رصد الكاتب الصحفي فهمي هويدي تصاعدت حدة التوتر في العلاقات بين مصر والسودان دون أدنى اعتبار للروابط التاريخية بين طرفي وادي النيل، مستنكرًا حالة التعتيم التي تمارسها دولة الانقلاب على الأزمة الحادة في الوقت الذي تشغل فيه حيزًا كبيرًا في الخرطوم. وكشف هويدي - عبر مقاله بجريدة "الشرق" القطرية - عن تصاعد الأزمة على نحو متسارع في السودان، وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة شعارات تحمل الكثير من الغضب تجاه مصر، منها "مصر ليست أخت بلادي"، و"لا تسافر إلى مصر"، بينما علق أصحاب المحال التجارية في الخرطوم لافتات "ممنوع دخول المصريين". ورفض الكاتب الصحفي التقليل من أهمية حملات الغضب على مواقع التواصل استنادا إلى عدم تبنيها حتى الآن على المستوي الرسمي أو السياسي، معربًا عن استيائه الشديد من جمود الموقف المصري وعدم وجود تحرك جاد لاحتواء ما طرأ من خلافات حتى اتسع نطاقها وتحولت إلى أزمة اختلطت فيها الأوراق واستدعيت الحساسيات، وأصبح الاحتواء أكثر صعوبة. وعدد المقال حالات الانتهاكات التي طالت الأشقاء في مصر وتجاهلها الأذرع الإعلامية بشكل متعمد، مشيرا إلى أنه في أيام قلائل وثقت المواقع الإخبارية على الإنترنت أخبارًا عن مقتل سودانيين حاولوا عبور الحدود المصرية إلى إسرائيل، فضلاً عن إلقاء القبض على بعض السودانيين في القاهرة وابتزاز أموالهم، وتعرض آخرين للتعذيب في أماكن الاحتجاز انتشرت صورهم على "فيس بوك"، إلى جانب احتجاز بعض عمال تنقيب سودانيين بالقرب من البحر الأحمر، وتوسط السعودية لإطلاق سراحهم بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس عمر البشير للرياض أخيرًا. وأضاف هويدي: "معلومات الإنترنت ذكرت أيضًا أن مذكرة احتجاج سودانية قدمت إلى الخارجية المصرية بخصوص الموضوع، وأن السفارة المصرية في الخرطوم تلقت استفسارا بخصوص ما أثير عن سوء معاملة السودانيين، إلا أن الأخيرة ردت بأنها لا تملك معلومات في هذا الصدد". وتابع: "الشاهد أنه في حين أن قضية العلاقات المتوترة مع القاهرة مثارة بصوت عال في الإعلام والبرلمان السودانيين، فإنها لم تطرح على الرأي العام المصري، وهو ما أثار استياء بعض السودانيين الذين اعتبروا ذلك نوعًا من الاستخفاف واللا مبالاة من القاهرة". وأوضح: "المناقشات الغاضبة في الخرطوم ترددت فيها دعوات لإلغاء اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين البلدين (الإقامة والتنقل والعمل والملكية) التي قالوا إن مصر لم تلتزم بها على عكس السودان، كما تحدث البعض في مقاطعة شركة مصر للطيران، وفتح ملف مثلث حلايب وموقف مصر إزاء السيادة عليه، وما يقال عن حقوق السودان التاريخية فيه". ووقف هويدي على بعض الأسباب التي قد عملت على تفاقم الأحداث، قائلاً: "إذا ذهبنا إلى أبعد من تحري الخلفيات، فإننا سنجد أن الحساسية السودانية إزاء النظرة المصرية التقليدية حاضرة في الذاكرة، وسنجد أيضًا أن المواقف إزاء سد النهضة لها حضورها أيضا، وفهمت أن إرسال حكومة السودان لبعض القوات للمشاركة في "عاصفة الحزم" باليمن سبب حرجًا لمصر وعتابًا سعوديًا مكتومًا، كما أننا لا نستطيع أن نستبعد امتعاض القاهرة من مواقف الإسلاميين السودانيين الذين تعاطفوا مع حكم الإخوان ولا يزال لبعضهم تأثير على حكومة الخرطوم". واختتم المقال: "هذه التباينات في المواقف طبيعية ومفهومة وواردة في علاقة أي دولتين، حتى إذا لم تكونا شقيقتين، لكن ما ليس مفهوما أن يتم التعتيم على الخلافات حتى تترك لكي تستفحل وتستعصي، بحيث تؤثر سلبًا على وشائج ومصالح الشعبين، في حين أنه بأي منظور تاريخي أو جغرافي أو إستراتيجي، فإن خلافات بين مصر والسودان لا ينبغي لها أن تتحول إلى أزمة بأي حال، وحين يحدث ذلك فإنه سيعد فشلاً لأولي الأمر في البلدين يستحقون لسببه اللوم والعتاب من الشعبين اللذين نشأنا وتربينا على أنهما "إيد واحدة".