د. عبد المجيد أبو شنب خبير التحكيم التجارى الدولى إن اختلاف النظم السياسية والاقتصادية والقانونية من دولة لأخرى، بل داخل الدولة الواحدة، من زمن إلى زمن آخر، يجعلنا نقول بما لا يدع مجالا للشك: إن عظمة الشريعة الإسلامية فيما أتت به من مبادئ وقواعد عامة صالحة لكل زمان ومكان، ولعل أبلغ ما قيل عن أهمية الدين كان لحظة انهيار الاتحاد السوفيتى عندما قال جورباتشوف: "إن الكيان الدينى أمر لا غنى عنه للبشرية" وقد حرصت الدساتير المصرية على الإشارة إلى أن الإسلام دين الدولة، وهو ما تم النص عليه فى المادة (149) من دستور 1923، والمادة الخامسة من دستور 1964 إلى أن جاء دستور 1971، وأضاف أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع فى المادة الثانية التى تم تعديلها سنة 1980 ليصبح نص المادة بعد تعديلها "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" وقد أشارت اللجنة التى كلفها المجلس بدراسة اقتراحات التعديل فى تقريرها إلى أن النص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع يزيل أية شبهة، فيما قد يذهب إليه البعض من حصر استنباط الأحكام فيما ورد فى كتب الفقهاء السابقين وعدم التصدى للعلاقات الاجتماعية والحوادث والنوازل التى قد تجد فى المجتمع دون أن يرد ذكرها فى هذه الكتب؛ إذ إن هذا الحصر للشريعة الإسلامية فى اجتهادات الفقهاء السابقين أمر تأباه نصوص الشريعة الإسلامية وروحها؛ فهى شريعة مرنة وضعت الإطار العام والمصادر التى تستنبط بها الأحكام لكل ما يجد فى المجتمع من أحداث. وقد كثرت فى الآونة الأخيرة الكتابات والتصريحات عن "مبادئ الشريعة الإسلامية" وقد تفاوتت هذه الكتابات والتصريحات فى أهميتها؛ وذلك بسبب اختلاف الفكر والأهداف، إلى أن رأى البعض ضرورة النص على أحكام الشريعة بدلا من مبادئ الشريعة. والواقع أن أصحاب هذا الاتجاه -النص على أحكام الشريعة بدلا من مبادئ الشريعة- غابت عنهم حقائق مهمة: أولا: النص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع لا يمنع من الرجوع لآراء بعض الفقهاء والأخذ بها؛ إذ إنه يجب التمييز بين المضمون والمصدر، فإذا استحسن المشرع (مجلس الشعب) بعض الآراء فى مسائل معينة وأدخل عليها تعديلات وتحويرات بما يتناسب مع ظروف المجتمع ووافق عليها مجلس الشعب؛ فإنها تصبح حينئذ قانونا مصريا؛ إذ أن مصدرها المشرع المصرى، وإن اتفقت فى مضمونها مع آراء بعض الفقهاء. ثانيا:يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن الغالب الأعم من أحكام وقواعد القانون المدنى والقانون التجارى والقانون البحرى والقانون الإدارى والقانون الدستورى وقانون المرافعات لا تتعارض مع أحكام الشريعة، كما أنه لا يخفى على أحد أن تطبيق أحكام الحدود كالزنا والسرقة هو أمر فى غاية الصعوبة لارتهان ذلك بشروط يصعب تحقيقها من الناحية العملية، وعليه فإنه يحق للسلطة التشريعية النص على عقوبات الحبس والسجن والعزل لمحاربة الفساد فى المجتمع، كما أنه من الممكن الطعن على نصوص جرائم الزنا (إذ إنها تضع أحكاما لزنا الزوج مغايرة لزنا الزوجة) لإخلالها بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة؟ وعليه فإنه يمكن النيل من نصوص هذا القانون (أحد جرائم الحدود) التى تشغل بالهم. ثالثا:يرى البعض أن النص على مبادئ وليس أحكام هو ما يشكل عقبة حقيقية، ونحن نتساءل: ألم يكن بإمكان مجلس الشعب المنحل الذى سيطرت عليه قوى ذات مرجعية إسلامية أن تقوم بتعديل التشريعات، وهو أمر ممكن تحقيقه بالفعل ذلك؛ لأن المشرع من حقه أن يتناول القواعد والتشريعات بالتعديل فيلغى من القواعد ما لم يعد ملائما، وينشئ قواعد قانونية تواجه ما يمكن أن يجدَّ من ظروف، وإذا كان بعض أنصار هذا الاتجاه يعيب دائما على مجالس الشعب السابقة فى الأزمنة السابقة أنها عطَّلت أحكام الشريعة، فلم لم يستغل أنصار هذا الاتجاه الفرصة التى سنحت لهم بتغيير هذه التشريعات؟ خصوصا أن هناك ما يشير إلى أنه قد تمت مراجعة لبعض التشريعات وفقا لأحكام الشريعة فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات وأنه يمكن الاستفادة منها. رابعا: إذا كانت المحكمة الدستورية العليا فسرت مبادئ الشريعة الإسلامية بأنها الأحكام قطعية الثبوت وقطعية الدلالة؛ فإنه يجب أن نأخذ فى الاعتبار ما أشارت إليه اللجنة التى كلفها المجلس بدراسة اقتراحات تعديل الدستور سنة 1980 بأن "الأحكام غير قطعية الثبوت والدلالة هى التى أدت إلى تعدد المذاهب الإسلامية، بل والآراء داخل المذهب الواحد، وهو ما أعطى للفقه الإسلامى مرونة أمكن معها القول بأن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان" كما أنه يمكن للمشرع "مجلس الشعب المقارنة بين الآراء الفقهية واختيار أحدها بعد إدخال تعديلات وتحويرات عليها لتتناسب مع روح العصر أو استنباط حلول جديدة بما لا يتعارض مع الأصول العامة، وهذه الحلول وإن كانت مستلهمة من مبادئ الشريعة أو من آراء بعض الفقهاء إلا أنها بعد موافقة مجلس الشعب عليها أصبحت تشريعا وضعيا وإن اتفقت فى مضمونها مع آراء الفقهاء؛ إذ إنه ينبغى عدم الخلط بين المصدر والمضمون كما سبق أن أوضحنا. وفى النهاية، نقولها بكل صراحة: ينبغى على جميع الأحزاب والقوى السياسية ضرورة إعادة النظر فيمن يمثلها داخل البرلمان، وإعادة النظر فى معالجتها لقضايا المجتمع، وأن تكون أكثر قدرة على التعبير عن نبض الشارع وآلامه وآماله قبل فوات الأوان.