محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تقدير كبير ل«قائد المسيرة».. سياسيون يتحدثون عن مدينة السيسي بسيناء    مغربي يصل بني سويف في رحلته إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج    الإسكان تُعلن تفاصيل تنفيذ 3068 شقة في مشروع "صواري" في بالإسكندرية    برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: الدمار في غزة هو الأسوأ منذ عام 1945    الاعتراف بفلسطين.. دعم عربي وفيتو أمريكي    «كيربي»: روسيا تخرق قرارات الأمم المتحدة بشحن النفط إلى كوريا الشمالية    بعد سقوط توتنهام.. ليفربول يعود إلى دوري أبطال أوروبا في الموسم المقبل    صن داونز يهزم كايزر تشيفز بخماسية ويتوج بالدوري الجنوب إفريقي    القبض على نصاب بزعم التوظيف بمقابل مادي    «كان» يمنح ميريل ستريب السعفة الذهبية في افتتاح دورته ال77    الفنان أحمد السقا يكشف عن الشخصية التي يريد تقديمها قبل وفاته    نعيم صبري: نجيب محفوظ هو مؤسس الرواية العربية الحديثة    إجابة غير متوقعة.. زاهي حواس يكشف حقيقة تدمير الفراعنة لآثارهم    توقعات برج الأسد في مايو 2024: «تُفتح له الأبواب أمام مشاريع جديدة مُربحة»    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    «الصحة» تدعم مستشفيات الشرقية بأجهزة أشعة بتكلفة 12 مليون جنيه    في يومها العالمي.. سبب الاحتفال بسمك التونة وفوائد تناولها    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل سائقَين وإصابة 3 موظفين في السودان    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتستولي على قرية أوشيريتين    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    بيان عاجل من الأهلي بشأن أزمة الشحات والشيبي.. «خطوة قبل التصعيد»    أسعار النفط تستقر وسط ارتفاع المخزونات وهدوء التوترات الجيوسياسية    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    جهود لضبط متهم بقتل زوجته في شبرا الخيمة    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لشاب ينقب عن الآثار بأسيوط    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    إصابة موظف بعد سقوطه من الطابق الرابع بمبنى الإذاعة والتلفزيون    نجوم الغناء والتمثيل في عقد قران ابنة مصطفى كامل.. فيديو وصور    لمدة أسبوع.. دولة عربية تتعرض لظواهر جوية قاسية    مصرع أربعيني ونجله دهسًا أسفل عجلات السكة الحديدية في المنيا    أخبار الأهلي: توقيع عقوبة كبيرة على لاعب الأهلي بفرمان من الخطيب    الأرصاد العمانية تحذر من أمطار الغد    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    رسالة ودعاية بملايين.. خالد أبو بكر يعلق على زيارة الرئيس لمصنع هاير    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    «المهندسين» تنعى عبد الخالق عياد رئيس لجنة الطاقة والبيئة ب«الشيوخ»    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بطب قناة السويس    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    هجوم شرس من نجم ليفربول السابق على محمد صلاح    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    مستشار المفتي: تصدّينا لمحاولات هدم المرجعية واستعدنا ثقة المستفتين حول العالم (صور)    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولى العلمى الثانى للطب الطبيعى والتأهيلى وعلاج الروماتيزم    رانجنيك يرفض عرض تدريب بايرن ميونخ    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوبان الذي له وطنان ومملكة موسيقية واحدة
