30 صورة من العرض التاريخي لملابس البحر ب "أمهات" السعودية    وزير التعليم يلتقي الرئيس التنفيذي للمجلس الثقافي البريطاني    زراعة الإسماعيلية تنظم ندوة عن دعم المُزارع (صور)    صراع الكبار على المنصب الرفيع، تفاصيل معركة ال 50 يوما فى إيران بعد مصرع الرئيس    اجتماع عاجل لاتحاد الكرة غدًا لمناقشة ملفات هامة    محمد صلاح ضمن المرشحين للتشكيل المثالي في الدوري الإنجليزي    تفاصيل معاينة النيابة لمسرح حادث غرق معدية أبو غالب    الشعلة الأولمبية على سلالم مهرجان كان السينمائي (صور)    عليه ديون فهل تقبل منه الأضحية؟.. أمين الفتوى يجيب    اعرف قبل الحج.. ما حكم نفقة حج الزوجة والحج عن الميت من التركة؟    دراسة علمية حديثة تكشف سبب البلوغ المبكر    الشاي في الرجيم- 4 أعشاب تجعله مشروبًا حارقًا للدهون    رئيس البرلمان العربي يشيد بتجربة الأردن في التعليم    الأمن العام يكشف غموض بيع 23 سيارة و6 مقطورات ب «أوراق مزورة»    البحوث الفلكية: الأحد 16 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    كيت بلانشيت ترتدي فستان بألوان علم فلسطين في مهرجان كان.. والجمهور يعلق    مصر تدين محاولة الانقلاب في الكونغو الديمقراطية    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    خصومات تصل حتى 65% على المكيفات.. عروض خاصة نون السعودية    "هُدد بالإقالة مرتين وقد يصل إلى الحلم".. أرتيتا صانع انتفاضة أرسنال    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    «منقذ دونجا».. الزمالك يقترب من التعاقد مع ياسين البحيري    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    ريال مدريد ضد بوروسيا دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا.. الموعد والقنوات الناقلة    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    وزارة العمل: افتتاح مقر منطقة عمل الساحل بعد تطويرها لتقديم خدماتها للمواطنين    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    الخميس المقبل.. فصل التيار الكهربائي عن عدة مناطق في الغردقة للصيانة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: مصر المكون الرئيسي الذي يحفظ أمن المنطقة العربية    انتظار مليء بالروحانية: قدوم عيد الأضحى 2024 وتساؤلات المواطنين حول الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد الانتخابي.. مرة أخري!!
نشر في الجمهورية يوم 02 - 12 - 2010

أو ما صاحبها من إيجابيات وسلبيات. وما جري حسمه من دوائرها. وما ينتظرالحسمَ في جولة الإعادة المقرر لها الأحد المقبل.. وبغض الطرف عم�'َن�' فاز فيها. ومن جانبه التوفيق.. وما أعقب ذلك من جدل وسجال.. فإن الأهم من هذا كله أن نجيب عن أسئلة مهمة مثل : ماذا حدث لنا ولماذا.. وكيف نعالج أخطاءنا وسلبياتنا التي طفحت قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها.. حتي يمكن تفاديها في المستقبل..؟!
* لا أحد يجادل في أهمية الانتخابات البرلمانية التي دارت رحاها في مصر ليس علي مدي الأيام القليلة الماضية فحسب. بل علي مدي أشهر عديدة مضت بما شهدته من ترقب وجدل وحراك سياسي لم يكن موجوداً من قبل. وعكَسَ ما تعيشه مصر من حيوية سياسية. تدين في جانب كبير منها إلي ما أطلقه الرئيس مبارك من تعديلات دستورية. وحريات غير مسبوقة فتحت الباب واسعاً أمام تفاعلات مجتمعية ضاعف من رواجها ما جادت به ثورة التكنولوجيا وسرعة تداول المعلومات.. حتي صار كل شيء يجري علي المكشوف. ولا مجال فيه للتعتيم. ولا للاجتهادات والظنون والتخمين .
