قال تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” البحثية الأمريكية: إن الربيع العربي لم ينته بعد وروحه لا تزال مستمرة، وإنه رغم تصور الحكام الديكتاتوريين مثل عبد الفتاح السيسي الذي جلبته “الثورة المضادة”، فإن هذا الانقلاب الذي تقوده السلطات الأمنية والعسكرية والنظام القديم سيضمن له سيطرة نهائية على الحراك الشعبي مرة واحدة وإلى الأبد. إلا أن ظهور موجات جديدة من الاحتجاجات كل بضعة أشهر، يثبت أن هذا الحراك الشعبي الذي بدأ قبل ثماني سنوات لا يزال ملتهبا، ولن ينتهي قريبًا، وأن الثورة المضادة (الانقلاب) إلى زوال وستسقط تحت وطأة الغضب الشعبي والاحتجاجات المستمرة. ووصف التقرير على “الدعم الغربي للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط بأنه قصير النظر ويمثل فشلاً في التعلم من أخطاء الماضي، موضحا انه رغم أن بعض تلك الأنظمة العربية الاستبدادية قد تبدو مستقرة، إلا أنها ذات أسس هشة؛ ما يجعلها عرضة للانهيار المفاجئ، ويفتح الطريق أمام انتشار الفوضى في المنطقة”. وقال الباحث والناشط عبد الرحمن منصور، الذي شارك وائل غنيم عبر صفحة “كلنا خالد سعيد” الدعوة لمظاهرات 25 يناير 2011، والذي كتب التقرير أن حلمهم وحلم ملايين المصريين الذين شاركوا في ثورة أطاحت بنظام مبارك كان بناء جمهورية جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة والحرية، وبدا أن الحلم تحقق لفترة قصيرة، لكن تحولت مكاسبنا بالتدريج إلى خسائر، بعد انقلاب السيسي والثورة المضادة 2013. الموجة الثانية ورصد تقرير “فورين بوليسي” الموجة الثانية من الربيع العربي في الجزائر واحتجاجات العاصمة وجميع أنحاء البلاد مثلما حدث في مصر 2011، للاحتجاج على ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وعلى الفساد المستشري في البلاد. وتراجع الرئيس الجزائري السريع حين ظهر مدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان على محطة تلفزيونية، ليقول إن بوتفليقة سيبقى في الحكم سنة واحدة إذا فاز بالانتخابات المقبلة ويتعهد بإجراء انتخابات مبكرة لا يرشح فيها نفسه ما يعد انتصارا للمتظاهرين. كما رصد التقرير ربيع السودان الحالي الذي بدأ يوم 19 ديسمبر 2018، وخروج عشرات الآلاف من المواطنين مطالبين بخلع الرئيس عمر البشير، واستخدام الشرطة الرصاص الحي والمطاطي في مواجهة المتظاهرين السلميين، ما أسفر عن قتل العشرات وإصابة المئات، بسبب زيادة أسعار الوقود وارتفاع معدلات التضخم، ثم تطورها إلى احتجاجات ضد حكم البشير نفسه. وأشار إلى أن خطاب البشير للمحتجين في أواخر شهر فبراير، معلنا فيه حالة الطوارئ في شتى أنحاء البلاد، وحل الحكومة، وتغيير محافظي الولايات السودانية الثمانية عشر ليحل محلهم شخصيات عسكرية وأمنية، وتأجيل مشروع تعديل الدستور الذي كان سيسمح له بالترشح مرة أخرى للرئاسة في 2020 هو ايضا مكسب، ويعتبر نصرًا جزئيًا، ومحاولة لتهدئة المطالب الشعبية التي تنادي بتنحيه عن الحكم. قمع غير مسبوقً ويشير التقرير إلى أن مستوى القمع تحت حكم السيسي وصل حدًا غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث، وقضى ذلك القمع المستمر على كل أشكال المعارضة وانتهى بالعديد من زعمائها الى السجون، ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، هناك ما يقدر بنحو 60 ألف سجين سياسي دخلوا السجون منذ يوليو 2013، ألقي القبض على آلاف منهم بشكل تعسفي وحُرموا من أي حقوق قانونية. وأوضح أن أحدث تجسيد لحملة القمع تلك هو اعتقال أربعة أعضاء بارزين من حزب الدستور، الذي أسسه محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي يقبع في منفى اختياري منذ مذبحة رابعة في أغسطس 2013 عندما قامت قوات الأمن والجيش بفض عنيف لاعتصام المتظاهرين المؤيدين للرئيس محمد مرسي، مما أسفر عن مقتل 800 منهم على الأقل. وجاء اعتقال الأعضاء الأربعة بعد حملة واسعة نظمتها أحزاب المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي لجمع توقيعات المواطنين الرافضين لتعديلات طرحها برلمان العسكر مؤخرا على الدستور، والتي تتيح للسيسي أن يواصل حكم البلاد حتى 2034، وبلغت التوقيعات ثلاثين ألف توقيع في أسبوع واحد، وهو رقم كبير في ظل حالة التخويف المريعة التي ينتهجها النظام تجاه أي نشاط سياسي. القادة الأوربيون ويوجه تقرير “فوين بوليسي” انتقادات عنيفة للقادة الاوروبيين الذين حضروا «قمة الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية» في شرم الشيخ وجلسوا مع السيسي رغم الانتهاكات الواضحة والواسعة المدى