نشر في نقطة ضوء يوم 28 - 01 - 2010

يحمل العام 2010 من جملة ما يحمله من مفاجآت حلوة ومرّة بعض الوقفات والمحطات المؤثرة تزهو بألف لون. إحدى هذه المحطات وطابعها رومنطيقي بامتياز ستغطي بدفئها الضبابي والرومنسي الجميل الكثير من بشاعات متراكمة وأحزان ومصاعب عنوانها العصر الحديث ولغته الصعبة والفضفاضة وكثير من الأزمات المتراكمة: إنها محطة ذكرى والذكرى للمئوية الثانية على ولادة شاب في عائلة بسيطة في بولندا تحديداً، منذ 200 عام، إلاّ أن الشاب الشاحب اللون المصاب بمرض السل منذ سنوات المراهقة الأولى سيترك بصمة في هذا العالم. صحيح أنه سيرحل باكراً عن 39 سنة إلاّ أن هذه الأعوام كانت كافية له ليكون على لائحة الكبار الخالدين: إنه فريديريك شوبان الموسيقي الملهم الذي مرّ في هذا العالم مثل نسمة عليلة. غير أن ما أبدعه بقي مجاوراً للقلب الإنساني على مرّ العصور. وما زال العالم يتذكره ويتفتح لألحانه بقدرة خارقة. تلك الألحان الطالعة من عصارة آلامه وأحلامه. العالم اليوم يتذكر فريديريك شوبان بقوة لأن المناسبة تحرّض على إعادة النظر في حياة الرجل وموسيقاه، وأيضاً على العودة الى جماليات ابتدعها في الموسيقى لم تخفت كما لم تذبل، بل تتجدد وتضيء وتضيف إشعاعاً جديداً كلما قاربناها أو حاولنا استبعادها بحجج الحداثة. فموسيقى شوبان في كل عصر وفي كل حقبة موسيقية كان لها وقعها وكان لها أن تبقى وتستمر وكأنها مصنوعة من قماشة القلب الإنساني ومرويّة بالدمع والدم ومرصودة للانفعال الإنساني الرقيق والشفّاف. وربما ليس كثيراً إن قلنا أن هذا الأمر سيتكرر بعد مئة عام أو مئتي عام أو أكثر. وهذا السر في موسيقى شوبان ربما ليست وحدها الموسيقى التي تشرحه بل أيضاً شخصية شوبان وقلب شوبان ومرضه وإحساسه المرهف والحياة التي عاشها. تلك الحياة المبنيّة كل يوم على رجاء يوم آخر ممكن له أو غير ممكن بسبب المرض الذي كان قاتلاً في زمنه.
يستذكر العالم شوبان هذا العام أو ربما لا يستذكره لأنه لم يبعد يوماً بموسيقاه عن الموسيقى المعاصرة في كل المراحل بل حتى أن عدداً كبيراً من مقطوعاته تمّ اقتباسها وإعادة كتابتها وتوزيعها وتحديثها عبر إدخالها في اختبارات وتجارب موسيقية متنوعة. ومن كل هذه الاختبارات تم التماس المقدار الهائل الذي تتمتع به موسيقى شوبان من محاكاة الإنسان في كل العصور. لذا يمكن القول أن العالم يكرّمه اليوم عبر احتفاليات كثيرة، ولقد اختار عالم الموسيقى العام 2010 ليحمل إسم فريديريك شوبان (1810 1849) الذي كان له وطنان: بولندا وفرنسا غير أنه كانت له مملكة واحدة هي الموسيقى وتحديداً البيانو.
ويجيء التكريم من البلدين، من بولندا حيث ولد ومن فرنسا حيث عاش ومات وستتضمن النشاطات المبرمجة حفلات موسيقية ومعارض ومسرحيات وأفلام وعروض أوبرا وباليه وحفلات موسيقى جاز وبلوز وروك مستوحاة من موسيقى شوبان. لكن أبرز هذه النشاطات ستكون في المهرجان العالمي في بولندا في آب المقبل وعنوانه "شوبان وأوروبا" والثاني هي مسابقة فريديريك شوبان العالمية في رقمها 16 في تشرين الأول المقبل، وهي تقام كل خمس سنوات لكن في هذه السنة ستتخللها حفلات موسيقية وغنائية مميزة. كذلك فرنسا تحتفل على طريقتها عبر نشاطات عديدة أبرزها "اليوم المجنون" بالموسيقى في منطقة نانت وجوارها وبرنامج "كل أعماله على البيانو" و"شوبان الأوروبي" عبر 15 حفلاً ومن أبرز العازفين فيه اللبناني عبدالرحمن الباشا ونيلسن غورنر، ومعرض "النوتة الزرقاء" في "متحف الحياة الرومنطيقية" في باريس و"شوبان، محترف الفنان" في "متحف الموسيقى" في باريس أيضاً.
