لا أفهم أن يكون شغل المعارضة الشاغل وهمها الرئيس يتمثل فى إسقاط نظام منتخب ومحاولة منع بناء وإنشاء أى مؤسسة من مؤسسات الدولة أو محاولة تفكيكها فى حالة نجاحها فى التشكل. أفهم ويفهم كل الناس أن الديمقراطية تقتضى التنافس على السلطة، والتنافس على أصوات الناخبين، ومحاولة المعارضة إقناع الناس بأنها الأجدر بثقتهم من الحزب الموجود فى السلطة. هذا أمر مفهوم ومنطقى، أما أن تحرص المعارضة على تقويض نظام الحكم وإضعاف مؤسسات الدولة وإدخال البلاد فى دوامة من عدم الاستقرار كلما نجت مؤسسة من إحداها دخلت غيرها، فهذا ما لا يمكن بحال من الأحوال أن يدخل فى إطار المعارضة السياسية. وأتصور أن التفسير الأقرب لهذه المحاولات المستمرة وتلك الجهود الدءوبة لا يصب إلا فى مسار التآمر على الدولة والسعى لتقويضها وتفكيكها بعيدا عن أصول العمل السياسى والديمقراطى. وربما يقول قائل: إن شيئا من هذه الممارسات ناجم عن حداثة التجربة وقلة الخبرة وعدم الإدراك لطبيعة العمل السياسى والخطوط الفاصلة بين المعارضة الوطنية وعمليات التخريب والتآمر. ولا شك أن أى مخلص ومحب لبلده من واجبه أن يحسن الظن فى الفصائل السياسية المتنازعة، ومن حقه أن يحرص على سلامة قصد المؤيدين والمعارضين مع الرغبة الصادقة فى اجتماع الصفوف ووحدة الهدف والانطلاق من المرحلة الراهنة إلى واقع جديد. إلا أن هذه الأمانى الصادقة والرغبات الحقيقية تتوقف عند صخرة الواقع وعند استمرار الجهود والمساعى المبذولة لتقويض مؤسسة إثر مؤسسة وحجب شرعية بعد أخرى. هذه الأمانى الصادقة والرغبات الحقيقية لا تقوى على الاستمرار، ولا تتحمل المقاومة أمام واقع مرير يتوخى أصحابه تفضيل معاول الهدم على المنافسة السياسية الشريفة. نحن أمام محاولات حثيثة لهدم دولة وحجب شرعية شعبية تلو شرعية، ولسنا أمام معارضة تسعى إلى التنافس على سلطة أو طرح برنامجها بديلا عن برامج مطروحة على الناس.