مع تطور الأوضاع فى سوريا وتحقيق الثوار والمعارضة مكاسب كبيرة وتقدما واضحا على الأرض، يمثل تلويح النظام السورى باستخدام مخزونه من الأسلحة الكيميائية صداعا فى رأس جميع الأطراف اللاعبة فى الأزمة السورية، بداية من نظام بشار الأسد نفسه، ومرورا بالجيش السورى الحر ووصولا بإسرائيل وأمريكا، وحتى الدول التى تساند النظام السورى مثل روسيا والصين. أهم أطراف المعادلة التى تخشى الأثر المدمر لاستخدام السلاح الكيماوى هم الثوار والمعارضة؛ وهو الأمر الذى بدا واضحا من اتخاذ المقاتلين المعارضين "الجيش الحر" للنظام السورى والذين يحاصرون قاعدة "الشيخ سليمان"- فى شمالغرب سوريا على بعد 12 كلم من مدينةحلب- قرارا بوقف القصف على القاعدة، خشية من وجود أسلحة كيميائية فيها. وقال الشيخ عزام الجمر -أحد الثوار فى المنطقة-: "هناك احتمال بوجود أسلحة كيميائية داخل الكتيبة، ولو أننا لسنا متأكدين من ذلكتماما"، وأضاف أن الهجوم الحاسم علىالقاعدة الذى كان متوقعا له نهاية شهر نوفمبر الماضى تم إرجاؤهبسبب احتمال وجود مثل هذه الأسلحة أو مواد سامة داخل الكتيبة، التى تضم "مركز الأبحاث العلمية"، الذى قد يكون مرتبطاببرنامج السلاح الكيميائى للنظام السورى. وتابع الجمر -الذى يقود تجمعا للمقاتلين فى بشقاتين على بعد أربعة كيلو مترات غرب حلب-: "درسنا الوضع ولم تكن الظروف ملائمة لتنفيذ الهجوم، فأعدنا النظر فى خططنا"، مضيفا: "إذا هاجمنا الشيخ سليمان فإننا نخشى أن تصاب الأسلحةالكيميائية.. سنواصل حصار القاعدة دوناقتحامها، حتى سقوط النظام فى دمشق ووصول سلطة مشروعة إلى رأس النظام.. حتىلو تطلب ذلك وقتا". بشار يحذر من المفارقات فى هذا الشأن أن يحذر النظام السورى نفسه من استخدام أسلحته الكيماوية؛ حيث حذرت الخارجية السورية فى بيان لها، أمس الأول، من استخدام ما سمتهم "بالإرهابيين" السلاح الكيميائى ضد الشعب السورى، مؤكدة فى الوقت نفسه أن الجيش السورى لن يلجأ من جهته إلى استخدام مثل هذا السلاح فى أى ظرف. وجاء فى بيان صادر عن وزارة الخارجية السورية أن "سوريا تحذر من قيام المجموعات الإرهابية باللجوء إلى استخدام السلاح الكيميائى ضد أبناء الشعب السورى، وتستهجن عدم تحرك المجتمع الدولى لمعالجة تطورات الوضع بعد سيطرة المجموعات الإرهابية مؤخرا على معمل خاص لتصنيع مادة الكلور السامة شرق مدينة حلب"، وأضاف: "إن سوريا لن تستخدم السلاح الكيميائى إن وجد لديها تحت أى ظرف كان"، وعللت ذلك بأنها تدافع عن شعبها ضد ما أسمته بالإرهاب المدعوم من دول معروفة تأتى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى مقدمتها. إسرائيل تتدخل خارج الحدود السورية؛ عبرت "إسرائيل" عن مخاوفها من المخزون الكيميائى السورى بطريقة أخرى، حيث أرسلت قوات خاصة بحثا عن الأسلحة الكيميائية. وذكرت صحيفة "صندى تايمز" البريطانية، أمس الأول، أن قوات خاصة إسرائيلية تعمل داخل سوريا بحثا عن أسلحة كيميائية، مضيفة أن إسرائيل قد تنسّق مع الولاياتالمتحدة لغزو برى إذا تم إثبات استخدام نظامها الأسلحة الكيميائية. وقالت الصحيفة: "إن مهمة الجيش الإسرائيلى عبر الحدود هى جزء من عمليات سرية جديدة لتحديد مواقع الأسلحة غير التقليدية فى سوريا وتخريبها بهدف منع استخدامها"، وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلى "أمر قواته الخاصة بالقيام بهذه المهمة بعد أن رفض فكرة شن هجوم جوى أو برى لتدمير مخزون النظام السورى من الأسلحة الكيميائية، التى اشترى معظمها من روسيا". ونسبت الصحيفة إلى مصدر إسرائيلى قوله: "نعرف منذ سنوات الموقع الدقيق لمخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية والجرثومية، وساعدت الأقمار الاصطناعية والطائرات دون طيار فى تحديده". وتابع: "تلقينا مؤشرات فى الأسابيع الماضية على تحريك مخزون الأسلحة الكيميائية والجرثومية إلى موقع جديد". خط أحمر من جانبها أظهرت واشنطن قلقها عبر العديد من تصريحات مسئوليها الذين اعتبروا استخدام النظام السورى لتلك الأسلحة غير التقليدية "خطا أحمر". وحذر وزير الدفاع الأمريكى، ليون بانيتا، النظام السورى من استخدام الأسلحة الكيماوية ضد أبناء شعبه، قائلا: "إن ذلك سيكون خطأ فادحا وتجاوزا لخط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة". وأضاف بانيتا أنه ستكون هناك عواقب إذا استخدمت تلك الأسلحة، لكنه رفض الإفصاح عن ماهية تلك العواقب. وكان الرئيس الأمريكى باراك أوباما قد قال فى وقت سابق: إن نقل النظام السورى أو استخدامه أسلحة كيمياوية يعد "خطا أحمر" بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة، وقد تكون له عواقب وخيمة، مشيرا إلى أن واشنطن قد تبحث التدخل العسكرى لوقف استخدام هذا السلاح. ونشرت صحيفة "ديلى تليجراف" البريطانية موضوعا حول تحذير أوباما لبشار الأسد من الإقدام على استخدام الأسلحة الكيماوية بعد تقارير تحدثت عن نقل مواد منها وتجهيز مخزون غاز الأعصاب. وقال أوباما موجها حديثة للأسد: "إذا ارتكبت هذا الخطأ فإنك ستتحمل المسئولية ونحن ببساطة لن نسمح بأن يلوث القرن الحادى والعشرين بأسوأ أسلحة القرن العشرين". وذكرت الصحيفة أن خبراء عسكريين أمريكيين رصدوا نقل الجيش السورى لبعض مخزون الأسلحة الكيميائية إلى مواقع قريبة من بطاريات المدفعية التى يمكن استخدامها فى إطلاق هذه الأسلحة. وكان عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى قد أعلنوا تأييدهم لأى إجراء عسكرى قد يتخذه الرئيس باراك أوباما ضد الحكومة السورية، فى حال تأكده من اعتزام الرئيس بشار الأسد استخدام "أسلحة كيماوية" ضد الشعب السورى. كما أكد وزير الخارجية البريطانى "وليام هيج" "أن بلاده والولاياتالمتحدة اطلعتا على أدلة عن استعداد النظام السورى استخدام الأسلحة الكيميائية"، وقال فى مؤتمر أمنى بالبحرين مؤخرا: "هذا هو السبب فى إصدارنا تحذيرات قوية ومباشرة للنظام السورى من أن استخدام الأسلحة الكيميائية سيُحدث تغيرا كبيرا فى الوضع".