* ولا أحد يجادل أيضا فيما شاب الانتخابات شأنها شأن أي نشاط بشري من خروقات وتجاوزات. يعود بعضها لحماس زائد من جانب المرشحين. ورغبة محمومة للفوز بالحصانة بشتي الطرق.. ويعود بعضها الآخر لثقافة متراكمة. من الظلم أن نحم�'ِل طرفاً بعينه مسئوليتها وتبعاتها. إذ هي نتاج تراكمات طويلة ومفاهيم مغلوطة ترسخت جذورها علي مدي سنين بعيدة.. حتي صار الوصول إلي البرلمان هدفاً في ذاته. وغاية نهائية. يسعي إليها البعض بدوافع عديدة. ولا يتورع عن خلط الأوراق. واقتراف ما يحلو له في سبيلها. وسواءى توافق ذلك مع المصالح العليا للبلاد. والطموحات الكبري للجماهير. أو تصادم مع المبادئ والقيم المجتمعية » واستند إلي مبدأ ميكيافيللي مفاده أن "الغاية تبرر الوسيلة" بصرف النظر عن مشروعية تلك الوسيلة. أو سلامتها وتحريها لنبل الغاية وشرفها .
* ثمة من يشيد بالعملية الانتخابية برمتها من ناحية. وثمة من ينتقد بعض سلبياتها من ناحية أخري.. لكن تبقي ملاحظات أساسية ينبغي ألا تمر أو نغفلها في هذا السياق .
- أولي تلك الملاحظات وأخطرها في رأيي تفشي العنف والبلطجة في بعض الدوائر. وهو عنف ليس "سياسياً" إن صح التعبير فحسب. بل هو جزء من عنف مجتمعي أوسع. اتخذ مظاهر عديدة. حتي بات ظاهرة "مؤرقة". تستلزم البحث في جذورها. واستقصاء أسبابها.. فثمة "فلتان" في الشارع. وبلطجة واضحة. وخروج علي القانون. ليس من قبل الأفراد فحسب. بل من قبل "كيانات" يفترض فيها أن تنصاع للقانون وتحتكم لنصوصه. وتنزل لأحكامه.. ولا يكاد يمر يوم دون أن نُصدم بخبر أو أخبار في صفحات الحوادث. ترصد "عنفاً منزلياً". أو عنفاً ضد المرأة. أوعنفاً في المدارس. أوعنفاً في مدرجات الكرة فيما عرف بظاهرة "الألتراس".. وغيرها.
إذن عنف الانتخابات ليس شيئاً عارضاً علي الشخصية المصرية التي عُرف عنها تاريخياً احتفاظها بميراث طويل من التسامح. والميل إلي التفاوض. وإيثار السلامة في كافة شئونها.. وهو ما يتطلب دراسةً جادة وعلاجاً ناجعا لإنقاذ المستقبل.. ولا ينبغي لأحد أن يتعلل هنا بضغوط الحياة أو قسوتها .
- أما ثانية الملاحظات فتتعلق "بالعزوف الكبير" من جانب الناخبين عن المشاركة السياسية. والإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة علي عكس ما يجري مثلاً في انتخابات الأندية والنقابات وغيرهما.. فهل يليق ببلد حضاري عريق كمصر أن تتراوح نسبة التصويت في أهم انتخاباته التشريعية بين 35%و 50% "والرقم الأخير لم يتحقق بالطبع. وإن كنا لم نفقد الأمل في الوصول إليه يوماً..!!"..
ما يضاعف الدهشة وربما العجب والألم أن دولا كثيرة أقل منا كفاءة وموارد ورصيداً حضارياً وخبرة سياسية. سبقتنا في تجاوز هذه السلبية. وارتفعت بنسبة التصويت في الانتخابات إلي أكثر من 70%.. وهو ما يطرح سؤالاً : هل للعزوف السياسي علاقة بشيوع العنف والبلطجة في مجتمعنا الآن. وفي الانتخابات علي وجه الخصوص.. أم هو فقدان الأحزاب لمصداقيتها وفعاليتها. وانعدام تأثيرها في الشارع.. أم هو لشيوع اعتقادات خاطئة مفادها أنه لا قيمة لرأي المواطن عند الحكومة التي لا تأبه به ولا تعيره اهتماماً.. بل تفعل ما تشاء دون الاعتداد برأيه أو الرجوع إليه.. أم هو فقدان الأمل وخيبة الرجاء في المرشح أو "نائب البرلمان" الذي لا يظهر بين الناس إلا أوقات الانتخابات. ثم سرعان ما يختفي. وينشغل بجمع الثروات. وجني ثمار ومغانم "الحصانة " - وما أكثرها - دون أن يكلف نفسه معايشة هموم ومشكلات أهل دائرته الذين رفعوه إلي عضوية البرلمان.. أم أن "الهروب السياسي" مرجعه الأساسي غياب دور حقيقي وفعال لمؤسسات التنشئة السياسية الحقيقية.. أم هو الخوف من ممارسة السياسة. والانكفاء علي الشواغل اليومية.. أم هي كل تلك الأسباب مجتمعة..؟!