وإذ يرقد جثمان شوبان في مدافن "بيير لاشيز" الفرنسية، فإن قلبه عاد وحده الى بولندا، موطنه الذي غادره في العشرين من عمره، ويحفظ هذا "القلب" في كنيسة في وارصو، حسب وصيته وكأنه بذلك يعترف بانتمائه الى البلدين جسدياً وعاطفياً.
عن جريدة المستقبل
فشوبان هو من أب فرنسي وأم بولندية، ولد في إحدى ضواحي وارصو بعد ثلاث أخوات في الأول من آذار 1810، وكان الولد الرقيق الشفاف والمرهف الإحساس. كان عليلاً منذ صغره غير أنه كان مغروراً تملؤه الكبرياء ونبل الشخصية التي غالباً ما اعتبرها النقاد موروثة من قبل عائلة امه وهي من سلالة بولندية ارستقراطية. وعندما أدرك شوبان العشرين كان المرض قد تسلل الى صدره وارهقه وكان اعتاد شحوب وجهه وكآبته وحزنه واعتبر بعدها ان موسيقاه صورة عنه وعن حزنه. وفي تلك المرحلة، كانت بولندا قد اصبحت مثل البركان الذي يغلي وسينفجر بسبب الازمات السياسية، فنصحه اصدقاؤه المقربين بالمغادرة لانه يمكن ان يفيد بلده بالموسيقى من بعيد حيث يتعذر عليه المحاربة والدفاع عن الوطن.
كانت مغادرة شوبان وطنه شديدة القسوة عليه لكنه كان يعرف مقدار مرضه وغالباً ما صرح للمقربين منه: "سأحاول ان أمجّد ثورة بلادي وقضيتها بالموسيقى". ومن المعروف ان شوبان تأثر أشدّ التأثير بالالحان الشعبية البولندية التي كانت مصدر إلهام كبير له وهو غالباً ما تحدث عنها واختبر صداها في روحه، فكان أول أعماله يحمل في ثناياه ألحان الحقول والوديان والغابات وصفير الرياح في بولندا وهدوء الثلج والصقيع الذي تقتطعه اصوات الطبيعية من بعيد. كل هذا التأثير الاولى لموسيقى شوبان الشاب المراهق الذي تعاطى مع الالحان وكأنها صدى الروح وحديث القلب المفطور والمتألم والمشتاق.
الغربة
غادر وارصو الى يينا حيث كانت مرحلة قاسية بانتظاره في الوحدة والغربة بعيداً عن الوطن والاهل، فقرر الرحيل الى باريس عاصمة الفن والشعراء والمفكرين ولم تكن المرحلة الباريسية صاخبة بالموسيقى فقط بالنسبة الى شوبان ولكن هذا الفنان المرهف لم يكن يعلم تماماً انه يمثل بموسيقاه تياراً هائلاً يجتاح العالم وبشكل خاص اوروبا اي الرومنطقية. وفي باريس التقى شوبان شعراء وكتاباً وموسيقيين فتعاطف مع اعمالهم واكتشف انه يتجاوب معهم بقوة عبر ذاك الانسجام الهائل مابين الشعر والموسيقى والرواية والمسرح.
ومن اهم من تأثر شوبان بمعرفتهم في باريس الشاعر الفريد دوموسيه، الموسيقى برليوز الشاعر يكتور هوغو كذلك بودلير وبلزاك وغيرهم..
