مع انهيار الأوضاع الإنسانية في مدينة حلب السورية بالتزامنة مع القصف الجوي لطائرات بشار الأسد بالبراميل المتفجرة، تكثر الحالات المأساوية التي يعيشها السوريون في هذه الظروف الأليمة. ومن ضمن القصص المأساوية ما نشرته صحيفة "هافينجتون بوست"، اليوم السبت، وهي لطبيب الأطفال محمد وسيم معاذ؛ الذي نذر نفسه لخدمة أطفال مدينته حلب وسط الحرب الضارية التي تضربها، وأصرّ على البقاء في هذا "الجحيم" رافضًا المغادرة إلى أن ذهب ضحية غارة استهدفت، الأربعاء 27 أبريل 2016، مستشفى القدس الذي يعمل فيه.
ونقلت الصحيفة عن زملائه ممن نجوا من القصف الأخير أنه "كان أفضل طبيب أطفال في المنطقة، وبالتأكيد أحد آخر الباقين في جحيم حلب"، واصفة له بصاحب اللحية السوداء المهذبة، وعيناه المتعبتان تكشفان وتيرة عمل هذا الطبيب الذي كان يعمل من دون توقف لإنقاذ حياة أطفال مدينته، سواء كانوا من المرضى أو جرحى قصف قوات النظام في الأحياء الشرقية للمدينة الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة المعارضة.
إلا أن براميل بشار لم ترحمه، كما لم ترحم براميله آلاف الأطفال والعجائز والنساء، وفي يوم الأربعاء الماضي خطفت غارة جوية حياة هذا الطبيب مع طبيب أسنان و3 ممرضات و22 مدنياً، بينما كانوا يقومون بعملهم في مستشفى القدس في حلب.
وانضم هذا الطبيب مع العاملين معه في المستشفى إلى لائحة الموت السورية التي تضم حتى الآن أكثر من 270 ألف قتيل، بينهم 13500 طفل، حسب آخر حصيلة قدمها المرصد السوري لحقوق الإنسان في فبراير/شباط الماضي.
ونقلت الصحيفة عن زميله الطبيب حاتم، مدير مستشفى للأطفال في حلب: "كان معاذ أكفأ أطباء الأطفال في المدينة والطبيب الأروع في المستشفى"، مضيفًا: "كان ودودًا وإنسانًا وشجاعًا قادرًا على إطلاق النكات بين أفراد فريقه حتى في أصعب الأوقات".
وينحدر الطبيب معاذ من حلب نفسها وكان يعمل خلال النهار في مستشفى الأطفال وليلاً في قسم الطوارئ بمستشفى القدس، وقد غادرت عائلته إلى تركيا، وكان من المفترض أن يقوم بزيارتها خلال الأيام القليلة المقبلة لو لم تخطفه الغارة الجوية التي ضربت المستشفى.
وعندما تصاعدت وتيرة القصف خلال الأيام التي سبقت إصابة المستشفى، قام مع أعضاء الفريق الآخرين بإنزال حضانات الأطفال الرضع إلى الطابق الأرضي؛ ظنًّا منهم أنهم قد يكونون بمكان أكثر أمانًا، وكان "مندفعًا جدًّا واختار المجازفة بحياته لمساعدة سكان حلب".
وفي الإطار نفسه قالت ميسكيلدا زنكادا، رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود في سوريا، في اتصال هاتفي معها من مدينة كيليس التركية: إن مقتل الطبيب معاذ "مأساة"، حيث "لم يبق سوى ما بين 70 و80 طبيبًا للاهتمام ب250 ألف شخص لا يزالون يعيشون في القسم الشرقي من المدينة؛ لأن 95% من الأطباء غادروا أو قتلوا".
وتزداد الظروف المعيشية صعوبة يومًا بعد يوم في المدينة، حسب زنكادا التي قالت أيضًا: "إن وضع الذين لا يزالون في حلب هو الأكثر هشاشة؛ لأنهم لا يملكون ما يكفي من المال للنزوح".