انتشرت الدعوات المطالبة بعودة المغتربين لاضطهاد سياسي إلى ميدان النضال الثوري مجدداً، لا سيما أن الثورات لن تحقق أهدافها إلا برجال يقودون فكرتهم الإصلاحية، وها قد لاذ الكثير منهم فراراً من مطاردة أمنية تجعلهم خلف السجون لأعوام. فيما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالنقاش حول موقف المغترب السياسي في ظل تزايد أعدادهم ليصل حسب آخر إحصائية 10 ملايين مصري، وما بين مجموعة ترى بأن السفر وقت الثورات تصرف غير شريف، وقت يدفع الآلاف ضرائب مقاومة النظام العسكري بالسجون، ومجموعة أخرى ترى أن بقاءهم في مصر سذاجة فكرية في ظل حملات المداهمات الأمنية لمنازل المطاردين والمعروف انتماؤهم السياسي. "بوابة الحرية والعدالة" حاولت تقريب وجهات النظر بمحاورة عدد من المغتربين بالخارج، لطرح شبهات ما يقال عنهم، وكيفية قراءتهم للمشهد الثوري الفترة القادمة، وماذا عن المكاسب التي فشلوا عن تحقيقها بالداخل المصري؟ فإلى إلى التفاصيل: بدابة تفند الصحفية شيماء جلال، المعدة بتليفزيون وطن، دوافع هجرتها قائلة: لا توجد صحافة حقيقية في مصر، أو مساحات لإعلام يتناول الأزمات بشكل حيادي، فالنظام لا يعترف بمهنة الصحفين وطالما أن الجهات الحقوقية عجزت عن الإتيان بحقوق الفتيات المعتقلات ومنهن من يمتهن بالمحاماة والصحافة، فلا أحب أن أكون رقم جديد يضاف لمعتقلين سجون السيسي.. باعتقادي سببان كافيان لأن أترك البلد". وتضيف: "أحب العمل دون قيد أو تهديد باعتقال، واستطعت أن أتنفس الحرية بالخارج، حتي وإن راودتني فكرة العودة مرة أخرى فسيكون من أجل أهلي وأخواتي، ليس بغرض آخر، فالسيسي وأعوانه استطاعوا أن يحقنوا قلوبنا كراهية لبلد يسيطر عليها عصابة عسكرية". وتستطرد: "أكثر ما يقلق راحتي بالخارج القبضة الأمنية والخناق الذي تفرضه قوات الانقلاب العسكري على الشباب الناقم على الأوضاع المتردية التي تشهدها البلاد اقتصاديًا وسياسيًا، وعن زملاء المهنة والمعتقلين القابعين خلف الزنازين، نتابع وننقل كل جديد عنهم إعلاميا، فهم تيجان فوق الرءوس، من يدفع ثمن حريتنا، نتعلم منهم الصبر والثبات، فرج الله عنهم وأخرجهم من سجون النظام على خير. فيما يقول المغترب جعفر على عبدالله: "أجبرت علي مغادر بلدي، ولا يوجد بديل في الغربة لأهلك، صاحب في الغربة كصاحب طريق، لا دوام له، فالغربة سجن كبير، ليس كما يتوهم البعض بانه رفاهية، ولكن بذاك السجن تستطيع أن تتحرك بلا قيود، تكتسب مهارات جديدة لم نكن لنكتبسها في بلد معدوم". "اخترت الطريق الآمن.. كرهت العيش في ذل وإهانة، صدقًا لم أعرف طعم الأمان في مصر، حياة غير مستقرة، وأمام المكاسب السريعة في الغربة كالإحساس بالأمان في بلد ينعم بالحريات يوجد خسائر تتثمثل في افتقادنا "للدفء العائلي"، فلا بديل يعوضنا مشاعر الوالدين وأصدقاء العمل. ويتابع: "بصراحة لا أتابع أي أخبار عن مصر.. واتهرب من متابعة مستجدات الوضع الحالي، قد يكون لعجزي عن تقديم لهم أي وسائل تدعم المكروبين منهم، وأنا على يقين أن البلد لن تقوم إلا بالمعتقلين، هم من سيغير مجرى التاريخ بإخلاصهم، أتمنى لهم التوفيق واستثمار أوقاتهم الغالية في دراسة أو اكتساب مهارة بالداخل". ويروي محمد شحاتة خطاب تجربة هجرته بقول: الوضع الأمني بدا حرجا للغاية بالنسبة لي، تزامناً مع اعتقال اشقائي الدكتور عبدالله شحاتة، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأحد خبراء المالية بالشرق الأوسط، والمحاسب أسعد شحاتة. ويستطرد: ما ساعدني على تخطي لحظات الاغتراب القاسية، هو أنني شرعت في تكوين أسرة جديدة، بالبحث عن شريكة لحياتي تقاسمني هموم الغربة، تخطيت معها مرارة الاغتراب.
أما عن رسالتي للمصريين بالداخل خاصة الثوار: "أود القول إن أنتم الثابتون الصامدون ونعلم أننا مقصرون تجاهكم..! تخالفهم الرأي فاطمة محي -معلمة ذوي احتياجات خاصة- تفييم بالكويت؛ حيث تعارض فكرة الهجرة مما بلغت الضرورة، وإن المرحلة الثورية تتطالب من المعارضين للنظام أن يثبتوا في وجه معارضيهم، بتغليب المصلحة العامة عن المصلحة الشخصية. وتضيف: يجب علي المنتمين للجماعات الثورية ان يتقدموا بطلب اذن من قياداتهم قبل السفر، فإن كانت هروب وأنانية فلا حاجة لهم بصفوف الثائرين، ولكن قد ينفع ذلك في تقييم العملية الثورية ووضوح الكثافة العددية الحقيقة للثوار بأرض الواقع. وتوضح: سافرت مع زوجي فهو يعمل بالكويت منذ سنوات، وأحسب تلك الأيام التي تحول بيني وبين مصر، فالحياة بالغربة بلا اجتماعيات، نفتقد الصحبة والأهل.. وأشعر بوحشة المكان رغم ما فيه من حريات ونظافة ونظام يحاول استرضاء مواطنيه بتلبية وتوفير كافة احتياجاتهم المادية والمعنوية. وحول الوضع الحالي ومؤشرات سقوط النظام، تقول "أرى النهاية تقترب إن تهيأت الأسباب.. بإعادة ترتيب صفوف الثوار، وتقوى الله من قبل". واختتمت: أعيش مع المصريين قلبًا وفكرًا وروحًا، يرهقني ما يرهقهم من غلاء اسعار وخناق وعدم أمان.. وأتابع أخبارهم يوميًّا، ولا أفعل في حياتي سوى تربيتي لابني ومتابعة الأخبار على القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي. "ويبقى السؤال: "هل نجح الانقلاب في تحقيق "مراده" بإجبار المعارضين له بالبحث عن بدائل أخرى هربًا من التعذيب النظامي الممنهج والمطاردة الأمنية!! أم أن السخط السياسي وإطباق الحصار لأصحاب الفكر السياسي بمحاربتهم مادياً وطردهم من الموسسات الحكومية، جعل المصريين يجدون في الاغتراب "طوق نجاة" لحفظ بها ما تبقى من أعمارهم باجواء تحترم أداميتهم؟!!".