قبل ثلاث سنوات عكف المجلس العسكري على كتابة سطور حلقته الأولى من مشهد الانقلاب العسكري ببراعة استهلال عاطفي، فكان بيان مهلة الجيش رقم (1) والذي أذيع عصر يوم الاثنين 1 يوليو تموز 2013م؛ حيث أمهلت خلاله القوات المسلحة، القوى السياسية للتوافق وتحمل أعباء الظرف التاريخي لمدة 48 ساعة، منوهًا أن جنرالات المجلس العسكري ستتدخل "لصالح الشعب" -حسب ما جاء بنص البيان الذي تلاه وزير الدفاع حينها "عبدالفتاح السيسي"، جاء ذلك تزامنًا مع دعوات جبهة الإنقاذ -إحد الجبهات المعارضة لحكومة قنديل- للنزول والاحتشاد ضد الرئيس محمد مرسي بميدان التحرير، عقب بيان ألقاه رئيس الجبهة محمد البرادعي قال فيه: بأن "مرسي" قد عجز عن إدارة شئون البلاد خلال أول عام له بفترة توليته، وإن الحل الأمثل للخروج من الأزمة الراهنة الاحتشاد من والتعجيل بانتخابات رئاسية مبكرة. بيد أن حزمة القرارات والإجراءات التي أعلنتها القوات المسلحة في بيانها، لم تكن واضحة بالشكل الكافي لعوام الشعب، والذي استهجن لغته، فعن أي مصلحة يتحدث وزير الدفاع!! أهي بحماية الحق الدستوري ببقاء أول رئيس مدني منتخب، أم أن هناك تأويلًا آخر من شأنه تحقيق طموح المعارضين بصعود عسكري! رجال السياسة أصابت أذهانهم الرسالة العسكرية بوضوح، فهموا ما ترمي إليه إستراتجية نظام لا يستطيع الاستغناء عن سلم السلطة، خاصة في ظل تصريحات وزير الدفاع بعقد اجتماعات لقادة المجلس العسكري في غياب رئيس الدولة. مساء يوم الثلاثاء 2 يوليو 2013م، ظهر الرئيس محمد مرسي، بخطاب للشعب بالتليفزيون المصري، قال فيه: "إنه يعمل ليل نهار حتى يستقر الوطن، وإن هناك من يستغل غضب الشباب المشروع في ظل الشرعية والديمقراطية".
وشدد فيه على أنه لا بديل عن الشرعية مع فتح أبواب الحوار وتفعيل مبادرة القوى السياسية، قائلاً: "متمسك بالشرعية وأقف حاميًا لها وحياتي ثمنها أريد الحفاظ على الأطفال والبنات والأمهات والرجال". في اليوم الثالث من يوليو 2013 انتهي المشهد سريعًا بإغلاق المنافذ التي تتحدث عن رئيس دولة، تحولت الآله الإعلامية كحرباء لتتلون مع الحدث وتواكبه بقاموس إعلامي يتناسب مع المرحلة، فذيلت توصيفها لجماعة الإخوان بالتنظيم الإرهابي، والرئيس الحالي بالسابق، والثوار بالإرهابيين، والعلاقات الخارجية بالتخابر، بل استخدمت القوات المسلحة سلاح الإطاحة وفرض سياسية الرأي الواحد، فتم قطع جميع وسائل الإعلام الموالية للرئيس محمد مرسي، التي تبث المظاهرات المؤيدة له، كما ألقت قوات الشرطة العسكرية القبض علي اثنين من مذيعي قناة مصر 25 بينهم المذيع محمد جمال هلال ومدير المونتاج بالقناة وضيفين، واقتحمت أجهزة الأمن المصرية مكاتب واستوديوهات قنوات "الجزيرة مباشر مصر" "والإخبارية" و"الجزيرة الإنجليزية" وأوقفت أجهزة البث، واحتجزت أجهزة الأمن مدير قناة "الجزيرة مباشر مصر" ومدير مكتب "الجزيرة الإخبارية" بالقاهرة مع عدد من العاملين، وأجبرت العاملين والضيوف في"الجزيرة مباشر مصر" على التوقف عن الكلام وإيقاف بث نقل صورة ميدان التحرير. كما انقطع بث "الجزيرة الإخبارية" على القمر الاصطناعي نايل سات. التطور الطبيعي للانقلاب احتجزت قوات الشرطة العسكرية الرئيس محمد مرسي في مكان غير معلوم لعدة أشهر، وأصدرت أوامر باعتقال 300 عضو من الإخوان المسلمين، فكان ميدانا رابعة والنهضة هو المنفذ الذي اختاره الرافضون لسطو قادة المجلس العسكري على إرادتهم وإظهار صوتهم الرافض لإجراءاتهم القمعية، فكان الرد بالإبادة، في مجزرة علنية يوم الرابع عشر من أغسطس 2013م، وفض رجال الداخلية الميادين بقوة السلاح بقتل ما يقرب من 600 معتصم، حسب ما جاء بتقرير وزارة الصحة.
