في الدستور الجديد فليس معني ذلك أن نسقطه من حساباتنا أو أن نهدر إرادته أو نفرض الوصاية عليه.فليس من حق أحد الحديث باسمه بعد اليوم.. وإنما معناه أن الشعب لم يقل كلمته بعد!! * تعالوا.. نساند الشرطة ونعاونها في استعادة هيبة الدولة وسلطة القانون وسيادته علي الجميع.. فلا استقرار ولا أمن بدونها.. تعالوا نعلي قيم الحوار والتسامح وحرية الرأي والتعبير. وألا نحمل الإعلام وحده مسئولية ما يجري ونغفل دوره الحقيقي في تهيئة المناخ للتفاهم والتنوير وقبول الآخر ولم الشمل. وفضح ممارسات مثيري الفتن ومشعلي الحرائق في ثوب هذا الوطن.. فمصر لن يستطيع فصيل بمفرده أن يستحوذ عليها أو أن يتحمل وحده مسئوليتها و لن تتقدم إلا بجهود الجميع.. وينبغي ألا يخذلها أحد في مثل هذ الظرف الصعب..!!