رأيته فجأه واقفا أمامى ..تسمرت قدماي وكدت أفقد توازني حينما تلاقت أعيننا ..لم أكن أتخيل مطلقا أن أراه بعد كل هذه السنوات. اعترت جسدي قشعريرة حينما اقترب مني وأخذ يتأملني ..ومد يده ليصافحني ..شعرت ببرودة في يديه ..لم أميز هل هي برودة الشتاء أم أنها نابعة من داخله ..ظل يتحدث عن أشياء كثيره ..ولم أكن خرجت من ذهول المفاجأه فلم أستوعب حديثه ..أقترح أن نجلس في مكان ما ..وافقت دون تفكير ..لأعلم لماذا ؟ كان دائما غائبا عن عيني ..حاضرا في قلبي وفي فكري وفي خيالي ..ربما تكون هذه سذاجة ..لا أدري فكل ما أعرفه أنني لم ولن أحب غيره ..ذهبنا إلي مكاننا القديم الذي شهد أول لقاء جمعنا معا ..وكانت هذه رغبتي ..المكان هو المكان بكل تفاصيله ..ولكن هناك شيئاً تغير ..نفس الشجره التي كانت فروعها ممتده إلي الخارج وكأنها كانت تأبي أن يجلس أحد في ظلها وكأنها كانت تنتقم منا من كثرة ما جرحناها بحروفنا وتواريخ ميلادنا .. كنت أضحك وأقول له ماذا لوكانت فروعها ممتده هنا ناحيتنا لكي نستظل بها ونحتمي بها من لهيب الشمس ورذاذ المطر ..رباه كم من الفصول مرت علينا هنا ..عشقت معه كل الفصول ..عشقت الصيف بجفائه ..والشتاء بسخائه ..عشقت كل لحظه كنت فيها معه وكرهت كل لحظه كان فيها بعيدا .. ذات يوم كنا في فصل الخريف ..كان اخر لقاء بيننا ..لم نكن نرتب لذلك ولكنه كان اخر لقاء ..قال لي انه سيسافر لكي يكمل حلمنا الجميل ..سافر ولكنه لم يأت وتبخر الحلم الجميل مازلت اذكر البيت الجميل الذي بنيناه معا علي الرمال علي شاطيء البحر ..كان رائعا ..كان كل ركن فيه جزءا من حلمنا الكبير ..ولكننا لم نعمل للأمواج حسابا ودعته على مل أن ألقاه ..وعدني أنني سأظل في عقله وفي خياله وفي قلبه ..عاهدني ألا يفارقني أبدا ..انتظرت كثيرا وطال انتظاري ..لم يرسل لي خطابا واحدا يطمئنني هل نسي الحب الكبير والحلم الجميل ؟اختلقت له الأعذار ولكني أدركت الآن أني كنت مخطئة. كنت أتردد علي هذا المكان كثيرا فأشعر فيه بأنفاسه تملأ المكان وأشم فيه رائحة دخان سيجارته وأتخيله معي هنا ..نخطط ونرسم مستقبلنا وأحلامنا..كنت أحسب كل شيء وأدرسه جيدا ..ومعه نسيت أن الشيء الوحيد الذي لايخضع للحسابات هو القدر .. لا أعلم كم من الوقت مضى وأنا جالسة معه ولا أعلم هل قلت له هذا الكلام ام كان مجرد ذكريات تصورت أني قلتها ..ولكني تنبهت له وهو يحدثني .. نظرت إليه .. كانت نظرات عينيه بارده تماما مثل يديه ..مشاعر غريبة ومتضاربة انتابتني ..رفض ..وحنين ..لم يذكر لي مبررا واحدا لغيابه ..لم يذكر لي سبب ابتعاده عني .. كان يتحدث كأن شيئا لم يحدث. يملأ الرفض عقلي ويزيح الحنين ,,ألهذا الحد كنت باردا ..ألهذه الدرجة كنت لا تبالي. لمحت دبلة في إصبعه ..سألته عينأي ..ولكنه لم يعبأ بسؤالها ..وقتها شعرت بكرامتي التي أهدرتها طواال هذه السنوات وأنا في انتظاره ..نظرت إلي المكان وإلي الشجره والي السماء التي ظلمت فجأة وتلاحم رذاذ المطر مع دموع عيني وكأن السماء كانت تشاركني أحزاني وتبكي من أجلي ..كرهت رجوعه وتمنيت لو لم يأت ودعت المكان بغير رجعة ..فالذي تبقي بيننا لم يعد يكفي ..فالذكريات قوي من الحاضر ..والأمس أكثر نضارة من الغد .. ولا معني ولا قيمة لأن نشيع سويا حبا احتضر .