حملات اعتقال واسعة طالت أكثر من 500 صحفي ورجال الأزهر وآلاف من طلاب الجامعات والرافضين لمذابح النظام غير المبررة، لم يتغير المشهد كثيرًا من تاريخ يوم المجزرة حتى الآن، سوى من أحكام بالمؤيد والإعدام والمشدد، توقف المشهد السياسي بشكل كامل لحين إشعار آخر. اعتذار ولكن.. بكل ذكرى بائسة للانقلاب، يتقدم عدد من السياسيين باعتذرات عن مشاركتهم بالاحتشاد والخروج عن سبيل الشرعية بمواقع التواصل الاجتماعي، ويندبون فعلتهم بالارتماء في أحضان العسكر، تصديقًا بوعود عبدالفتاح السيسي في بيانات تبعت الانقلاب.. أقسم فيها حالفًا "بأن يده لن تمتد بالسوء على الشباب، وإنه لا يفكر بالسلطة أو بمنصب، وأن التمكين للشباب في أولى "خارطة طريق" ستجعل مصر "أد الدنيا". تقول الناشطة منى سلطان في تدوينة لها بموقع "فيس بوك"، في الذكرى الثالثة لنكسة يوليو، أود أن أعترف بأنني كنت ممن شارك في احتشاد 30 يونيو، مضيت باستمارة تمرد كانت نيتي التغيير، لأن كل حاجة كنت بقابلها بشكل يومي بقت في وضع سيء، خاصة في المجال الطبي، والنقص الحاد في مستلزمات طبية وأدوية. وتستطرد: "كان الشائع بأن الجمارك متوقفة بأمر من الرئيس محمد مرسي، والمرتبات غير مرضية، والأزمات المرورية كذلك، كنت أظن أن الوضع هيكون في الاتجاه الأفضل، لم أكن أعلم أن الأزمات كانت تفتعل لتضيق الخناق على الشعب للنقم على الرئيس والحكومة. وتضيف: "نزلت الميدان، من اتجاه القصر العيني، وظللت هناك لفترة قليلة حتى وجدت تصرفتات جعلتني أغادره، رجال شرطة وعدد من رجال محسوبين على نظام مبارك أتباع (احنا اسفين يا ريس) يرقصون ويحملون رجال الشرطة فوق أكتافهم، وقتها أخبرت أصدقائي أن هناك تلاعبًا، وأبديت تخاوفي لهم من ركوب مطالبتنا في انتخابات مبكرة. عدت لمنزلي بنفسية مدمرة، أفكر في الأحداث من حولي بزاوية أخرى، إلى أن أصدر السيسي بيانه بتفويض من الشعب للتعامل مع مؤيدي شرعية مرسي، كنت على ثقة بأنها مذبحة، سيقتل فيها كل من يقف أمامه، أشعر بالذنب ناحية كل نقطة دم سقطت في رابعة رغم حسن نيتي، غفر الله جهلنا. مساعد المتحدث العسكري "يتصل بك"..! فيما تروي الإعلامية "إيمان عبدالمنعم" مشرف موقع الجزيرة مباشر مصر، عن أحداث يوم 3 يوليو قائلاً: مش قدره اكتب عن يوم 3 يوليو، كان يوما طويلا جدا مليئا بالأحداث والمواقف، في الصباح تلقيت اتصالا من الرائد محمد عسكر (مساعد المتحدث العسكري والمعنى بشئون القنوات التلفزيونية) وكان أول اتصال من طرفه، يتحدث إليّ بمنتهى الفرح والثقة ليبلغني أن وكالة الأناضول وقناة الجزيرة مباشر مصر لن يكون لهما صوت بعد اليوم.
