يبدو أن مصر تحاول البقاء في الوسط فيما يتعلق بالهجوم العسكري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ومع دخول هذا الحرب شهرها الرابع، هناك الكثير من التناقضات في الموقف الرسمي لدرجة أن القاهرة قد تفقد الكثير من تأثيرها على القضية الفلسطينية، بحسب تقرير تشره موقع "ميدل إيست مونيتور". وبحسب التقرير، على الرغم من الارتفاع القياسي في عدد الضحايا الفلسطينيين أكثر من 23,000 شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، و 60,000 جريح، يبدو أن القاهرة تختبئ وراء البيانات الرسمية التي تدين العدوان الإسرائيلي، ومع تزايد التدخل القطري والتركي، وبروز دعم قوي من جنوب أفريقيا ودول أمريكا اللاتينية لغزة، يحيط بالموقف المصري الكثير من الشكوك والتساؤلات حول سبب إحكام القاهرة قبضتها على الفلسطينيين، وتقييد حملات الدعم والمساعدات لقطاع غزة، ومحاولة محاصرة فصائل المقاومة وتقليص خياراتها. هذا هو المعبر الوحيد الخاضع لسيطرة دولة عربية على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي لا يخضع لسيطرة إسرائيل على الأقل من الناحية النظرية. وقال التقرير: إنه "وفقا لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية، تتراكم مئات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية في العريش، في شمال سيناء بالقرب من معبر رفح الحدودي، وسط مطالبات لسلطات الانقلاب بفتح المعبر البري بشكل دائم لمنع تفاقم الكارثة الإنسانية، وتلقي القاهرة باللوم على عناد دولة الاحتلال فيما يتعلق بدخول قوافل المساعدات، ويقول المسؤولون المصريون إنهم لا يستطيعون ضمان سلامة المسؤولين عن المساعدات، وقد أثر هذا الارتداد الإسرائيلي على الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان والإغاثة ووفود التضامن الدولية والشخصيات العامة". واعتقل رجال الأمن المصريون أربعة نشطاء أجانب، من بينهم المرشح السابق للكونغرس الأمريكي جون باركر، بعد أن نظموا وقفة احتجاجية أمام وزارة الخارجية للحصول على التصاريح اللازمة لقافلة ضمير العالم للحشد إلى رفح، وهو ما دعت إليه نقابة الصحفيين المصريين، وعرقلت سلطات الانقلاب القافلة التي كان من المقرر أن تغادر إلى معبر رفح في 24 نوفمبر، وسط تسريبات تفيد بتعرض المسؤولين عنها لضغوط أمنية، ما تسبب في تأجيل مغادرة القافلة إلى أجل غير مسمى. وعلى الرغم من الدعم المعلن رسميا لأهالي غزة، إلا أن المرضى الفلسطينيين يشكون من بطء عملية الحصول على العلاج في الخارج، والتي تنطوي على الحصول على موافقة من المصريين لعبور الحدود وتأمين سيارات الإسعاف لنقل المرضى إلى المستشفيات، وتبث القنوات التلفزيونية المصرية يوميا صورا لطابور من سيارات الإسعاف أمام معبر رفح، كما أن هناك حملة دعائية قوية تتحدث عن دور عبد الفتاح السيسي في دعم القضية الفلسطينية، وتقول إن مصر تتصدر قائمة الجهات المانحة للمساعدات الدولية المقدمة لفلسطين. في غضون ذلك، تشكو وزارة الصحة في غزة من عدم كفاية آلية نقل الجرحى إلى الخارج، والتي تشمل إرسال قائمة بالأسماء وانتظار موافقة المصريين، وحتى الآن، لم يغادر غزة سوى 413 شخصا عبر معبر رفح لتلقي العلاج، وهو ما يمثل أقل من واحد في المائة من العدد الإجمالي للجرحى منذ بداية الإبادة الجماعية الإسرائيلية. تنشر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وشهادات توثق ما يتعرض له الفلسطينيون العالقون في معبر رفح، ويقول الفلسطينيون إن عليهم أن يدفعوا ما بين ألفين وسبعة آلاف دولار أمريكي للشخص الواحد للعبور إلى مصر، وأشارت شبكة بي بي سي العربية الإخبارية إلى ذلك على موقعها الإلكتروني تحت عنوان آلاف الدولارات رشاوى للخروج من معبر رفح، وبحسب وزارة الخارجية المصرية، فقد وفرت آلية إلكترونية لتسجيل المواطنين المصريين الراغبين في العودة من غزة، وأن أي طريقة أخرى يتم الحديث عنها تقع ضمن الاحتيال والخداع. ووفقا