لحقوق الإنسان، قائلا: “لم يلمح أي من القادة الأوربيون أي تناقض بين القمع الواسع الذي يمارسه مضيفهم وبين ما تدعو الدول الأوروبية الى الالتزام به من قيم الحرية والديمقراطية”. ويقول التقرير ساخرا: “في الوقت الذي كانت سلطات الانقلاب مشغولة باعتقال الناشطين على خلفية إعلان رفضهم التعديلات الدستورية، كان قادة أوروبا يصفقون للسيسي وهو يذكرهم بالمشكلة الوحيدة التي تؤرقهم: الإرهاب، ولم ينتقده أيُ من رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أو رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي”. ولم يُذكره أي من ضيوفه الأوربيين باحتجاز سلطة الانقلاب مئات النشطاء؛ وأنه اعتقل العام الماضي أي شخص فكر في الترشح لمنافسته على منصب الرئاسة، وبسبب ذلك لا يزال المرشح السابق الفريق سامي عنان والرئيس السابق لجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة في السجن. غطاء سياسي ووصف التقرير مشاركة قادة الاتحاد الأوروبي في القمة بأنها “ببساطة بمثابة غطاء سياسي للسيسي، الذي يسعى إلى إثبات أنه حتى في الوقت الذي يتعرض فيه نظامه للانتقاد الشديد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، فإنه ما زال يتمتع بدعم الحلفاء الدوليين البارزين”، وانتقد تبرير السيسي انتهاك نظامه لحقوق الإنسان، بادعائه تقبله للمعارضة السلمية، وأن مصر لها «ثقافة خاصة» لحقوق الانسان!!. وقالت فورين بوليسي أنه “بدلا عن ذلك، كان على القادة الغربيين إدراك أن لديهم فرصة لتغيير موقفهم والتوقف عن غض الطرف عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في العالم العربي”، وأن تمثل موجة الاحتجاجات في السودان والجزائر فرصة للزعماء الغربيين لإعلان دعمهم للحراك الشعبي في البلدين، ذلك الحراك الذي ينتقص من شرعية الحكام المستبدين الطاعنين في السن. الغرب و”نفاق”الديمقراطية وتقول فورين بوليسي “إن عدم اتخاذ موقف حازم تجاه الحكام الديكتاتوريين في المنطقة يضر بشدة بهذه الاحتجاجات الشعبية السلمية، ويشكك في مصداقية التمسك الغربي بالقيم الديمقراطية والأخلاقيات الأساسية، ويقوض استقرار المنطقة”. وتضيف: “إن الدعم الغربي للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط قصير النظر ويمثل فشلاً في التعلم من أخطاء الماضي، رغم أن بعض تلك الأنظمة العربية الاستبدادية قد تبدو مستقرة، إلا أنها ذات أسس هشة، مما يجعلها عرضة للانهيار المفاجئ، ويفتح الطريق أمام انتشار الفوضى في المنطقة”. وطالبت القادة الأوروبيين بالتأكيد على أهمية العدالة وحقوق الإنسان كشرط لاستمرار العلاقات العسكرية والاقتصادية القوية، مشيرة إلى أنه ثبت أن مبيعات السلاح للأنظمة الاستبدادية لا تساهم إلا في مزيد من تأزيم الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة لتمكينها من المزيد من الانتهاك لحقوق الإنسان، كما جرى في مصر من استخدام للأسلحة الفرنسية في مواجهة الاحتجاجات السلمية، واستخدام القوات السعودية والإماراتية للأسلحة الأمريكية لتدمير اليمن”.
الشعوب العربية غاضبة ويشدد تقرير المجلة الامريكية على أنه “ربما يكون الربيع العربي قد خفت في مصر واليمن وليبيا بفعل خليط من القمع والعنف، فضلا عن التدخل الإقليمي والدولي غير المسبوق، إلا أن الشعوب العربية لا تزال قادرة على إيجاد طرق سلمية للتعبير عن غضبها، ولن تجدي محاولات التخويف التي تمارسها السلطات لمنعهم من المطالبة بحقوقهم”. وأوضح أنه “رغم دعم الغرب المستمر للحكام الديكتاتوريين في المنطقة، وعنف قوى الثورة المضادة، استمر الناس في الاحتجاج وفي تحدي حكامهم المستبدين من خلال النشاط الرقمي والمبادرات الأخرى التي تتجنب المواجهة المباشرة مع السلطات، وكلما وجد الناس فرصة للنزول إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم فهم يستغلونها، كما هو الحال في الجزائر والسودان”. ويختم التقرير بتأكيده على أن “العرب يواصلون البناء على الموجة الأولى من الانتفاضات العربية في 2011، ويبقى الحراك الشعبي السلمي هو الخيار الوحيد المتاح لمواصلة النضال من أجل الديمقراطية في المنطقة، وسوف تستمر الثورة المضادة في العالم العربي في فقدان قوتها وستنهار في نهاية المطاف تحت وطأة هذه الحركات”. وطالب الغرب بأن يتعلم من أخطاء الماضي القريب، وأن يتخلى عن السياسات قصيرة النظر في دعمه للحكام المستبدين، بتبني استراتيجية طويلة الأمد، لتجنب الخسارة التي لا مفر منها إذا وقف على الجانب الخطأ من التاريخ، معترضًا طريق قادة الغد. The Arab Spring Is Not Over Yet