بابا "بيبى سيتر".. فكرة تم عرضها فى أحد الأفلام الأمريكية ولم يستهجنها أحد؛ لأن الثقافة الغربية هناك لا ترفضها.. ولكن هل يمكن أن تحدث فى مجتمعنا الشرقى أم أنها فكرة خيالية يرفضها الرجال جميعهم؟.. ولأنها كذلك فقد عُرضت على أنها فكرة مجنونة فى إعلان لأحد المنتجات، تحت عنوان "لقطة جدعنة" من أحد الآباء الذى يقوم بالاعتناء بابنته الصغيرة بعدما ذهبت زوجته إلى العمل فى يوم إجازته، ولم يجدا من يعتنى بالصغيرة، فقرر الأب أن يقوم بهذه المهمة البطولية، وبدأ بالتغيير "على نضافة للحفاضة"، وتجهيز الطعام للصغيرة بعدما اصطحبها إلى السوق لشراء الطلبات، ولم يبال بنظرات الدهشة والاستنكار التى نظر بها بنو جنسه من الرجال وعلامات الإعجاب بفعلته من الأمهات، وتمنيهن بأن يفعل أزواجهن مثله. فهل بالفعل يمكن أن يقبل الأب الشرقى أن يراعى أطفاله فى حال غياب أمهم لأى سبب من الأسباب؟ هل يمكن أن يصبر على بكائهم وصراخهم ويطعمهم ويهتم بنظافتهم ويهدهدهم حتى يغطوا فى نوم عميق هادئ أم أن هذه الفكرة تعد خيالية ولا يمكن أن يقبل الآباء تجربتها حتى ولو لساعات معدودة؟ استعرضنا رأى مجموعة من الآباء والأمهات لمعرفة مدى تقبلهم لتلك الفكرة أو رفضهم لها. وردية الصباح ماجد لا يرى غضاضة فى رعاية أطفاله الثلاثة عندما تذهب زوجته إلى العمل صباحا، ولكن بعدما تقوم الأم بإشباع الصغار وتنظيفهم وتهدئتهم، فلا يرهقونه سوى ساعة أو ساعتين حتى مجىء أمهم، وما يساعده فى هذا أنه ينزل إلى عمله بعد عودتها من الخارج، فيسلمها وردية رعاية الأطفال كما يسميها هو وزوجته. وأحمد يقيم منذ سنة هو وزوجته فى إحدى الدول العربية، ويقوم بالفعل برعاية ابنهما الرضيع ثلاثة أيام أسبوعيا فى أثناء غياب زوجته فى الجامعة لمتابعة دراستها العليا، وهو ما جعله قريبا إلى ابنه بشكل رائع كما يصفه. أما عبد الله فيرفض بشدة أن يراعى صغاره الأربعة فى أثناء غياب أمهم؛ لأن هذه مهمة زوجته فى المقام الأول، وهذا الأمر سيجعله يشعر بالحرج أمام الآخرين. ويرى هيثم -أب لطفلين- أن رعاية الصغار تتطلب قدرة هائلة على الصبر والتحمل لصخبهم ومتاعبهم، مع قدر كبير من الرفق واللين والاحتواء، وهذا يوجد فى المرأة بطبيعتها، ولذا فقد حباها الله بنعمة الأمومة لقدرتها على ذلك، ولذا فمن الصعب أن يأخذ الأب مكان الأم فى التعامل مع الصغار؛ لأن فطرته تختلف عن فطرة المرأة. قلة التواصل وتعلق إيمان على -المستشارة التربوية- على هذا الموضوع قائلة: "لا يعنى أن يهتم الأب بصغاره إذا حدث ظرف طارئ للأم، ولم يوجد من يراعى الصغار غيره أن تكون دعوة لتبادل الأدوار معها، فكل منهما له دور فى الأسرة يجب أن يؤديه على أكمل وجه، وعلى حسب ما جبلهم الله عز وجل عليه، فرعاية الأطفال والعناية بهم ماديا ومعنويا من الوظائف الأساسية للأم، ولكن لا بد للأب أن يوجد ويتفاعل ويتواصل مع صغاره منذ نعومة أظافرهم حتى يكوِّن معهم علاقة أبوية وطيدة". وتضيف: "لكن كثيرا من الآباء إن لم يكن كلهم يضعون حدودا مادية ونفسية بينهم وبين أولادهم، فيمتنعون عن حمل الصغير طيلة الأشهر الأولى من عمره بحجة عدم تعودهم على ذلك وحتى لا يتسببوا فى إيذائه، وكذلك يرفضون بشكل قاطع المساعدة فى إطعامه أو وضعه فى سريره وتهدئته لينام فى أثناء انشغال الأم، ويبررون ذلك بأن هذه مهام الأم ولا ينبغى للأب أن يقوم بها؛ لأن هذا قد يقلل من شأنه بين الرجال، كما أن المجتمع يرفض هذه الصورة للرجل ويعتبرها البعض امتهانا له، ويرفض بشكل قاطع أن يتعلم الولد مهارات البنت كطهى الطعام أو ترتيب المنزل، أو أن يساعد الزوج زوجته إذا اضطرته الظروف لذلك". اكتسب المهارة وتؤكد المستشارة التربوية، أن مساعدة الأب للأم فى العناية بالصغار فى حال الطوارئ لا ينقص من قدره شيئا فى أسرته ومجتمعه، بل تعد مهارة، مطلوب منه أن يتعلمها لاستخدامها وقت الحاجة، ويعد تأسيا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى اهتمامه بالأطفال، ورفقه وحنوه عليهم واحتوائه لهم، والتواصل معهم منذ صغرهم، وتربيتهم باللين والرحمة؛ مما جعله صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلى الصغير قبل الكبير، وأصبح من السهل تعلقهم به وامتثالهم لأوامره واجتنابهم لنواهيه. وتوضح أن الأب لديه من القدرة على التواصل مع صغاره، خاصة من الناحية المعنوية والنفسية لو امتلك فقط القناعة لأهمية هذا الأمر بالنسبة لهم، ومدى تأثيره على تكوين شخصياتهم، واكتمال نموهم العاطفى والوجدانى، أما اقتصار دور الآباء فى مجتمعنا الشرقى على التمويل المادى للأسرة، واعتبار النواحى العاطفية والمشاعر والحب تختص بها الأم وحدها فقد يخلق فجوة بينهم فى مراحل عمرهم التالية. وتشير إلى أن الأم عندما تعمل لا تسقط عنها بنود كثيرة، ولا يعتد الآخرون براحتها أو خدمتها، عكس الرجل الذى نشأ على أن تخدمه أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته، ومن ثم يتوفر له كل سبل الراحة عكس المرأة التى تحمل مسئولية الجميع بمفردها، ومن هنا يجب على أمهات اليوم أن يعدن النظر فى أسلوب تربيتهن لأولادهن الذكور بعدم تحملهم المسئولية فى البيت بأى شكل كان، ولا بد من تعلم تلك المهارات والقناعة بأهميتها حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم إذا اضطرتهم الظروف إلى ذلك.