ما بين حدود مغلقة وأنفاق مدمرة وإغراق حدودي بالمياه وقطيعة ديبلوماسية للمقاومة، يرسم الانقلاب العسكري في مصر سياسته الظالمة تجاه قطاع غزة المحاصر في حين يسارع إلى مد يد الخيانة والتواطؤ إلى العدو الصهيوني الغاصب بسياسات معلنة وخفية جسدتها بزيارة سامح شكري وزير خارجية الإنقلاب إلى كيان الاحتلال، ليصبح أحرار غزة عالقين رغمًا عنهم تحت أنقاض الانقلاب في مصر. فحصار قطاع غزة الذي جاوز سنواته العشر، لم يجد من الجارة المصرية متنفسًا إلا في شهور قليلة إبان حكم الرئيس المنتخب د. محمد مرسي، ثم أعاده الانقلاب العسكري إلى سياسة الخنق والحدود المغلقة، كما أوصد نظام الانقلاب في القاهرة أبوابه أمام ممثلي الحركات الفلسطينية التي جاءت للتحاور في القاهرة، فضلاً عن مشروع إغراق الحدود مع غزة بالمياه وتدمير الأنفاق التي يتم نقل الغذاء من خلالها.
يقول الكاتب حلمي الأسمر: "لسنوات خلون، كانت الأنفاق هي المتنفس الوحيد تقريبًا التي تؤمن الحاجات الأساسية لقطاع غزة، كلما أحكمت "إسرائيل" حصارها، واليوم، بعد هدم الأنفاق، وإبقاء معبر رفح في حالة إغلاق شبه كامل، فضلاً عن إغلاق المعابر مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإخضاعها للمزاج الصهيوني، ماذا يعني هذا، إلا أن يكون عملية قتل ممنهجة، وخنق لما يقارب مليونيْ إنسان، كل ذنبهم أن من يحكمهم ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين؟".
مخطط إنهاك حماس
ويضيف: "كي نفهم حقيقة ما يجري نعود إلى ما صرح به مسؤول فلسطيني في الخارج وقيادي بارز في منظمة التحرير معروف بخلافه مع عباس أن اتصالاً جرى بين محمود عباس والجنرال السيسي لتنسيق الحراك المشترك بينهما لتقويض قدرة حركة حماس في غزة، وقال بهذا الشأن "أن عباس طلب من السيسي قطع العلاقات المصرية مع حكومة غزة، وتسريع وتيرة هدم الأنفاق الحدودية وبالأخص وقف دخول المحروقات للقطاع. بالإضافة إلى تشديد الإجراءات على معبر رفح البري؛ مؤكداً أن طلبات عباس لاقت ترحيباً من السيسي الذي أكد أنه سيعمل على إنهاك حركة حماس في قطاع غزة وصولاً إلى قبولها بأية إملاءات تطرحها رئاسة السلطة الفلسطينية للمصالحة وبشروطها (بما في ذلك إعادة معبر رفح لسلطة رام الله والاحتلال!)".
وتهدف خطة عباس والسيسي إلى إحداث حالة من الاستياء لدى المواطنين في قطاع غزة من تشديد الحصار وإغلاق المعبر للضغط على حماس والقبول بالمصالحة وفق رؤية عباس التي تقوم على الاعتراف بالاتفاقيات الأمنية والاقتصادية الموقعة مع الجانب الإسرائيلي وهو ما ترفضه حماس بشكل مطلق.
إسرائيل والانقلاب
ويعيدنا هذا التحليل إلى ما نشره المحلل العسكري الإسرائيلي روني دانئيل في الصحافة العبرية حينما قال إن السيسي أبلغ "إسرائيل" بالانقلاب العسكري على مرسي قبل ثلاثة أيام من وقوعه، مطالبًا الاحتلال بمراقبة حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة.
ويؤكد دانئيل أن الانقلاب العسكري في مصر كان مطلباً ملحاً لأمن "إسرائيل"، قائلاً "السيسي كان خائفًا من حركة حماس، إلا أن إسرائيل طمأنته أن غزة تحت المراقبة، وطالبته بضرورة هدم الأنفاق" وهذا ما تم تنفيذه.
جريمة جنائية
إلى ذلك قال الباحث بمؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان أحمد مفرح، إن النظام المصري "يرتكب جريمة جنائية بإغلاقه معبر رفح في وجه المصابين ومنعه دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع."
وأكد الباحث الحقوقي أن إغلاق المعبر "يوقع أضرارًا إنسانية كارثية على سكان القطاع المحاصرين منذ عدة سنوات".
وأوضح أن إغلاق معبر رفح، الذي يعتبر منفذًا وحيدًا لأهالي القطاع "يعد انتهاكًا صارخًا لحقهم في السفر وحرية التنقل بالمخالفة للقانون الدولي، الذي يجرم إغلاق الحدود في وجه الشعوب المنكوبة، وهو ما يوجب محاكمة المسؤولين دوليًا."
واختتم الباحث الحقوقي بقوله إن اتفاقية "جنيف الرابعة" التي وقعت عليها مصر، تنص على أن مصر "ليست طرفًا في المعبر، ولا يحق لها إغلاقه أو فتحه" محملا الحكومات المصرية المتلاحقة "مسؤولية قتل مئات الفلسطينيين".