لكن معرفته بفرانز ليست ستكون اساسية وحيث ان ليست كان يُعتبر اعظم عازف بيانو في العالم في ذلك الوقت، لم يتأخر هذا الأخير من ابداء اعجابه الهائل بذاك الفتى الشاب الذي كان بدأ يتعرض للاستغلال والكذب والخيانة من قبل عازفين ضربتهم الغيرة فراحوا يكذبون عليه ويورطونه في قضايا تعرضه للفشل في البروز في العاصمة التونسية. انقذه ليست واحتضن موهبته وراح يقدمه للجمهور الفرنسي وللنقاد وبكل جرأة صدح ذات يوم: "هذا الفتى هو منافسي الاوحد لكن ما هو أهم من المنافسة موهبته الفريدة التي ستجعل منه نجماً تاريخياً.. ". وربطت صداقة متينة بين شوبان وليست فعرّفه هذا الاخير على المجتمع الفرنسي الراقي في فرنسا وجعله ينطلق من قاعدة فنية صلبة.
الشهرة والورود
لم كن الشهرة لتجعل شوبان يغير من نمط حياته الهادئ والفائق الرومنطيقية، كما لم يغير المال من تصرفاته، فهو بعد ان اصبح المجتمع الباريسي بقي يعيش بهدوء ويحيط نفسه بالورود والروائح العطرة وخاصة عطر البنفسج الذي كان يعني له الكثير وبقي يبحث عن الحب الذي خذله اكثر من مرة في بولندا كما في فرنسا. وكان شوبان يميل الى النساء الذين يكبرونه سناً واللواتي يمنحنه الحب والرعاية والامومة في العلاقة حتى وقع اخيراً في حب الكاتبة الفرنسية جورج صاند وكانت هذه العلاقة اساسية في مسار حياته.
جورج صاند او اورو دوبان كانت مثالاً للمرأة المناضلة والساعية الى النجاح والمحبة للحياة بهرت فريدريك الشاب المريض المقبل بنظره كل يوم اكثر الى الموت. وصارت صاند هي صورة الحياة النابضة في حياته وهي الحركة التي لا يقوم بها، وهي القرار الذي لا يقوى على اتخاذه، وهي الصحة أو القوة الجسدية التي حرم منها منذ صغره، فكانت لهما معا سنوات حب مشتركة ورائعة في الانسجام وفي العطاء الأدبي من ناحيتها والموسيقي من ناحيته هو، وكل ذلك في ظل قصرها ودفئه في المنطقة الريفية نوهان حيث عاش شوبان اجمل ايام حياته وأروع قصة حب ولو انها انتهت بقسوة وانفصال قبيل موته بسنتين.
وكل ما كتبه شوبان في الموسيقى بدءاً بعمله الاول ولما يبلغ السبع سنوات وصولا الى آخر مقطوعات له تميز بتلك الشحنة الشاعرية والانفعالية القوية التي تضع المشاعر فوق كل اعتبار والتي تضع القلب الانساني امام آلة البيانو التي لم تعد مع موسيقاه آلة وحسب بل صدى الروح الانسانية. وقد جهد طوال عمله في الموسيقى وطوال عشقه لآلة البيانو لأن يجعل هذه الأخيرة قادرة على ان تكون بديلة من اوركسترا كاملة، فأعطى شوبان البيانو ذاك الحيز الذي لم يفلح غيره في الغوص الى هذا الحد داخل عالمه المغلق الذي فتحه وراح يعثر فيه على نغمات سحرية لم تتوضح الغازها حتى اليوم.
فهي استمرت وتستمر في ممارسة سحرها بقوة وجمالية لا تفسير لها ولا قاعدة موسيقية علمية لهما. وعن هذا السحر في أعمال شوبان كتبت صديقته وحبيبته وملهمته جورج صاند ذات يوم: "لكل اصبع من اصابعه الرقيقة صوت مميز.. فهو يجلس امام البيانو ويحوله الى حياة، حياة حزينة مثل روحه ومثل بلاده البعيدة".
