في تكرار مقيت للأزمة الاقتصادية التي ضربت مصر، منذ العام 2022، حينما خرجت من مصر نحو 22 مليار دولار، عقب رفع البنك الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة على الدولار، وهو ما تسبب في كارثة اقتصادية بمصر، وأفقد الجنيه المصري نحو نصف قيمته في أيام معدودة، ودون أن تتعلم حكومة السيسي الدرس، عادت لتروّج لجذب الأموال الساخنة مجددا. وقد عادت البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية لشراء أدوات الدين الحكومية المصرية مجددا نهاية الأسبوع الماضي، بعد غياب طال لمدة عامين، بعد أن قام البنك المركزي بأمرين؛ هما رفع الفائدة 8 نقاط منذ بداية العام، وخفض رابع للجنيه إلى 50 جنيها للدولار بدلا من 30.85 جنيها. وكان الاقتصاد المصري قد تعرض إلى ضربة قوية عندما خرجت تلك"الأموال الساخنة" في الربع الأول من عام 2022 بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والتي قدرتها الحكومة بنحو 22 مليار دولار في فترة وجيزة، ما أدى إلى أزمة غير مسبوقة في البلاد. وفي أعقاب هذا الانسحاب الكارثي من السوق المصري، قال وزير المالية، محمد معيط، في يوليو 2022: إن "الدولة المصرية تعلمت الدرس فيما يخص الأموال الساخنة من 3 مرات متتالية في 2018 و2020 و2022″، مشيرا إلى أن الدولة وضعت استراتيجية تنص على عدم الاعتماد على هذا النوع من الأموال مرة أخرى. وشدد على أن الدولة تتجه إلى التوسع في الصناعة والرزاعة، وجذب الاستثمارات التي لم تكن تحدث دون تطوير للبنية التحتية وللطرق، وأن المرحلة القادمة ستشهد تركيزا أكبر على جذب الاستثمارات المباشرة، منوها بأن السيسي أعلن عن هدف استراتيجي لجذب 10 مليارات دولار سنويا، وهو ما لم يحدث لاحقا. ومن أبرز المؤسسات والبنوك المالية التي عادت للاستثمار في أدوات الدين الحكومية المصرية من جديد: "غولدمان ساكس"، و"سيتي بنك"، و"مورغان ستانلي"، وباع البنك المركزي أكثر من 101 مليار جنيه من أذون الخزانة، بعائد وصل إلى 32.5% للمرة الأولى في تاريخ العطاءات. فوائد بنكية كارثية ولمعالجة الأزمة المالية بمصر، قرر البنك المركزي المصري، في اجتماع استثنائي، في السادس من مارس الجاري، زيادة أسعار الفائدة بشكل غير مسبوق بمقدار 6% وخفض الجنية بنسبة 60% أمام الدولار وبلغت 50 جنيها هبوطا من نحو 31 جنيها . وبذلك باتت مصر بعد الإجراءات الأخيرة تقدم ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية بين 23 من الاقتصادات النامية تتبعها "بلومبرج"، بمتوسط عائد يقترب من 30%، وسط توقعات أن يرتفع هذا العائد خلال الفترة المقبلة بسبب الحاجة الماسة للعملة الصعبة. وتوقعت مؤسسات مالية كبرى أنه مع استقرار سعر الصرف الأيام القليلة المقبلة، تعود باقي المؤسسات الأجنبية للاستثمار بأدوات الدين الحكومية المصرية خاصة مع عودة جاذبية سنداتها المحلية بعد خروجهم منها بسبب مقاومة البنك المركزي تخفيض قيمة الجنيه وعدم رفع الفائدة بشكل أكبر. ووفق تقديرات اقتصادية، فإن عودة الأموال الساخنة من قبل المؤسسات والبنوك الأجنبية ليست ثقة في الاقتصاد المصري، ولكن بسبب رفع الفائدة بشكل كبير وخفض قيمة الجنيه ما يجعل من الاستثمار في أدوات الدين الحكومية مربح لها وفرصة لاقتناص أرباح مرتفعة، ما دفع بنك جي بي مورجان الأمريكي لإصدار توصياته للمستثمرين بشرائها. ويأتي المستثمرون من الخارج بأموال اقترضوها من بنوك بلادهم بسعر فائدة منخفض ومن ثم تعيد ضخها في السوق المصري بهدف الحصول على فائدة مرتفعة تغطي تكلفة الفائدة التي يدفعونها في بلادهم، بالإضافة إلى هامش ربح. أم المصائب ووفق تصريحات سابقة لوزير المالية ، فإن ارتفاع الفائدة 1% يكلف ميزانية الدولة 70 مليار جنيه، وبالتالي فإن ارتفاع تكلفة خدمة الدين الحكومي 8% تتراوح خلال النصف الثاني من العام الجاري من 800 مليار جنيه إلى تريليون جنيه. ولعل عودة مصر لنفس المخاطر السابقة التي تسببت في كوارث الاقتصاد، يدلل على أن نظام السيسي، أدمن الاقتراض ولا يمكن منعه في ظل عدم وجود مؤسسات منتخبة أو مجتمع مدني تناقش الأزمات التي تحدث في البلد، الأمر الآخر، مصر هي من سعت للأموال الساخنة وليس العكس من خلال رفع الفائدة على أذون الخزانة أعلى من 32% وخفض قيمة الجنيه 60%، ووفق خبراء، فإن هذه الأموال بلغة الاقتصاد العصفور الطائر ليست استثمارا.. ورضخت مصر لشروط صندوق النقد الدولي في نهاية المطاف فيما يخص اتباع سعر صرف أكثر مرونة، ورفع الفائدة لاستعادة ثقة المستثمرين في أدوات الدين، بعد أن تعثر الاقتصاد على مدى العامين الماضيين بسبب نقص العملة الأجنبية. تتوقع مصر أن تتلقى 20 مليار دولار من عدة شركاء متعددي الأطراف وشركاء آخرين، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بحسب وزير المالية محمد معيط، إلى جانب تعهد الحكومة ببرنامج لبيع بعض الأصول المملوكة للدولة، وتحفيز استثمارات القطاع الخاص. الأسعار تفضح الحقيقة ولعل أبرز ما يؤكد خطأ مسار السيسي، بتعويم الجنيه والتوسع في الديون، ورفع الفائدة البنكية لجمع الأموال الساخنة، للظهور بوضع المتشبع ماليا، خاصة بعد بيع أراضي مصر، تنكشف عوراته أمام استمرار ارتفاع الأسعار لكل السلع والخدمات، على الرغم من الخفض القسري للدولار والعملات الصعبة، إذ تتفاقم معاناة المواطنين وأزماتهم، مع استمرار ارتفاع السلع بل وزيادة بعضها، في الأسواق المصرية.