بعد أن نالته الموقعة الرابعة القريبة باغتيال قصف الصهاينة من نجله الأكبر حمزة الدحدوح تختبر صموده وصبره، يخرج الصحفي وائل الدحدوح (في قيامة أشبه بقيامة أرطغرل) ليكمل رافعا لواء الكلمة التي هي أقوى من الرصاص، بعد 93 يوما من الصمود أمام المجازر التي يرتكبها الاحتلال ومن الخزي لحكام العرب والمسلمين، ومن التواطؤ والفجور؛ لأنظمة الغرب والشرق. وحمزة الدحدوح الذي اسشتهد في 7 يناير الجاري، صحفي ومصور فلسطيني، عمل في الميدان منذ بداية العدوان، وفقد عائلته وعلى رأسها والدته، دون أن يراها ويودعها خلال العدوان، فهو ابن الصحفي الشهير مراسل الجزيرة، وبقي صابرا محتسبا، وقف إلى جانب والده وعمل معه وسانده ولم يترك التغطية أبدا. https://twitter.com/i/status/1743939127664345402 وقبل يومين من اغتياله، كتب حمزة الدحدوح يرسل رسالته الأخيرة لوالده، عبر @hamzadah1996، فيقول "إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء ولا تقنط من رحمة الله، وكن على يقين أن الله سيجزيك خيرا لما صبرت غزة #وائل_الدحدوح #معلش ". https://twitter.com/hamzadah1996/status/1743550351230280121 الصحفي الغزاوي إبراهيم المدهون @ibmadhun قال: "الأخ الحبيب وائل الدحدوح، أعظم الله أجرك إنا لله وإنا إليه راجعون، ما في أصعب ولا أقسى مما تعرضت له، استشهاد حمزة فطر قلوبنا وكسر أرواحنا فما بالك أنت؟". وأضاف، "والله لا يوجد أي كلمة مواساة ممكن تفي أمام هذا الفقد والوجع، الصمت والقهر أمام عظيم ما تعرض قلبك له، فكن جبلا فأنت الآن رمزا.". وعن مماثلة المأساة لمآسي الفلسطينيين في غزة، أشار المدهون إلى أن ما تعرض له الزميل وائل من فقد زوجته وابنيه، تعرضت له مئات آلاف العوائل في غزة، هذا ثمن باهظ يقدمه شعبنا بإباء وصبر وإرادة لإكمال طريق الحرية". وعبر @ibmadhun تابع: "العدو الإسرائيلي تجبر، وهذه بداية نهايته إن شاء الله، فالظلم حين يصل منتهاه يأفل ويزول، وأفول دولة إسرائيل اقترب جدا، ليس بقوتنا وإنما بظلمها وجبروتها، ما يفعله الاحتلال اليوم في غزة يعجل من نهايته للأبد". معتبرا أن استهداف الصحفي حمزة الدحدوح وقتله بقصد حرق قلب أبيه، وللانتقام من أداء وائل المهني وأثره الإعلامي الإنساني والذي بات عنوانا لشعبنا وقضيتنا وإعلامها، واستهدفوه قبل ذلك وأصيب ونجى بفضل الله، واستشهد الصحفي سامر أبو دقة. ولفت إلى أنه اليوم يقتل حمزة بدم بارد لحرق قلب أبيه وينتقم من وائل الدحوح بشكل وحشي طاغي، وهذا العمل يشبه لحد بعيد سلوك الدول النازية المتجبرة التي لا تدوم طويلا، رحم الله حمزة وصبر الله قلب وائل، وهذا يحتاج من المؤسسات الصحفية والدولية تحمل كامل مسؤوليتها بعد استهداف الصحفيين بهذه الطريقة.". https://twitter.com/ibmadhun/status/1743984584851628541 وقال مراقبون: إن "الدحدوح لا يملك إلا الكلمة التي ينقل بها الحقيقة وسط الحطام والحرب والدمار، وهو يتحامل على جروحه كي يعرف العالم حجم انتهاكات الاحتلال، واستشهدت أسرته وزميله في العمل، لكنه قرر الرد بطريقته بأنه مستمر في عمله، وأن جرائم الاحتلال لن تخيف الصحافة ولن تسكت صوتها القوي. ومن هؤلاء المراقبين مجلة (كناك) البلجيكية، التي اختارته شخصية