- ثالثة الأثافي أو السلبيات الانتخابية هي شراء الأصوات بالمال أو "الرشوة الانتخابية".. وهو ما بدا واضحاً في بعض الدوائر. حتي في القري التي يُعرف عنها الميل إلي العصبيات والقبلية. وتحكمها العادات والتقاليد أو الروابط والمصالح العائلية التي ترفض بيع الأصوات في المزاد الانتخابي الذي يدق أجراس الخطر. من سوء ما وصلت إليه أحوال الناخبين عندنا قبل المرشحين. حين قبلوا بالرشاوي الانتخابية. ولم يروا في المرشح. سوي بضع عشرات من الجنيهات. أو وعود زائفة. أو شعارات مضللة تنم عن جهل بي�'َن بطبيعة المهام الحقيقية لنائب البرلمان سواء في التشريع أوالرقابة. وهو ما يعني في النهاية إيثار توافه الأغراض علي جواهر الغايات والرسالات .
* تجاوز "عنف الانتخابات" حدود المعقول والمقبول.. وتحول من حالات فردية يمكن القبول بها ما دامت لم تخرج عن مجرد كونها سلوكيات بشرية عشوائية تحدث في كل المجتمعات بدرجة أو بأخري. وليست سلوكاً ممنهجاً أو حالة مجتمعية باتت تهدد وحدة المجتمع. وتعرض سلامه الاجتماعي ووحدة نسيجه للخطر. وتضربه في صميم الجذور والأركان. وتعصف بأهم ما كان يميزه علي مر العصور من أمن ووحدة وتجانس وتمازج كان مضرب الأمثال ومثار حسدي من الجميع.
* وينسي بعضنا حين يسلك طريق العنف أن ثمة أطرافاً عديدة في الداخل والخارج. تسعي لخلخلة مجتمعنا. وضرب استقراره. وفتح ثغرات للعبث بمقدراته. ونهش وحدته الوطنية.. وهو ما يجد بغيته فيما يندلع من حوادث طائفية بين الحين والآخر. تبدأ في الغالب فردية. ثم تنتقل إلي مواجهة بين القيادات والمفكرين والرموز الدينية علي الطرفين.. ورغم ما يُبذل من مساعي حثيثة متسارعة لاحتواء مواقف. تنتج عن سوء فهم. وغياب للحقائق. وشحن طائفي بغيض. وتغييب مقصود لصوت العقل والحكمة فإن التوتر لا يلبث أن يهدأ حتي يشتعل من جديد.. فالنار ساكنة تحت الرماد تنتظر من يوقدها.. وهو ما يطرح سؤالاً يتعلق باستعداد هذه الفئة أو تلك للاحتكام إلي القانون. والقبول بأحكامه. فليس معني بطء التجاوب مع بعض المطالب أن يكون ذلك مبرراً للقيام بأعمال عنف. بدت للبعض مبيتة أو مخططة. وانتهت بإهدار هيبة الدولة. والاعتداء علي سلطان القانون. والخروج عليه. والتجاوز في حق رجال الأمن أو التنفيذيين هنا وهناك .
* وهذا ما يعيدنا إلي نقطة البداية.. وهي طريقة التعامل مع ملفات شائكة كهذه.. فهل تكفي المعالجة الأمنية. وحدها - رغم أهميتها - في هذا السياق.. وهل من المنطقي تحميل جهاز الأمن بما يفوق طاقته واحتماله.. أم أن العنف ورفض الاحتكام للقانون بهذه الكيفية مسألة تنطوي علي أبعاد سياسية. ودينية. واجتماعية. وليس مجرد "مخالفة أمنية" أو حتي قانونية.. تستلزم الردع والعقاب.. بل ينبغي لجميع الأطراف أن تتحمل نصيبها من المسئولية سواء في جانبها السياسي أو الأخلاقي أو التعليمي أو الديني أو الإعلامي.