بيانو
كتب شوبان للبيانو مقطوعات خاصة بتلك الآلة كما كتب موسيقى الغرفة والميلوديا وأعطى تسميات بوعي من بلاده لأبرز تلك المقطوعات: "المازوركا" أو "البولوينز" وغيرها، كما كتب "البريلود" و"النوكتورن" ودراسات كثيرة لكل فئة منها، الى جانب أعمال الأوركسترا، وأعمال "الكونشرتو" للبيانو والاروكسترا و"السوناتا" للبيانو، وتختصر أعماله بالأرقام بما يوازي 24 "دراسة" و24 "مقدمة" و13 "فالس" و4 "بالاد" و4 فانتازيا و 11 "بولونيز" و54 "مازوركا"..
مجموعة هائلة نسبة الى جسد ضعيف هزيل يتآكله المرض، لكنها تتناسب والقلب المفعم بالحب والأحاسيس المرهفة.
عاش شوبان سنوات الحب ومن بعدها عذابات الفراق واللوعة وفي كل هذا، عبر بأجمل الألحان عما يمكن ان يحدث في القلب الانساني جراء الحب. وما تركه للعالم من موسيقى بدا وكأنه لغة انسانية لا تاريخ لها ولا مكان يلزمها ولا شيء يحدها، وعبر مئتي عام، جابت موسيقى شوبان العالم وكم رافقت قلوب المحبين والمعذبين، وكم داوت قلوبا مهجورة، مخدوعة، ومتعطشة، وكم خلدت من مشاعر وكم وصفت ما لا يوصف وعبرت عما لا يمكن شرحه بالكلمات.
مع شوبان ومع موسيقاه الأحزان والأشجان وأيضا الأفراح والحب والقلوب الخافقة، اضيفت الى اللغة كلمات ليست من أحرف واضيفت الى المشاعر والقلوب نبضات ليست من لحم ودم وهمسات ليست من حبال الصوت ونغمات هي لربما من ذاك الخافق داخل جسد الانسان الذي ترجم عبر انامل شوبان شيئاً من نبضه الهادر والمكتوم.
فريديريك شوبان الذي شكل مع قلبه من جهة والبيانو من جهة اخرى محوراً ثلاثياً تم من خلاله تبادل الاشارات والألغاز ومن ثم النوتات والمقطوعات عبر الأنامل الأداة، لم يتأخر عند شعوره باقتراب موته بالطلب من شقيقته البكر لودفيكا التي سارعت الى البقاء بجانبه في لحظاته الأخيرة قادمة من وارصو، بأن تطلب من الأطباء تلبية مراده الأخير وهو انتزاع قلبه وأخذه معها الى موطنه عربوناً لوفائه لوطن لم يتمكن من زيارته بعد رحيله عنه قبل 19 عاما، لكن في تلك الحادثة و في ذاك المطلب الأخير من شوبان ما يعبر فعلاً او ما يشرح حقاً موسيقاه التي لخصها هو بنفسه وفي لا وعيه ربما للأجيال من بعده، وكم سهّل شوبان الطريق للاحساس بموسيقاه التي هي ربما وبالمعنى المجازي "تخطيط" للقلب شبيه بذاك الطبي الذي يرسم لوعات القلب وتأوهاته خطوطا ورسوما لذبذبات قد تدعى او توصف على انها مرضي في لغة الأطباء و"عاشقة" شغوفة في لغة شوبان وفي "تخطيطه" السري والغامض من غموض وأسرار الكون.
قالوا عن شوبان
حقيقي
"أنه أكثر فنان حقيقي التقيته في حياتي"
الرسام اوجين دولاكروا.
الكامل
سعدت بأن اجتمعت مجدداً بالموسيقي الكامل شوبان، فهو ليس من انصاف المجددين وانصاف الكلاسيكيين الذين يسعون الى ايجاد شرف الفضائل ولذة الرذيلة في الموسيقى.