وأضاف ضاحكًا: "خلاص هنخلص منكم.، كنت لم أفهم ماذا يقصد.. إلا أنه كان أكثر صراحة وربما وقاحة عندما ذكر لي أن الأناضول ومباشر مصر سيتم غلقهما، وبالفعل بعد بيان السيسي بعد مهلة ال48 ساعة الحدث المرتقب للجميع بساعات تم اقتحام الجزيرة مباشر مصر وتم غلقها والقبض على عدد من الزملاء العاملين بها، ولم تتوقف الملاحقات والسخافات الأمنية عن الأناضول حتى أغلقت مكتبها في القاهرة". وعن أحوال المتظاهرين بميدان رابعة يقول "م.ف": قبل البيان كنت متظاهرًا بميدان رابعة، كنا ننتظر قرار الجيش، كان هناك أعداد كثيرة تعتقد بأن السيسي هيطلع بيان يعلن فيه عن دعم الجيش لمرسي، خصوصا بعد صوره مرسي وقنديل معاه المجرم قال البيان من هنا والميدان اتقلب "مناحه" من هنا. الميدان كله ردد "حسبي الله ونعم الوكيل"، بكاء وإغماءات، وحالة من الصدمة والحزن الجماعى.. أنا مشوفتش زيه الصراحه.. وطلع عبد الرحمن عز وأحمد المغير وبعض شباب الإخوان ومسكوا المايك وهتفوا ثورة إسلامية ثورة إسلامية. وأضاف: زي ما ثوار 30 يونيو كانوا السبب في اللي احنا فيه بحماقتهم ، برضوا عدم صراحة ووضوح قيادات الجماعة معنا كانت سببًا في اللي وصلنا له. فيما يقول محمود عبدالشافي: الخطأ الأكبر للإخوان قبل 6/30 و7/3 كان عدم وجود خطة بديلة (خطة ب) للتعامل مع احتمالية حدوث انقلاب عسكري. ويختلف معه في الرأي أحمد عويس قائلاً: خطأ الأخوان لم يكن تنظيمي وﻻ تثقيفي بل على العكس، لكن اأخطاء الملازمة لهم من أول يوم تسلموا فيها الحكم أن التعامل مع الجماهير بانحياز تام لمفاهيمهم.. تعاملوا مع الجماهير بعقلية الفاتح والقائد الأوحد. العقود السبع من عمر الإخوان اضمحلت وبدت تتلاشى بسبب نقص القدرات السياسية التي يفتقدونها وبسبب تمسكهم بشعارات طائفية سياسية وطائفية إقليميه ﻻ تغني عن جوع وفي النهاية كان الإخفاق نتيجة حتمية. وتوجهت الصحفية مروة أبوزيد بشكر كافة الانقلابيين والإعلام الذي سهل علينا معرفة معادن الأشخاص، فكلما رأينا شخصا محترما في تعاملاته متوازنا، بيطالب بحياة كريمة ودولة متحضرة وبيطالب بعودة الشرعية، يتهم بأنه إخواني!. شكرًا للإعلام الغبي اللي عمل دعايا للإخوان لو كانوا عاشوا على عمرهم عمرين ما كانوا قدروا يثبتوا للشعب الغلبان إن الإخوان هم الصورة الحقيقية للإسلام بكل ما يحمل من معانٍ راقية". فيما طرح بعض الشباب مقترحًا ثوريًّا للخروج من أزمة المشهد السياسي، قائلاً: نمط ثورة الميادين والاعتصامات لم يكن يوما خيارا وحيدا للثورة، ومعادلة الحسم السلمي بالاعتصام الاحتجاجي الضاغط لم تعد مناسبه للحالة المصرية في ظل مزاج شعبي منقسم وآلة قتل مجنونة وبلا سقف وظهرها في الحائط. ويوضح: نمط آخر من الثورات أرى أنه الأقرب لواقعنا ولمعطيات قوتنا وتوازنها ولمسارات التأثير المتداخلة في معركتنا، ثورة الفوضى.. ثورة قطع الأطراف.. ثورة التعجيز والإفشال.. ثورة الضرب المتصل المشتت المنهك، ثورة الرعب.. ثورة كهذه قد تتسلح في مراحل متأخرة وحاسمة ولكن بشكل محدود وذكي ومؤثر؛ حيث لا يجرفها لتتحول لحرب أهلية أو مواجهة مسلحة شاملة. ثورة كهذه يمكن تحقيقها وإنجاحها بضرائب أقل ومرونة أكثر ونتائج أفضل.