* الاحتكام إلي المواطنة. ومبادئ الدولة المدنية. وسيادة القانون علي الجميع. ورفض الابتزاز والضغوط مهما تكن ضراوتها.. وسائل فعالة لوأد "الفتنة" في مهدها.. لا سيما والوطن يتعرض لحزمة من الفتن. تفرض ضرورة التعامل معها بآليات مؤسسية تكفي لعلاجها. وتكريس القناعة بضرورة الالتزام بأحكامها ثقة في حيادها. وإيماناً بمصداقيتها وعدالتها.. فما يحدث في أغلب أحداث الفتنة ليس خلافا في الدين. ولا صراعاً بين أتباع دين هنا أو دين هناك.. ولكنه احتقان تولد من الشحن الطائفي الذي يمارسه إعلام مسطح جاهل وقنوات فضائية تتاجر بالدين. وتبث سموم الفرقة والانعزال.. ومتطرفين علي الجانبين يحضون علي الكراهية والعنف والتعصب. وهو ما يصادف للأسف تعليماً فقيراً يغ�'ِ�'يب العقل. ولا يحض علي الإبداع والتسامح وممارسة حق الاختلاف. بل ثمة ثقافة تحرض علي التربص. والجمود. ورفض الحوار. ناهيك عن انتشار الفقر و البطالة وغياب الإحساس بالعدالة الاجتماعية. والانتماء للوطن .
* الطائفية إذن مرض اجتماعي ناتج عن أوضاع اجتماعية وثقافية واقتصادية لا يمكن علاجها إلا بتنمية المجتمع الذي نشأت فيه. فالدين أي دين سماحة ويسر. لا تشدد فيه ولا غلو. ولا إكراه.. والدين لله. ورداء الوطن يتسع للجميع.
وليست الفتنة السياسية أقل خطراً من الفتنة الطائفية. وعنف الانتخابات والتحريض عليه هو مصادرة لحق المواطن في الاختيار » بمنعه من الإدلاء بصوته من الأساس.. كما أن التشكيك في مصداقية العملية الانتخابية برمتها.. يدعو إلي تفريغها من مضمونها وعدم الاعتراف بنتائجها.. وذلك أخطر جوانب الفتنة التي ينبغي التصدي لها.. وليس الاكتفاء بالفرجة. بدعوي أنها "مجرد حالات فردية".
* ولا يعد من قبيل التحريض إذا قلنا إن تسامح الدولة إزاء محاولات الخروج علي القانون هو الذي شجع علي مزيد من الانتهاك لسيادة الدولة وولايتها في تنفيذ هذا القانون. سواء من قبل الأفراد أو الفئات التي تستمرئ هذا التساهل.. فالقانون وليس الاستثناء هو القاعدة التي ينبغي أن يقبل بها الجميع دون تباطؤ أو امتعاض .
وليس معني اقتراب الاستحقاقات البرلمانية أو الرئاسية أن تتساهل الحكومة في تطبيق القانون. كما جرت العادة عند كل انتخابات سابقة. فتُعفي المخالفين مثلا في زراعة الأرز من دفع الغرامات. أو تتقاعس عن تحرير مخالفات لمن يقومون بالبناء علي الأرض الزراعية.. إلخ.. وهو ما يبعث برسائل خاطئة توحي بتمرير المخالفات. وغض الطرف عما يقترفه البعض من خروقات يدفع هذه الفئة أو تلك إلي استمراء الخروج علي القانون. والاعتقاد بأن ما كسبته في غيبة القانون صار حقاً مكتسباً لا مجال للتفريط فيه. وأن الانتخابات باتت فرصة سانحة لمخالفة قوانين الترخيص بالبناء مثلاً. بينما الحكومة وأجهزتها المعنية مشغولة بالإعداد للانتخابات .
* وإذا كانت الحكومة لشيء في نفسها قد غضت الطرف عن ابتزاز البعض لها في كل موسم انتخابي. فقد تولد لدي هؤلاء اعتقاد بأن بإمكانهم لي�' ذراعها. وإسقاط هيبتها تحت أقدام المصالح والمطامع الشخصية.. ومن ثم فقد أخطأت الحكومة في حق القانون حين تراخت أو تساهلت في تطبيقه علي الجميع في ظل الأجواء الانتخابية وغيرها.. وتخطئ أكثر بتراخيها في إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة الذي نرجو لمجلس الشعب الجديد أن يتصدي لمناقشته بشجاعة. وإقراره كحل نهائي يقطع الطريق علي المزايدين في مثل هذه الأحداث الطائفية البغيضة» حتي يحتكم إليه الجميع مسلمين ومسيحيين وينهي حالة من الاحتقان والإحساس بالتمييز الذي يستغله البعض لتكريس مزيدي من الانقسام والانفراط من عقد المجتمع المدني والتفكك من وشائجه وروابطه .
* ثمة ملاحظة أخيرة قد تبدو أكثر إدهاشا في سياق الانتخابات الأخيرة. وهي تزايد إقبال الناخبين علي التصويت في الريف عنهم في القاهرة والمدن الكبري. وزيادة وتيرة العنف في بعض دوائره أيضاً. رغم ما عُرف عنه من احترام لما يجمع بين العائلات من روابط اجتماعية وصلات قوية. تحول دون الإغراق في دوامة العنف الذي يشيع في المدن أكثر... لكنه العنف الذي صار ظاهرة يصعب الفكاك منها في الحضر أو الريف علي السواء .
