صعَّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بشكل غير مسبوق من مخططاتها الرامية لتهويد الأقصى والسيطرة عليه وتقسيمه، وذلك بعد ازدياد حدة الاقتحامات، التى كان أحدثها استباحة 200 مستوطن للأقصى، وتنظيم جولات فى أنحائه وأداء طقوس تلمودية استفزازية، وتدنيسهم باحات الأقصى ومسجد قبة الصخرة؛ الأمر الذى فجر بركانا من الغضب بين المقدسيين الذين تصدوا لجرائم المستوطنين. يأتى ذلك فى الوقت الذى يتحرك فيه قادة دولة الاحتلال لسن قوانين تهدف إلى تقسيم المسجد الأقصى "مكانيًّا" بين المسلمين والمتطرفين اليهود، بزعم تمكينهم من أداء طقوسهم التلمودية وعدم "خرق حرية العبادة"، وذلك على غرار ما حدث فى مسجد الحرم الإبراهيمى بمدينة الخليل، ومقدمةً للأطماع التى لا تخفيها إسرائيل برغبتها فى السيطرة على المسجد لإعادة بناء هيكلهم المزعوم. تحركات الاحتلال كشفت عنها تصريحات ما تسمى "وزارة الأديان" من أن هناك مساعى رسمية من أجل تقسيم الأقصى بين المسلمين واليهود؛ حيث أعلن مدير الوزارة "الحنان غلات"، على هامش جلسة برلمانية فى البرلمان الإسرائيلى "الكنيست"، أن الوزارة ستسعى لتعديل القانون للسماح لليهود بأداء طقوسهم فى الأقصى، بينما قال عضو الكنيست "موشيه فيغلين" -من حزب الليكود-: "كيف نقبل بحقيقة أنه ليس من حق اليهود الصلاة فى المكان الأكثر قدسية بالنسبة لهم". كما كشفت الإذاعة العبرية النقاب عن أن "الكنيست" ناقش الأربعاء الماضى إقرار قانون يسمح بزيادة عدد المستوطنين اليهود لدخول المسجد الأقصى. وتتزامن تلك الخطوات مع واقع ميدانى على الأرض يسعى الاحتلال لإقراره عبر زيادة عدد اقتحامات المستوطنين والجمعيات اليهودية المتطرفة بدعم من جيش الاحتلال للمسجد الأقصى؛ حيث أكد تقرير لمؤسسة الأقصى للوقف والتراث أنه خلال العام الماضى 2012 فقط اقتحم نحو 11 ألف مستوطن وجندى بلباسهم العسكرى و290 ألف سائح أجنبى المسجد الأقصى، بينما تزايدت بشكل غير مسبوق الاقتحامات فى الربع الأول من هذا العام مع قدوم الحكومة الجديدة، التى وصفت بالأكثر تطرفا. تكميم الأفواه ممارسات الاحتلال لم تقف عند حد الاقتحامات، بل امتدت لتشمل اعتقال قيادات فلسطينية رفيعة المستوى، كما حدث من اعتقال الشرطة الإسرائيلية مفتى القدس والأراضى الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، لست ساعات يوم الأربعاء الماضى، وبعدها أطلقت سراحه، وحققت معه بزعم دوره فى المواجهات التى اندلعت بين مصلين وزوار يهود متطرفين ورجال شرطة إسرائيليين حول المسجد الأقصى المبارك فى البلدة القديمة فى القدسالمحتلة، فضلا عن مخططات إبعاد قادة الحركة الإسلامية أكثر من مرة قبل ذلك كالشيخ رائد صلاح ونواب المجلس التشريعى، ومنع طلاب العلم من الدخول للمسجد الأقصى، وكذلك حصر الدخول لكبار السن وللنساء. وأثار تصاعد المخططات الإسرائيلية بحق الأقصى ردود أفعال غاضبة بين جميع أطياف الشعب الفلسطينى وفصائله، وأيضا فى العالم العربى والإسلامى؛ حيث نددت مؤسسة القدس الدولية بمخططات الاحتلال، مؤكدة أن سياسة التنازلات العربية للاحتلال أصبحت لا تجدى نفعًا، خاصة بعد الرد الإسرائيلى على قيام المجموعة العربية فى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" بسحب مشاريع قرار إدانة للاحتلال لتهويدها للقدس وبقبول الجامعة العربية مبادرة "تبادل الأراضى"؛ حيث كان الرد الإسرائيلى سريعا بمحاولات تقسيم الأقصى. من جانبها، اعتبرت الحركة الإسلامية فى الأراضى المحتلة عام 48، على لسان نائب رئيسها، الشيخ كمال الخطيب، أن اعتقال الاحتلال المفتى العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، ورئيس لجنة المقابر الإسلامية بالمدينة مصطفى أبو زهرة، واقتحام المتطرفين اليهود بمنزلة تصعيد صهيونى خطير، بات يتخذ شكلاً جديدًا وسلوكًا وقحًا، وأن الاحتلال لا يريد لأى صوت بأن يعلو فى مدينة القدس للدفاع عن مقدساتها. وأشارت الحركة إلى أن الاحتلال بدأ خطوات عملية لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين والعرب من جهة، والمتطرفين اليهود من جهة أخرى، عبر إدخالهم فى أوقات محددة إلى حرم المسجد لترسيخ واقعٍ جديد ينتهى بالتقسيم. من جهته، أكد ناجح بكيرات -مدير المسجد الأقصى فى القدسالمحتلة- أن الحكومة الإسرائيلية تبنت بشكل رسمى مشروع تقسيم المسجد الأقصى مكانيًّا وزمانيًّا، وبدأت بإجراءات لذلك من خلال البحث عن تشريعات لزيادة عدد اليهود الذين يزورون المسجد الأقصى. حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بدورها أدانت الخروقات الإسرائيلية، ودعا عزت الرشق -عضو المكتب السياسى للحركة- الشعب الفلسطينى وأكناف بيت المقدس إلى النفير العام، ومواصلة شدّ الرّحال والرّباط فى الأقصى للتصدى لمخططات الاحتلال. وشهدت الأردن -المشرف على الأماكن المقدسة فى القدس، حسب اتفاق وادى عربة وبموافقة السلطة الفلسطينية- موافقة البرلمان على بيان بالإجماع يدعو إلى طرد السفير الإسرائيلى من عمان "دانييل نافو"، واستدعاء السفير الأردنى وليد عبيدات، وإعادة النظر فى اتفاق السلام مع إسرائيل.