للمفوضية المصرية المستقلة للحقوق والحريات، فإن أسوأ ما في الأمر هو اعتقال عشرات المتظاهرين المصريين، وتجديد حبسهم، بعد مظاهراتهم تضامنا مع الفلسطينيين، كما اشتكى القائمون على المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية من صعوبات تلقي التبرعات لدعم الشعب الفلسطيني أو جمع المساعدات الطبية والصيدلانية لإرسالها إلى غزة. وقال مسؤول إغاثة مصري، تحدث لكاتب التقرير، شريطة عدم الكشف عن هويته: إنهم "تلقوا تعليمات من رجال الأمن بعدم الإعلان عن إغاثة غزة، أو إطلاق حملات إنسانية لدعم الفلسطينيين، وتواجه التبرعات الخيرية عموما قيودا قانونية قاسية في مصر، وتتطلب موافقات رسمية وأمنية، ولكن مع بدء الهجوم الإسرائيلي، بادرت الجهات التابعة للسلطات، مثل صندوق تحيا مصر، إلى فتح حسابات بنكية للتبرعات". كما حافظ النظام المصري على تعتيم إعلامي على الأحداث في غزة، ولم تغير خريطة البرامج أو الأخبار على قنواتها الرسمية والخاصة، علاوة على ذلك، يبدي السيسي شخصيا اهتماما أكبر باستعدادات المنتخب المصري لكرة القدم لكأس الأمم الأفريقية 2024 وكانت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الشهر الماضي، ألغت ندوة لمناقشة التداعيات السياسية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، دون إبداء أي أسباب. وتتهم منظمة مراسلون بلا حدود التي تتخذ من باريس مقرا لها مصر بالتواطؤ في حصار غزة، دون نية لفتح معبر رفح الحدودي أمام الصحفيين، وأشارت المنظمة إلى أنه طلب من العديد من الصحفيين الذين يعيشون في القاهرة طلب موافقة الاحتلال لدخول غزة عبر معبر رفح الحدودي، الذي من المفترض أن يكون تحت سيطرة حكومة السيسي، علاوة على ذلك، حصلت المجموعة على تسجيل صوتي لوزير الخارجية بحكومة السيسي سامح شكري يقول فيه إن "أي إجراء أحادي الجانب من جانب مصر فيما يتعلق بالسماح للصحفيين بدخول غزة قد تعتبره إسرائيل غير مناسب، قد يكون لها عواقب سلبية على الترتيبات الأخرى بين مصر وإسرائيل". لكن بالإضافة إلى الحصار الإعلامي المستمر، يبدو أن هناك ضوءا أخضر لإعلاميين مقربين من النظام المصري، وأبرزهم إبراهيم عيسى، لمهاجمة حماس واتهامها بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين وبالمسؤولية عن تدمير غزة. وقد أوضح الباحث السياسي محمد عنان ذلك بالقول: إن "مصر تخشى أن يؤدي أي تضامن مع غزة إلى خلق مزاج شعبي نشط يمكن أن يتوسع في جميع أنحاء البلاد". وتخشى السلطات من أن تتجاوز مثل هذه الأنشطة الخطوط الحمراء وتصبح نواة لبناء موجة من الاحتجاجات الشعبية التي تستهدف النظام نفسه، وهو كابوس للسلطات مع كل تجمع جماهيري، سواء كان سياسيا أو رياضيا. ووفقا لعنان، فإن هذا الاتجاه يعزز الرغبة في تجنب الصدام مع دولة الاحتلال، حليفة مصر، والولايات المتحدة، داعمة مصر، والرغبة في التماهي مع الرؤية السعودية الإماراتية التي تستهدف حماس على وجه التحديد، على أمل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، بما في ذلك حزم القروض والمساعدات، لدى النظام المصري موقف محدد مسبقا من المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس بعلاقتها الوثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي الذي قاده السيسي في منتصف عام 2013. وأضاف دبلوماسي مصري سابق، طلب أيضا عدم الكشف عن هويته، بالقول: إن "رغبة القاهرة في لعب دور الوسيط بين تل أبيب والمقاومة الفلسطينية فيما يتعلق بقضية تبادل الأسرى، تفرض عليها التزاما بالحياد، ومع ذلك، لا يمكن لحسابات النظام المصري أن تتجاهل الجذور الإخوانية لحماس من جهة، والمخاوف من التورط في القضايا الخارجية، حتى لو كانت شؤون حدودية ذات طابع أمني، من جهة أخرى، وقد أدى ذلك إلى تقليص الدور المصري، وتضييق الخناق على الفلسطينيين، وعدم التحرك بشكل فعال لوقف الحرب على غزة، أو حتى فتح معبر رفح بشكل دائم أمام تدفق المساعدات الإنسانية".