لم تعد الأمور فى دولة العسكر تخضع للعقل والمنطق، بعدما تأكد الانقلاب من أنه يتعامل مع أغلبية بلا وعي، فيما تعج السجون والمعتقلات بآلاف ممن رفضوا الخضوع لعودة الديكتاتورية، لتصبح مبررات الفشل حاضرة فى الموعد، والمتهمون دائما فى القفص قبل وقع الجريمة، والمؤامرات الكونية متوفرة لتمرير الكوارث. إلا أن ما كان سخرية يتناقلها النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحولت مع داخلية الانقلاب إلى واقع ملموس يعكس حالة الجبروت التي باتت تسيطر على دولة العسكر، وهو ما تجسد فى الأيام القليلة الماضية عبر مشهدي غرق الإسكندرية فى مياه الأمطار وسقوط الطائرة الروسية فى سيناء. شبكة "الجزيرة" الإخبارية، أوضحت -فى تقرير لها- أنه "فرارا من الغرق الذي غمر محافظات مصرية عدة في الأيام الماضية، لم تجد وزارة الداخلية المصرية طوق نجاة سوى اتهام جماعة الإخوان المسلمين بسد قنوات الصرف في الإسكندرية بخلطات أسمنتية". وأضاف التقرير: "كان الأمر في البداية مزحة تداولها رافضوا الانقلاب، ساخرين من مبادرة أجنحة النظام الأمنية وأذرعه الإعلامية، باتهام الإخوان دائما بالمسئولية عن أي نازلة، ولو كانت سقوط الأندلس، لكن السلطات الأمنية أعجبتها الفكرة فيما يبدو فحولتها حقيقة لا تخلو مرارة". وعلى وقع مشاهد تمثيل من اتهمتهم داخلية الانقلاب مسرحية سد قنوات الصرف، بعد إعلان العسكر عن اعتقال 17 مواطنا بتلك التهمة، أشار التقرير إلى أن "المتهمين المعروضة صورهم يمثلون جريمة علقت بهم حتى من قبل المحاكمة؛ حيث أكدت مصادر حقوقية مصرية اختفاءهم قسريا قبل أكثر من شهر، وهو نمط بات مألوفا في قمع السلطات المصرية الحالية لرافضيها". ولم يخف التقرير حالة التغييب التى يتعامل بها الانقلاب مع المواطنين واتفاق الطرفين على التعايش وتمرير الأزمات بدلا من محاولات الارتقاء بالوطن، موضحا أنه "لا مانع من صب مزيد من اللعنات إعلامية وشعبيا على الإخوان، بدلا من البحث عن المسئول الحقيقي عن موت العشرات غرقا وصعقا بالكهرباء في عدة محافظات، طالما للبلاد رئيس تعذب بشدة عندما وجهت له انتقادات للسبب ذاته". وانتقل التقرير من الحديث عن مأساة غرق محافظات مصر التى خلفت عشرات الضحايا وخسائر بالملايين إلى مشهد آخر أكثر وضوحا، مشيرا إلى أن مسلك النظام الانقلابي المصري في الدوران حول الحقائق وتعليق المسئولية في أي كارثة على أي سبب خارجي، تكرر في حادث الطائرة الروسية التى تحطمت فوق سيناء. ورصد قمة المهزلة التى تناقلتها عدسات وسائل الإعلام العالمية، عندما ترقب العالم مؤتمرا صحفيا يكشف الحقائق أو شيئا منها حول الحادثة، فخرج مسئول حكومي في سلطة الطيران المدني المصرية بوصفه رئيسا للجنة تحقيق دولية لم يحضر من أعضائها أحد لتلاوة البيان الذي صدر عن كل اللجنة كما يفترض. وتابع: "رغم الارتباك الظاهر تناغم الرجل مع رئيس دولته في كل شيئ حتى في دعوته في انتظار التحقيقات طويلا، بينما نقلت عنه وكالة "رويترز" بعد دقائق من وقوع الحادثة فجر ال31 من أكتوبر مبادرته للقول إن الطائرة غادرت الأجواء المصرية بسلام، بل اتصلت بالمراقبة الجوية في تركيا". وختم التقرير بالتأكيد على أن تلك العقلية هى التى باتت تحتكم المشهد فى مصر، وهذا المسلك الحكومي المصري المضطرب دفع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية للسخرية: "إن مهارة النظام المصري في الكذب أعلى كثيرا من مهارته في محاربة الإرهاب".