لا يزال التخبط والارتباك هو المشهد المسيطر على إعلام العسكر فى ظل حالة الانهيار التام الذى تعيشه كافة القطاعات، وينعكس بشكل مباشر على الشعب المنكوب، فيما خرجت دولة السيسي من دائرة الاهتمام إقليميا ودوليا، بعدما باتت أوراق النفوذ فى كافة أزمات المنطقة فى يد دول أخرى، اكتفى العسكر بالقفز على كل الحبال ضمن سيناريو انتهازي لحصد مزيد من الرز هنا أو قليل من المعونات هناك لضخ قليل من الدماء فى عروق الاقتصاد اليابسة. ولم تعد مِصْر فى عهد العسكر ذات الدولة المحورية التى تمتلك أوراق الحل والعقد حتى فى محيطها الضيق، فتقزمت خلف الأزمات المتفاقمة التى صنعها الانقلاب، وتركت الملفات الشائكة فى اليمن وسورياوالعراق وليبيا تتلاعب بها المصالح المتشابكة، مكتفية بمراقبة الغرب وهو يحرث الربيع العربي بالملح من أجل التخلص من التيارات المناوءة لمصالحه إلى غير رجعة. إلا أن الوضع المتأزم فى سوريا بعد مرور 5 سنوات من انطلاق ثورة بلاد الشام، يبدو مغايرا قليلا عن غيرها من مختلف بلدان الربيع المتوترة، حيث بات البلد المنكوب مسرحًا مفتوحا لحرب "عالمية" تتصارع عليها قرابة 40 دولة متباينة الدوافع ومتنافرة الأهداف ولكنها توافقت فقط على تفكيك تلك البقعة وتقسيمها ومن ثم توزيع خريطة النفوذ مرة أخرى. رقعة الشطرنج ولأن المشهد السوري يبدو معقدا فى ظل كثرة العساكر على رقعة الشطرنج، فى ظل نشوء قوى مسلحة تتصارع على السيطرة على الأرض ما بين مليشيات بشار من جانب والجيش الحر وجبهة النصرة وفصائل المعارضة المسلحة فى الجهة المقابلة، وتنظيم الدولة من ناحية أخرى التى باتت بمثابة "مسمار جحا" وذريعة تدخل الجميع وتحالف الفرقاء لشن غارات على سوريا وقتل آلاف الأبرياء والقضاء على الأخضر واليابس. ومع مشاركة أمريكاوبريطانياوفرنسا والإمارات والسعودية والأردن وإيران وتركيا وروسيا وقطر والصين والاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر وغير مباشر، فى الصراع المستعر فى سوريا، ومن الخلف تبدو مسرحية مفاوضات فيينا بمشاركة ذات الدول التى تدعم وتسلح وتمول كافة أطراف الحرب فى الداخل، لم تجد مِصْر لها موطأ قدم فى تلك المعركة بعد أن كبلتها الأزمات الداخلية وحالت دون مشاركتها عسكريا إلى جانب تحالف أوباما، وإن أعلنت رسميا موافقتها على غارات واشنطن وشركاءها وروسيا وحلفاءها. سوريا تحولت إلى جحيم مستعر على وقع القنابل والبراميل والمقذوفات، والتى وجدت ذريعة لها فى تفجيرات باريس ال7 لزيادة وتيرتها، حيث أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أن مقاتلاتها شنت أكبر غاراتها في سوريا في الرقة، ردا على إعلان تنظيم "الدولة" مسئوليته عن هجمات باريس. بدوره، أعلن بين رودس -نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي- أن الولاياتالمتحدة ستتعاون مع فرنسا لتكثيف الغارات ضد تنظيم "الدولة" في سورياوالعراق، متابعا: "نحن على ثقة من أننا سنتمكن بالتعاون مع الفرنسيين في الأيام والأسابيع القادمة من تكثيف ضرباتنا ضد "الدولة الإسلامية" في سورياوالعراق، ولنوضح أنه لا يوجد ملاذ آمن لهؤلاء الإرهابيين". وأكد مصدر عسكري أمريكي أن الولاياتالمتحدة بالتوازي مع الغارات سلمت دفعة جديدة من الذخيرة لمقاتلي المعارضة السورية الذين يقاتلون تنظيم "الدولة الإسلامية" في شمال سوريا، مشيرا إلى أنها المرة الثانية التي تسلم فيها واشنطن الذخيرة لمجموعات ضمن "التحالف العربي السوري"، وهو تشكيل من حوالي 10-12 مجموعة مسلحة يبلغ عدد منتسبيها نحو 5000 مقاتل. وبعيدا عن مشهد ألعاب "الفيديو جيم" فى إعلام الانقلاب، واصلت وسعت روسيا من نطاق غارتها الجوية المكثفة فى سوريا، لتعلن رسميا ضرب فصائل المعارضة المسلحة –التى يسلحها تحالف أوباما- إلى جانب "الدولة" من أجل إنقاذ رقبة بشار الأسد، فى الوقت الذى تدعمه فيه إيران وحزب الله اللبناني بجنود على الأرض لمواجهة الثوار. من جانبه، أعلن ديفيد كاميرون -رئيس وزراء بريطانيا- أن بلاده ستضرب تنظيم "الدولة" في سوريا قبل أن تبلغ البرلمان إذا اقتضى الأمر، مشددا على أنه سيشن شن ضربات جوية على التنظيمات المسحلة في سوريا، لكنه لا يزال بحاجة لإقناع المزيد من النواب البريطانيين بدعم مثل هذا التحرك. وتشارك بريطانيا في حملة القصف بالعراق لكن كاميرون خسر تصويتا في البرلمان عام 2013 لتوسيع القصف حتى يشمل سوريا، وهو ما دفع