تلجأ الدول ذات الاقتصادات الهشة عادة إلى رفع معدلات الفائدة لأسباب عديدة من أهمها، إذا كانت هذه الدولة في حاجة ضرورية إلى الدولار من أجل توفير العملة الصعبة لسد فاتورة الاستيراد أو لسداد أقساط وفوائد ديون مستحقة الدفع، أو لاستكمال مشروعات قومية تراها الدولة ذات عوائد اقتصادية عالية في المستقبل. كما ترفع الفائدة كمحاولة للحد من التضخم من خلال جذب السيولة التي في أيدي طبقة من الناس للحد من الطلب على السلع وبالتالي يزيد المعروض وتنخفض الأسعار بما يؤدي إلى الحد من التضخم. معنى ذلك أن رفع الفائدة هو شكل من أشكال الدفاع غير المباشر عن العملة المحلية عبر جذب المدخرين وأصحاب الأموال نحو الاستثمار بالجنيه، وعدم التخلي عن حيازته بسبب ضعفه المتواصل مقابل الدولار. كذلك يستهدف البنك المركزي من رفع الفائدة محاولة الحد من ظاهرة "الدولرة" التي دفعت عددا كبيرا من أصحاب المدخرات نحو التخلص من الجنيه وشراء الذهب أو الدولار أو حتى السلع المنزلية مع إجراء 3 تعويمات للجنيه في أقل من 10 أشهر. كما يستهدف البنك المركزي حماية النظام المصرفي من خلال معالجة ظاهرة سعر الفائدة السلبي الخطيرة داخل القطاع المصرفي، وهو الفارق بين معدل التضخم الحقيقي وما تمنحه البنوك من أسعار فائدة على أموال المودعين، وهذا الفارق بدأ يتزايد بصورة مخيفة خلال الفترة الماضية ويتجاوز 15%، بمعنى أن المودعين أموالهم في البنوك لم يعودا يحققون أرباحا كما كان في الماضي؛ لأن معدلات التضخم (تآكل قيمة الجنيه) أصبحت أكبر من معدل الأرباح التي تقدمها البنوك (الربا)؛ وهو ما جعل بعض المودعين يبحثون عن أدوات استثمار أخرى تحمي مدخراتهم المتآكلة من خلال الهرولة نحو شراء الدولار (الدولرة) أو الذهب أو شراء الأجهزة الكهربائية، بينما تراجعت قيمة الأرض والعقارات مع توقف عمليات البناء ووصولها إلى أسعار جنونية تفوق قدرة الغالبية الساحقة من المواطنين. وكان آخر قرارات البنك المركزي الإثنين 30 مارس 2023م برفع أسعار الفائدة بنحو 2%، وبذلك تصبح مصر من أكثر الدول رفعا للفائدة (الربا)، لتصل إلى 23% كمتوسط عائد على الأذون المصرية. في الحالة المصرية، هل تحققت فوائد رفع الفائدة (الربا)؟ فالملاحظ أنه على الرغم من الزيادات المتواصلة في سعر الفائدة على الجنيه، إلا أن التضخم يواصل قفزاته، والعملة مستمرة في التهاوي أمام الجنيه حيث فقدت أكثر من 50% من قيمتها خلال العام الجاري. ولذا فإن السؤال المطروح هنا هو: ما جدوى الخطوات التي يقوم بها البنك المركزي سواء تعلقت بزيادة الفائدة أو السماح بالخفض المتواصل في قيمة العملة إذا كانت هذه هي النتيجة؟ رفع الفائدة حسب تصور المؤيدين لهذا الرأي يؤدي إلى جذب المزيد من الأموال الساخنة (بالدولار)، فكلما ارتفعت قيمة الفائدة زادت قيمة الأموال الساخنة، وبالتالي تحصل الدول ذات الاقتصادات الهشة على كمية من الدولارات تساعدها على فاتورة الاستيراد وسداد ما عليها من أقساط وفوائد مقومة بالدولار للحكومات الأجنبية ومؤسسات التمويل الدولية. لكن المشكلة في مصر أن معدلات الفائدة رغم ارتفاعها لا تزال أقل من معدلات التضخم (فمتوسط الفائدة حاليا يصل إلى نحو 23% ، بينما وصل معدل التضخم في فبراير الماضي إلى نحو 32.9%. ما يعني أن سعر الفائدة الحقيقي حاليًا هو قيمة سالبة؛ ولذلك لم يشهد إقبال الأجانب على الاستثمار في أدوات الدين أي تحسن في الفترة الحالية. من جهة أخرى فإن سعر الفائدة عالميًا مرتفع، ومصر أصبحت سوق عالي المخاطرة، والمستثمر يطالب بعائد عالي يمكن أن يصل إلى 30%»! من جانب آخر هناك مشكلة ضخمة تتعلق برفع معدلات الفائدة؛ فرفع سعر الفائدة ينعكس على الإقراض والاستدانة، بما فيها طلبات الحكومة للاقتراض من البنوك لتمويل العجز بين مصروفاتها وإيراداتها؛ هذا الارتفاع بدوره يؤدي إلى زيادة العجز الذي تهدف الحكومة لسده عن طريق الاقتراض. و«تقديرات الحكومة في موازنة العام المالي الجاري (2022/2023) أشارت إلى متوسط سعر فائدة حوالي 14.5%، بينما استمرت الفائدة في الارتفاع على مختلف الآجال وعلى الأذون والسندات». وبحسب تصريحات سابقة لوزير المالية، محمد معيط،( في 7 ديسمبر2022)، فإن كل زيادة 1% في سعر الفائدة تُكبد الموازنة العامة للدولة بين 30 إلى 32 مليار جنيه عبء دين، بما يؤدي إلى زيادة تكلفة الفائدة في الموازنة العامة الدولة، وبالتالي يؤثر على الدين وعجز الموازنة. فإذا كانت زيادة (1%) تكبد الدولة بين 30 إلى 32 مليار جنيه عبئا على الديون؛ معنى ذلك أن رفع (2%) يعني أعباء إضافية على الديون تصل إلى 65 مليار جنيه، فإذا علمنا أن قيمة الفائدة زادت خلال سنة 2022 نحو 8%؛ فمعنى ذلك أن خدمة الديون تتحمل حاليا أعباء تصل إلى نحو 600 مليار جنيه سنويا! من جهة ثالثة فإن أحد أهم مشاكل رفع الفائدة هو عدم استدامة الاستثمارات في أدوات الدين المصرية، فالأموال الساخنة ليست استثمارات بالمعنى الحقيقي بل هي مقامرة وأصحابها كالذباب ينتقلون بسرعة وبشكل فجائي من سوق لآخر حسب قيمة الأرباح المتحققة والمكاسب الهائلة التي يحققونها بسبب ارتفاع نسبة الربا الذي يطلقون عليها تخفيفا لفظ (الفائدة)؛ والربا محرم في الإسلام بشكل قاطع { أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. بل إن الله حذر المرابين بأنه سيشن عليهم حربا شاملة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}. وحتى لو اضطرت حكومة إلى رفع الفائدة في ظرف استثنائي فيجب أن تكون هناك حلول دائمة، وهناك تصورات لكيفية السداد وتوقيته، أما الاقتراض دون إدراك بكيفية السداد فهو إغراق للدولة في بئر الديون بما يسمح للديانة بفرض وصايتهم على البلاد ووضع ايديهم على أصولها وثرواتها وهذا عين الفشل والخيانة والعداء لله ورسوله!