كلما ذكر اسم كريستيانو رونالدو أمامه يتحول وجهه للون الأحمر ولا يستطيع السيطرة على انفعالاته، يراه "بتاع كرة شراب" وليس ساحرا كما يدعون، ولكنه في الوقت نفسه يتغنى بعبقرية سيسك فابريجاس وأناقته ونضجه السابق لأوانه. وأينما التقى بصديقه ومرؤوسه مشجع مانشستر يونايتد ينطلق في التعبير كراهيته للشياطين الحمر ويبدأ في مدح مدفعجية أرسين فينجر الذين يفتقروا فقط إلى "الحظ" من وجهة نظره ولا مانع من أن يتخذ من سلطته وسيلة للتحكم في الزميل المتفاخر بآخر لقبين للدوري والنسخة الماضية من دوري أبطال أوروبا. يتكرر هذا المشهد بين اثنين من أشهر كتاب موقع FilGoal.com كثيراً، ولكنهما يمثلا نسخة سلمية صغيرة من الصراع المحتدم بين مشجعي الفريقين الذي بدأ منذ المباراة الأولى التي جمعت بين الفريقين في 13 أكتوبر 1894. وفي الوقت الذي تغيب فيه البطولات عن أرسنال لبضعة مواسم فإن نايجل وينتربرن لاعب المدفعجية السابق يؤكد أن "كل مباراة بين أرسنال ومانشستر هي مباراة هامة، بغض النظر عن موقفهما في المسابقة". ويختلف الناديان تماما في أسلوب إدارة أعمالهما كما يختلف فريقا الكرة في كل منهما من حيث شخصيته في الملعب وأهدافه وما يسعد جماهيره أو يعكر صفوها. أرسنال ومدربه الأسطوري أرسين فينجر يعتنق مذهب "الكرة الجميلة" دائما وأبدا، وجماهيره يساندونه في ذلك حتى حينما تتعالى الأصوات المنتقدة بقولهم الشهير أنهم "أمتع فريق للكرة على هذا الكوكب" .. لا يكترثون كثيرا بالنجوم أو البطولات في مقابل تدعيم أفكار "البروفيسير" ومبادئه. أما يونايتد، ومدربه الأسطوري أيضا أليكس فيرجسون، فإنهم أكثر عملية، ناد جاذب للنجوم ومن ثم البطولات، يتوق دائما للقب الأغنى والأكثر سطوة وسيطرة ولا ينافسهم في ذلك على مستوى العالم كله سوى ريال مدريد .. وحتى ذلك الأخير يعتبرونه أقل منهم في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من الاختلافات السابقة، فإن رؤية دقيقة لتاريخهما، وأزماتهما، والشخصيات التي كتبت تاريخ كل منهما تكشف تشابها كبيرا بين عملاقي الدوري الإنجليزي والكرة الأوروبية. من قلب الجماهير الناديان تأسسا على أيدي الطبقة العاملة من الجماهير، ومرا بأزمات مادية كادت أن تعصف بوجودهما فظهر مستثمر أنقذ كل منهما ثم كافحا في طريقهما للصعود إلى الدرجة الممتازة قبل أن يتولى مسؤولية كل منهما مدربان ثوريان لايزالان يضفيان لمستيهما الخاصتين على الكرة في العالم كله. فعلى ملعب صغير ومتهدم في "نورث روود" انطلق نادي "نيوتون هيث" عام 1878 على أيدي العاملين بمحطات السكك الحديدية بمنطقتي "لامبشاير" و"هامشاير" في مانشستر وظلت كرة القدم تمارس على هذا الملعب حتى اشترك النادي في الاتحاد الانجليزي لكرة القدم عام 1892 لينقل مقره بعد عام إلى موقع جديد بالقرب من مدينة "كلايتون" عام 1983 وبعد انطلاقة "نيوتون هيث" بثماني سنوات قرر العاملون بشركة "رويال أرسنال" في العاصمة لندن أقامة ناديهم الخاص والذي حمل نفس الاسم وقتها، وفي عام 1893 أصبح أحد أندية الدرجة الثانية بالدوري الإنجليزي ويبدأ رحلته في الصراع للصعود للدرجة الأولى. ولم يستغرق النادي اللندني أكثر من تسع سنوات ليصعد إلى الدرجة الأولى ليلحق به نيوتون هيث والذي أصبح بوقتها "مانشستر يونايتد" عام 1905 بعد صراع طويل للهروب من الدرجة الثانية. تمتع مانشستر بقاعدة جماهيرية كبيرة منذ ظهوره، وهو ما افتقده النادي اللندني، خاصة مع العزلة التي فرضها عليه موقع النادي الجغرافي، وهو ما أسفر عن أزمة مالية في الأرسنال كادت أن تعصف بوجوده عام 1910 وظهر رجل الأعمال الإنجليزي هنري نوريس من العدم ليخرج النادي اللندني من أزماته ليست المالية فقط وإنما الجغرافية أيضاً، ليقرر نقله إلى موقع اكثر وضوحاً، وبالفعل في 1913 انتقل الأرسنال إلى منطقة "هايبري" شمالي العاصمة الإنجليزية. وفي "نيوتون هيث" ظهرت الأزمة المالية عام 1902 بعدما تزايدت ديون النادي ووصلت إلى أكثر من 2500 جنيه إنجليزي مما أسفر عن إغلاق المنطقة التي كان يلعب فيها الفريق الأول.