كاميرون للتأكيد على أنه سيتصرف بشكل مباشر وعلى الفور إذا تعرضت المصالح البريطانية للخطر، زاعما أن أجهزة الأمن البريطانية أحبطت في نصف السنة الأخير سبع هجمات إرهابية. ودخلت الدنمارك على خط الأحداث بعدما باتت بلدان العرب مرتع للجميع، فأعلن وزير خارجيتها كريستيان يانسن إنه سمح للطائرات الدنماركية المقاتلة التي كانت تنفذ طلعات في العراق هذا العام بقصف مواقع "الدولة الإسلامية" بتفويض أوسع نطاقا يسمح لها بقصف أهداف تابعة للتنظيم، أينما كانت سواء على هذا الجانب أو الجانب الآخر من الحدود مع سوريا. غارات صهيونية وبطبيعة الحال، يبدو الكيان الصهيوني ورغم الأوضاع المضطربة فى القدس، أحد أهم الأوراق التى تشعل الأحداث فى سوريا للخروج بأكبر المكاسب وتفتيت أحد أهم دول المواجهة "نظريا"؛ حيث أعلن وزير الدفاع موشيه يعالون أن الاحتلال نجحت في ردع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، في الوقت الذى رفض التعليق على الغارات التى شنتها قواته على عدد من التنظيمات الفلسطينية فى اللاذقية وأسفرت عن مقتل قياديين فلسطينيين. تدمير سوريا بالكامل لم يكن يشغل الانقلاب في مِصْر طالما يحصل على حصته من تأييد هذاالتحالف أو ذاك، وطالما يرفع فى الداخل لافتة مش أحسن ما نكون زي سورياوالعراق"، غير أن قمة مجموعة ال20 التى انعقدت فى مدينة أنطاليا التركية، جاءت لتبعثر أوراق اللعبة بعدما تمحورت أهم ملفاتها حول الأزمة السورية. جلوس فرقاء المشهد بوتين وأوباما وتزايد التقارب بين الرياض وأنقرة، ولهجة التصعيد فى باريس ولندن، وخروج الجميع بالتأكيد على توافق الرؤي واختلاف أدوات التنفيذ حول أزمة دمشق، وضعت السيسي فى حسبة برما بعدما خرج رسميا من تفصيلات اللعبة وبات ظهره مكشوف فى البلد الذى طالما مثل بوابة للأمن القومي المصري. وعلى الرغم من حالة العجز والمسيطرة على تعاملات العسكر مع ذراع "الدولة" فى مصر "ولاية سيناء"، ونجاح الأخير فى اختراق منظومة الأمن فى مطار شرم الشيخ، إلا أن إعلام السيسي شدد على أهمية التدخل عسكريا فى سوريا "ملطشة الجميع" من أجل نيل جزء من تورتة التفتيت والخروج بأكبر المكاسب على جثث الأبرياء. ورطة العسكر الإعلامي المقرب من أجهزة الأمن عمرو أديب، أعرب بمرارة عن عميق حزنه لتلك الندية التى باتت واضحة فى التعامل التركي الأمريكي، ولعب أنقرة دورا محوريا فى المنطقة، وفى سوريا على وجه التحديد، فيما باتت مصر خارج تلك المنظومة العالمية ودائرة النفوذ، وأصبحت لا تملك أى تأثير أو أدوات لتشارك ولو من بعيد فى لعبة المصالح. وحرض أديب العسكر على ضرورة اقتحام تلك المنظومة، خاصة بعد بوادر الاتفاق الأمريكي الروسي على شن معركة برية فى سوريا لإزاحة الأسد والتى دللت عليها الخارجية السعودية بأن بشار سيرحل قريبا، وهو ما يستوجب ضرورة الاستعداد لدخول المعركة وتحديد موقف مصر فى صراع النفوذ. واعترف الإعلامي الانقلابي أن مصر أصبحت خارج التكتلات والتحالفات الدولية، ولا يمكن اعتبار روسيا حليف بعد القرارات التى أعقبت سقوط الطائرة، فى الوقت الذى حماس وحزب الله لها دور فاعل فى تلك التكتلات، بينما دولة السيسي غارقة فى مياه الأمطار وانهيار السياحة حتى أذنيها. وأوضح أن مصر الآن لا تملك القوة والنفوذ التركي أو الإيراني أو حتي ما يمتلكه بشار الأسد مدعوما بتحالفاته مع موسكو وبكين وبيونج يانج، لذلك آن الأوان أن تلقي مصر بورقتها ولابد أن تكون مؤلمة، مضيفا: "أنت مش أحسن من أبناء روسيا اللى موجودين جوا سوريا، ولا أحسن من أبناء أمريكا اللى بيعملوا طلعات جوية، ولا أحسن من أبناء السعودية والإمارات، لأنك مينفعش تبقي بره لعبة الورق". وطالب أديب بضرورة المشاركة فى الحرب وتأهيل الشعب لأن القادم أصعب، ولأن أديب لا يتحدث خارج النص الموضوع مسبقا فى الشئون المعنوية، باتت نوايا الانقلاب واضحة لتوريط مصر فى معركة خارجية، وهو ما ينذر بإعلان العسكر قريبا المشاركة فى الغارات الجوية فى سوريا أو التبرع بغارات مماثلة فى ليبيا لكسب الود العالمي. إعلام السيسي اعترف أن مصر دخلت فى عزلة دولية عقب انقلاب 30 يونيو، لذلك يواصل التحرض على أن تخرج القاهرة من تلك العزلة التى جلبها العسكر عبر طرح الورقة المصرية فى المعركة السورية حتى لو كانت سيئة أو جلبت الأسوأ، ورفعت مسبقا الشعار الذى يعكس نظرة الجنرالات لحياة المصريين: "ولادنا مش أغلي من ولاد الآخريين".