فى تقرير عن تطورات الأحداث خلال ثورة مصر، جاءت لقطة فى إحدى القنوات الفضائية الإخبارية -على سبيل الاستدلال- للسيد عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع حسنى مبارك وهو يعلن تخلى مبارك عن منصب الرئاسة، ثم قطعت القناة الفضائية المشهد لثوان معدودات، وكان عمر سليمان يتمتم بكلمات يفهمها من سمعه من قبل، ولكن لا يمكن أن يسمعها أو يفهمها من لم يسمعه من قبل، سألت من كان بجوارى -وهو صديق مخضرم فى الإعلام- فأجاب قائلا: لأن السيد عمر سليمان وقع فى خطأ لغوى خطير يرى إعلاميون متخصصون وعلماء أنه "شرك بالله"؛ لأنه نطق عبارة "والله الموفق" بفتح الفاء المشدّدة، لتنقلب إلى اسم مفعول، وهى فى الحقيقة بكسر الفاء المشدّدة اسم فاعل، وحاش لله أن يكون هناك من يوفِّقه (بكسر الفاء المشدّدة)، لأنه سبحانه وتعالى ولى التوفيق، ومن ثم وجب حذف هذا المشهد تماما. من المعروف أن السيد عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع تولى العديد من المناصب المهمة والحيوية فى حقبة النظام المخلوع، ولكن على ما يبدو أن اللغة العربية طالها الفساد والإهمال، وربما تحتاج -هى الأخرى- إلى ثورة سلمية! ذكّرنى هذا الموقف بآخر أشد أهمية وخطورة حدث فى الفصل الأول لمحاكمة مبارك ومعاونيه (محاكمة القرن) التى استأنفت مؤخرا الفصل الثانى، وقد لفت انتباه الكثيرين من بين ملايين المتابعين لهذا الحدث الجلل أن سعادة القاضى الذى نطق بالحكم استعان ببعض آيات من القرآن الكريم لم تخل آية مما قرأها من الأخطاء اللغوية، وهو ما يسميه علماء القرآن: لحنا جليا يأثم فاعله. لقد أثارت هذه الأخطاء حفيظة كثيرين من الغيورين على القرآن الكريم ولغة القرآن الكريم، لدرجة أن البعض خلط بين عدم رضاه الشخصى عن الحكم وبين عدم قدرة القاضى على حسن قراءة آيات من كتاب الله. كل الاحترام والتقدير للقضاء المصرى الشامخ ولمنصة القضاء، ولست هنا بصدد الكلام أو التعقيب على الحكم أو الأمور القضائية أو القانونية. ولأن المحكمة تابعها مئات الملايين عبر القنوات الفضائية، فكان من السهل لأى طالب لغة عربية وقارئ للقرآن الكريم، أن يكتشف بكل سهولة كم الأخطاء اللغوية فى الآيات القرآنية التى تليت والعبارات التى سمعت. ولست أتصور أن هذه الملاحظات استثناء مما قد يعترى منصة القضاء الواقف والجالس من أخطاء لغوية مماثلة، وخاصة فى تلاوة الآيات القرآنية، وهو أمر يحتاج إلى وقفة من السادة القضاة عموما ورؤساء الأجهزة القضائية على وجه الخصوص، وأخص بالذكر هنا "نادى القضاة"، ويقف على رأسه المستشار أحمد الزند وقد منّ الله عليه بامتلاك ناصية اللغة الأم، وأعتقد أنه وهو وقضاة آخرون كثر يعرفون قدر اللغة العربية لغة القرآن ويدركون خطورة أن يقع قاض فى أخطاء فى تلاوة آيات القرآن الكريم فضلا عن الأخطاء اللغوية. وقد يتساءل البعض: وما علاقة نادى القضاة بأمر مثل هذا؟ والإجابة ببساطة أن النادى يقوم على العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والترفيهية.. للسادة الأعضاء، وأقترح على مجلس إدارة النادى ورئيسه المستشار أحمد الزند أن يفكر جديا فى تخصيص حلقات أو دورات تدريب لتعلم القرآن الكريم لمن يرغب من الأعضاء كمرحلة أولى اختيارية، أتمنى أن تليها مراحل يكون فيها حسن إجادة وقراءة القرآن الكريم شرطا لاعتلاء منصة القضاء، خاصة أن الدستور المصرى يجعل الشريعة الإسلامية (القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة) المصدر الرئيسى للتشريع، وأعتقد أنه أمر منطقى أن يقود قضاة مصر باقى المهن الأخرى فى تعلم وتجويد القرآن الكريم، فهذا قدر قضاة مصر.. أن يكونوا دائما فى الطليعة والمقدمة.