كان غيابه...غيابا لحياتها...نهاية للزمان، فالموت يزهق الروح ويترك الجسد يبلى، وفراقه ترك الجسد، وأبلى الروح. هي لا تصدق أن النسيان قد زارها يوما فنسيت من كان مِن المستحيل أن تنساه, هي نسيته يوماً... فنسيها هو طوال الحياة! أهكذا سريعاً أصبحت ماضياً... وحبها ذكريات. لقد خذلها الجميع. خذلها الزمان عندما وعدها بالنسيان، فنسيها. خذلها قلبها عندما وعدها بالأوبة عن طريقه، فلم يعرف طريقاً سواه. حتى هي... خذلت نفسها. نعم فلا احد يقسو علينا أكثر منا... هكذا كان يقول. وكأنه يرسم بكلماته هذه النهاية ... نهاية لحياته وبداية لعذابها... فقد كانت هي كل حياته. فقد علمها أن العشق يجعل من كل نساء العالم امرأة واحدة، يجعلها ليلى وهو المجنون. إنه مجنون كبير، فعندما أراد أن يخبرها بحبه، قال لها: هل تعرفين المتنبي؟ أجابته بعلامتي الاستفهام والتعجب اللتين رسمتا على وجهها. فكرر السؤال ولم ينتظر الإجابة، فقد كان يعلم أنها تعرفه. قال: لقد أرسل إليك هذه الرسالة. فتحتها..فوجدت هذا البيت من الشعر بادٍ هواك صبرت أم لم تصبر ودمعك إن لم يجر الدمع أو جرى وجرى الدمع كنهر لا يكف عن الجريان إلا إذا كفت هي عن حبه. وكيف لها هذا؟! وهى حتى لا تستطيع أن تتوقف عن التفكير فيه حتى بعدما اختارت أن تبدأ من الصفر لعلها تجد في المسافات سلوى، وفى الأيام سلواناً، وفى القلب غفراناً.... فما كان إلا أن وجدت في المسافات شوقاً وفى الأيام حنيناً، وفى القلب عصياناً. وفى الربيع الآخر... ما وجدت غير أوراق الخريف، غير الصمت تتحدث به، غير المشاعر الباردة تتقاسمها. لقد اختارت رغم أنها آمنت مثله أن العشق إذا تمكن من القلوب قتلها...والقتل هنا لا يعنى الموت، بل تهالك العاطفة...فقد مات قلبه في حبها ولم يعد قادراً إلا على عشقها فقط... هكذا علمها كيف تموت القلوب.... وهكذا أمات قلبها. كان يقول لها إن كنت تخافين من البحر وسحر البحر وموج البحر فلا تقتربى منه، ولكن لم تقترب فقط ، بل نزلت معه إلى الأعماق وهناك تركته وحيداً ومضت إلى الشاطئ وما إن وطأت قدماها رماله حتى وجدت نفسها في الأعماق وحيدة مثله.