مدربان ثوريان وقبل أن يتخذ مسؤولو النادي قرارهم النهائي باغلاقه ظهر المستثمر جيه إتش ديفيد المدير التنفيذي لأحد كبرى الشركات في مانشستر وقتها لينقذ النادي بعدما تلقى عرضاً باستثمار أمواله في مقابل تنصيبه رئيساً لمجلس الإدارة. ومع مجلس الإدارة الجديد قرر ديفيد تغيير اسم النادي ضمن التغييرات الجديدة التي أقرها، وظهرت اقتراحات مثل "مانشستر سنترال" و"مانشستر سيلتيك" حتى ظهر المهاجر الإيطالي الأصل لويس روكا ليقترح اسم "مانشستر يونايتد" ليوافق عليه الجميع ويصبح رسمياً اسم النادي منذ 26 إبريل 1902. سيطرة المدفعجية ومع التغييرات في نظام وشكل النادي بدأت المحاولات الجادة لصعوده لدوري الدرجة الأولى، وهو ما نجح فيه بالفعل إلا أنه عانى من التذبذب بين الحصول على اللقب والتراجع لدوري الدرجة الثانية حتى يخطف لقب بطل الدوري الانجليزي عام 1911 في الوقت نفسه الذي انتقلوا فيه إلى موقعهم الحالي في "أولد ترافورد". وفي الفترة التي بلغ فيها مانشستر أدنى مستوياته وتحديداً عام 1934 عندما احتل المركز العشرين في دوري الدرجة الثانية، كانت الثلاثينيات هي فترة النجاحات الحقيقية لأرسنال الذي سيطر تماماً على مجريات الأمور في الكرة الإنجليزية لعقد كامل بقيادة الإنجليزي هيربرت تشابمان. تولى تشابمان مسؤولية الفريق عام 1925 ليجلب معه المرحلة الناجحة الأولى في تاريخ الأرسنال في الثلاثينيات، بخخطه الثورية في التدريب والنتائج المبهرة التي حققها الفريق إلى الدرجة التي أطلق معها اسم النادي على محطة المترو القريبة من ملعبه، لتصبح المحطة الوحيدة التي تحمل اسم أحد الاندية الإنجليزية. أما في مانشستر فكانت الأمور أكثر إثارة مع ظهور مات باسبي عام 1945، ففي الوقت الذي كانت تعد فيه اختيار اللاعبين الجدد المنضمين لفريق أحد المهام الإدارية ظهر باسبي ليصر على أختيار لاعبيه بنفسه، ووضع الخطط التدريبية التي سرعان ما ظهرت نتائجها ليحل يونايتد ثانياً في الدوري لأعوام 1947 و1948 و1949 وتمكن في الأخير من خطف الكأس الإنجليزية. تمكن باسبي عام 1968 من كتابة اسم مانشستر يونايتد في صفحات التاريخ كأول ناد إنجليزي يحصل على لقب بطل أوروبا، ليقرر بعدها باسبي الاستقالة وهو في قمة نجاحه بعد أكثر من 20 عاماً مع النادي الأحمر. فينجر - فيرجسون تعثر مانشستر كثيراً ليجد خليفة لبابسي، وبين صعود وهبوط دام لأعوام ظهر أليكس فيرجسون بأداء أهله للبقاء في النادي لأكثر من 20 عاماً. حينما بدأ فيرجسون العمل مع النادي الأحمر كان يحتل المركز ال11 في الدرجة الأولى، إلا أن تأثيره القوى سرعان ما ظهر ليقود الفريق للمركز الثاني في الموسم التالي عام 1987 -88. ولكن فيرجسون عانى مع الفريق في الموسمين التاليين ما أعطى الفرصة للتقارير بالتنبؤ باقتراب رحيله، إلا أن المسؤولين أعلنوا تمسكهم به ليتمكن من إخراس المنتقدين في الموسم التالي باحرازه كأس أبطال أوروبا عام 1990-1991. واستمرت انتصارت مانشستر يونايتد مع فيرجسون حتى الموسم الأسطوري في مانشستر 1998 -1999 الذي يعتبر أحد أنجح المواسم في تاريخ الكرة الإنجليزية على الإطلاق، ليفوز فيرجسون بفريقه بالثلاثية الدوري الإنجليزي وكأس إنجلترا ودوري أبطال أوروبا ما دفع الملكة لمنحه لقب "سير" مكافأة على إنجازاته الكبيرة في مجال كرة القدم. وفي لندن ظهر الفرنسي أرسين فينجر عام 1996 ليجلب معه خططا جديدة ونظما تدريبية مختلفة وعدد من اللاعبين لتدعيم صفوف الفريق، ما مكنه من إحراز اللقب تلو الآخر حتى حصل بجدارة مع الأرسنال على لقب "الفريق الذي لا يقهر" بعدما فاز بالدوري الإنجليزي موسم 2003-2004 بدون أن يخسر مباراة واحدة طوال الموسم. وقاد فينجر أرسنال لتحقيق رقم قياسي بعدم الخسارة في الدوري الإنجليزي في 49 مباراة متتالية انتهت في مباراة مثيرة للجدل داخل الملعب وخارجه أمام مانشستر يونايتد بالهزيمة 2-صفر. وفيما يفشل أرسنال في الفوز بأي بطولة منذ هذا التاريخ، فإن يونايتد يبدو في حال أفضل كثيرا إذ توج بطلا للدوري الإنجليزي في الموسمين الماضيين وكرر إنجاز الفوز بدوري أبطال أوروبا في 2008.