عام 2023، وخصصت من عددها السنوي 6 صفحات، روت خلالها جانبا من حياته. ورشحه مجلس أمناء جوائز الصحافة المصرية، للحصول على جائزة حرية الصحافة، التي تقدمها نقابة الصحفيين المصريين لعام 2023. وعقب اغتيال أسرته، لم يستطع الدحدوح أن ينطق إلا بكلمات قليلة، أبرزها "معلش" التي تحولت إلى عنوان أغنية حققت انتشارا واسعا، بعد أن أطلقتها إذاعة "حُسنى"، من العاصمة الأردنية عمان. صحيفة (لوموند) الفرنسية، أكدت أن وجه وائل الدحدوح أصبح مألوفا لدى المشاهدين، بسبب إطلالاته المتكررة على قناة الجزيرة. وقالت الصحيفة: إن "الجمهور العربي لن ينسى سريعا صورة الدحدوح بسترة الصحافة، وهو يميل على جثمان نجله الملفوف بالكفن، أو خلال ضمه ابنته ذات الستة أعوام". وأضافت أن استشهاد أفراد من أسرة الدحدوح، تسبب بموجة تعاطف معه على مواقع التواصل، ما يذكر بمشاعر الغضب التي أثارها اغتيال الاحتلال لمراسلة الجزيرة في الضفة الغربية شيرين أبو عاقلة في مايو 2022. وإضافة لفقده بعض أفراد أسرته في عدوان 2023، فعلى مدار حياته، قدم الدحدوح نحو 20 شهيدا من عائلته، بينهم إخوة وأبناء عمومة، قضى معظمهم بحروب واغتيالات نفذها الاحتلال. شهادة عودة جديدة الدحدوح وحادث استشهاد المصور سامر أبو دقة، شهادة عرضتها قناة الجزيرة، حيث رافقا سيارة إسعاف وقاموا بتصوير حالة الدمار الكبيرة التي خلفها قصف العدو الصهيوني لأحد مناطق خانيونس، وتمكنوا من الوصول إلى مناطق لم تصلها أي عدسة كاميرا من قبل، وحتى الطوارئ والإسعاف لم يصلوا إليها، وحاولوا من خلال التنسيق الموجود نقل مشاهد الدمار والخراب وبعد الانتهاء من التصوير رجع وائل وفريقه من المهمة الصحفية سيرا على الأقدام، لأنه ليس بمقدور السيارات الوصول إلى تلك الأماكن، بسبب الدمار الذي خلفه القصف الصهيوني. ويواصل: "في طريق العودة حصل شيء ما فجأة، فقط شعرت أن شيئا كبيرا حدث وأسقطني على الأرض، وسقطت الخوذة والمايك وحاولت أن أستجمع قواي وبالكاد تمكنت من الوقوف، وشعرت بدوار ودوخة". وائل الدحدوح قال: إنه "انتبه إلى وجود نزيف حاد في كتفه ودراعه، ورغم ذلك اضطر إلى السير شيئا فشيئا، وقطع مئات الأمتار حتى وصل إلى نهاية شارع، حيث عثر على رجال من الدفاع المدني والذين ساعدوه، ويقول إنه طلب منهم العودة لإنقاذ سامر الذي كان يصرخ، لكن المسعفين أخبروه أن عليهم المغادرة لأن الوضع صعب جدا وسيرسلون له سيارة أخرى". ومنذ نحو شهر ونصف استشهد أفراد من عائلة الصحفي ومدير مكتب الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح، بمن فيهم زوجته وابنه وابنته بقصف إسرائيلي، استهدف منزلا نزحوا إليه في مخيم النصيرات وسط القطاع. نقابة الصحفيين المصريين أكدت في بيان سابق أن فضح هذه الجرائم هو الذي سيغلق الباب أمام إفلات مرتكبي هذه الجرائم، ومئات أخرى من الجرائم، والانتهاكات الصهيونية ضد الصحفيين، والمدنيين الفلسطينيين من العقاب، وهو السبيل الذي سيغلق الباب أمام إمعان جيش الاحتلال في ارتكاب المزيد من هذه الجرائم. إصرار مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح على نقل صورة الجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال في القطاع، يبدو أنها السبب فيما يحدث له فحياته وذويه وما يتعرض له بات هو الثمن لنشر أخبار الجرائم والدمار. قيامة الدحدوح الناشط يوسف الدموكي يعلق على استهداف الاحتلال وائل الدحدوح كمن يموت ويعود ليستشهد فقال: "ما معنى أن يُقتل الإنسان نفسه أربع مرات في حرب واحدة، وهو يواصل السير على قدميه؟ أعجزتنا يا أبا حمزة، أعجزتنا وبقيت وحدك ماشيا.". وعبر @yousefaldomouky قال: "كأنني لا أرى في وائل الدحدوح إلا ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا جعفر بن أبي طالب، حمل وائل الراية بيمينه، وكانت أم حمزة هي يده اليمنى، فاستشهدت، فحمل الراية بيساره، وكان محمود هو يده اليسرى، واستشهد، فحمل الراية بين عضديه، وكانت ابنته شام مهجة قلب، وكان حفيده آدم ثمرة فؤاده فاقتلعوها، ثم كان حمزة سلسال ظهره، فاستشهد، وما زال وائل يحمل الراية، استُشهد جعفر وفي جسمه أكثر من تسعين موضعا لطعنة رمح أو ضربة سيف، لكن جعفرنا ما زال حيا، وفي جسمه تلك الضربات كلها، وما زال يرفع الراية ولو بين نحره وصدره". https://twitter.com/yousefaldomouky/status/1743976388867104906 في حي الزيتون بمدينة غزة شمالي القطاع، ولد وائل حمدان إبراهيم الدحدوح، نهاية أبريل من عام 1970، لأسرة ميسورة، تعمل بالزراعة. وفي الحي نفسه الذي اكتسب اسمه من كثافة أشجار الزيتون نشأ الدحدوح، فعمل بالزراعة منذ طفولته وحتى حصل على الثانوية العامة عام 1988. مع تخرجه من الثانوية، حاول السفر للخارج لدراسة الطب، لكن الاحتلال اعتقله في العام ذاته، لمشاركته بالانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987. خلال فترة أسره في سجون الاحتلال، التي استمرت 7 سنوات، حصل وائل الدحدوح مجددا على شهادة الثانوية العامة، وبمجرد خروجه من السجن، التحق الدحدوح بالجامعة الإسلامية في غزة، التي حصل فيها على بكالوريوس الصحافة والإعلام عام 1998. وبسبب استمرار منعه من السفر، لم يستطع تحقيق حلمه بالتعلم خارج البلاد، فدرس العلوم السياسية في جامعة القدس بالضفة الغربية، ليحصل على الماجستير فيها عام 2007. رغم ما حققه الدحدوح من نجاحات في حياته الأكاديمية والعملية، ما زال يحتفظ بقطعة أرض زراعية، يعتني بها ويحافظ على بقائها خضراء حية. عقب تخرجه، امتهن وائل الدحدوح الصحافة، فعمل مراسلا في قطاع غزة وتواصل مع صحف ومجلات، إضافة إلى إذاعات وقنوات محلية وعربية. وفي 2004، بدأ الدحدوح العمل مراسلا بمكتب الجزيرة في فلسطين، ومنذ التحاقه نقل أحداثا عدة من الأراضي المحتلة، قبل أن يصبح مديرا لمكتب القناة في غزة، وخلال إدارته لمكتب قناة الجزيرة، غطى مع فريقه الحروب التي شهدها قطاع غزة جميعها، بدءا من 2008 وحتى 2023. كما غطى عمليات اغتيال الاحتلال لشخصيات فلسطينية بارزة، على رأسهم قائدي حركة المقاومة الإسلامية حماس الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي عام 2004. وإضافة لكونه مراسل الجزيرة في غزة، أنتج الدحدوح حلقات من برامج عدة في القناة نفسها، كما أنتج فيلما عن أنفاق المقاومة بالقطاع، وآخر عن عملياتها خلف خطوط جيش الاحتلال في عدوان 2014. حصل وائل الدحدوح على جائزة التغطية المتميزة في مهرجان الإعلام الدولي الذي عقد بلندن في مايو 2013.