فيليكس مندلسن (موسيقي)
فلنرفع قبعاتنا
"فلنرفع قبعاتنا، ايها السادة، لهذا العبقري!"
المؤلف الموسيقي روبرت شومان
صوت بطيء
كان في حالة "موت بطيء طوال حياته".
المؤلف الموسيقي هكتور بيرليوز
اليد اليمنى
"مؤلف موسيقي لليد اليمنى!"
المؤلف الموسيقي ريتشارد فاغنر
وحده
"للأسف، ليس هناك سوى شوبان وحده القادر على عزف موسيقاه وعلى اعطائها هذا السحر المميز وهذا الحيز غير المتوقع فيها والذي يعطيها كل هذه الجماليات. فأداء شوبان رخامي فيه الف ايحاء ولا يملك مفاتيح هذه الايحاءات الا هو نفسه. ثمة تفاصيل لا تُصدق في مقاطع "المازوركا" لديه وهو عرف كيف يؤديها باضافة درجة فائقة من النعومة على البيانو".
هكتور بيرليوز
تراجيديا
"بعد ان أعزف مقطوعات شوبان، اشعر وكأنني عشت اخطاء لم ارتكبها، وكأنني بكيت على تراجيديا لم أعشها.
الكاتب اوسكار وايلد
خصلات شعره
"لقد استمعنا الى هذا البولوني الاخير الذي امدنا بموسيقاها من خصلات شعره ومن أطراف أصابعه".
الشاعر ت.أس. اليوت
متردد
"شوبان رجل متردد، وليس مخلصاً بقوة سوى للسعال الذي يرافقه. فهو يسعل بنعمة لا متناهية.
الكاتبة ماري داغو
الغريب
"كان غريباً عن كل دراساتي وعن كل ابحاثي وبالتالي عن كل معتقداتي. وانتابني شعور بأنني انام مع جثة.
الكاتبة جورج صاند
يرتجل
"شوبان يتوقف عن الاصغاء. هو امام البيانو ولا يلحظ ان الجميع يصغي اليه. وها هو يرتجل بالصدفة. يتوقف إذن إذن، انت لم تنته.
دولاكروا
ضوء القمر
انا لم أبدأ بعد، ولا شيء يصل الي... فقط بعض التموجات والانعكاسات التي ترفض ان تثبت. أبحث عن اللون ولا اجد حتى الرسم.
لا يمكن ان تجد الواحد من دون الآخر، وستعثر على الاثنين معاً.
وإذا لم اعثر سوى على ضوء القمر؟
تكون قد عثرت على انعكاس الانعكاس، اجاب موريس (صاند).
الكاتبة جورج صاند.
الميلوديا
"كان دائماً يعمل على تطويل الميلوديا، أو على تحريكها وإظهار عدم وضوحها وكأنها مجرد ظهور فضائي (...) ولا يمكن التغاضي عن قاعدة عدم التوازي التي كان يتبعها.
المؤلف فرانز ليست
السل
ارتقى شوبان بالبيانو الى مستوى إبداعه في خانة الذين يعانون السل الرئوي.
المفكر سيوران
النعمة
حققت موسيقى شوبان هذه النعمة في جمع الفرح العميق مع دموعنا الإنسانية.
البابا بيوس الثاني عشر
وطنه الحقيقي
انه ليس بولونيا، ولا فرنسيا، ولا ألمانياً، انه ينزل من بلاد موزار ورافاييل وغوتيه: ووطنه الحقيقي هو مملكة الشعر.
الكاتب هنري هاينه
ضائع
كان الأمر يبدو وكأنه لوحة لا تنسى حيث هو جالس أمام البيانو وضائع بين أحلامه، ونحن نتأمل كيف ان الحلم الذي عاشه يترجم في يديه على البيانو.
المؤلف الموسيقي روبرت شومان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.