تعالوا نحتكم إلي قانون واحد نرتضيه جميعا. يطبق علي الكل دون استثناءات.
تعالوا لنعلي قيم المواطنة. ولا نرضي بغيرها بديلاً. ولا بغير الحوار وسيلة لحل مشكلاتنا واختلافاتنا.
تعالوا نجعل الوطن فوق الجميع. نابذين العنف. آخذين علي أيدي مرتكبيه أي�'ًا ما تكن انتماءاتهم أو دوافعهم .
تعالوا إلي كلمة سواء ننظر بها للمستقبل. ونضع بها حداً للبطالة وتدهور التعليم. وغياب الوعي السياسي والديني. حتي لا نقف مكتوفي الأيدي أمام "تراكم القمامة مثلا في شوارعنا".. فما بالنا بالبلطجة السياسية. والاستقواء بالخارج. وتضليل الداخل وفتنته..؟!
تعالوا نقدم القدوة لشبابنا باحترام القانون. حتي لا يزداد عزوفهم عن المشاركة في بناء حاضرهم ومستقبلهم. وحتي يزداد إيمانهم بأن وطنهم ملك لهم وحدهم. لن يحافظ عليه غيرهم. ولن يبنيه سواهم .
إضاءات
* الدال�'ُ علي الخير كفاعله .. والمحر�'ِض علي الشر هو ومَن�' ارتكبه سواء بسواء .. وإذا كان القانون الوضعي قد ساوي بين المحرض علي الجرم والمجرم الأصلي في العقاب .. فهل يساوي الشرع بينهما أيضا في الجزاء . سواء في الدنيا . أو في الآخرة .. ولماذا جعل الله الفتنة أشد�'َ وأكبر من القتل .. ثم أليس التحريض علي الشر " فتنة ً" في الأساس . وسعياً للإفساد بين الناس . ومن ثم .. أليس المحرضون علي الشر مفسدين في الأرض . وإذا كان ذلك كذلك .. فهل يقع هؤلاء تحت قوله تعالي:
إِن�'َمَا جَزَاء ال�'َذِينَ يُحَارِبُونَ الل�'هَ وَرَسُولَهُ وَيَس�'عَو�'نَ فِي الأَر�'ضِ فَسَاداً أَن يُقَت�'َلُوا�' أَو�' يُصَل�'َبُوا�' أَو�' تُقَط�'َعَ أَي�'دِيهِم�' وَأَر�'جُلُهُم م�'ِن�' خِلافٍ أَو�' يُنفَو�'ا�' مِنَ الأَر�'ضِ ذَلِكَ لَهُم�' خِز�'يٌ فِي الد�'ُن�'يَا وَلَهُم�' فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{33}
* يخطئ من يظن أنه ناجي بمكره ودهائه من مكر الله .. فالله يمهل ولا يهمل . يستر عبده ما دام لم يتعمد إيذاء الناس . والمكر بهم . وهو دائماً بالمرصاد لكل شيء .. ويخطئ من ينسي أو يتناسي أن الله لا يغفل عن فعلته . ولا يترك الناس رهنا لأفعاله .. فالله تعالي يقول : وَيَم�'كُرُ الل�'َهُ وَالل�'َهُ خَي�'رُ ال�'مَاكِرِينَ‏}‏ [‏سورة الأنفال‏:‏ آية 30‏]‏‏.‏
ويقول أيضاً إِن�'َهُم�' يَكِيدُونَ كَي�'دًا وَأَكِيدُ كَي�'دًا " الطارق : 15 ، 16
لكن�'َ مكر الله حتماً ليس كمكر البشر . فمكرُ البشر إفسادى وطغيانى . وعاقبة الإفساد مؤلمة .. أما مكرُ الله فهو حفظ للناس من هذا الإفساد . وتطهير لهم من آثامه . وحماية للضعفاء. ومن لا حيلة لهم من بأس الأقوياء وجبروتهم .. فهل ينتبه أصحاب الحيل والمكر . أو من يظنون أنهم قادرون علي شيء مما كسبوا أن هناك قدرة مطلقة تحوط من لا حيلة لهم . وتدفع عنهم الأذي . وتحفظهم من مكر غيرهم وشروره ..؟!
* فهل نستوعب تلك الحكمة الإلهية الكبري في العدالة المطلقة..؟!

E-mail:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.