عام 1928 وقف الشاب السكندري إبراهيم مصطفى في أوليمبياد أمستردام متسلماً ميداليته الذهبية الأوليمبية بعدما حصد المركز الأول في المصارعة الرومانية، الإنجاز الذي لم يتكرر إلا بعد 76 عاما على أيدي مواطنه وابن ناديه الأوليمبي كرم جابر. وإن كان الشاب السكندري الجامح احتاج ل20 دورة أوليمبية ليكرر انجاز المصارعة الرومانية في الأوليمبياد، فانه وعد بأن الميدالية القادمة لن تغيب طويلاً. وقال جابر بعد تأهله لأوليمبياد بكين "أعدكم بميدالية ثانية في بكين .. فأنا لن أتنازل عن الذهب". إصرار وعزيمة المصارع المصري دعمتهما ثقة عاطف الميهي نائب رئيس اتحاد المصارعة المصري الذي أكد أن جابر "قادر على تكرار إنجاز أثينا". ولا ينكر من تابع جابر في الأوليمبياد الأخيرة أن فوزه بالميدالية الذهبية ولقب أفضل مصارع في العالم لم يأت صدفة، وإنما أثبت بنتائجه الكبيرة في قبل النهائي والنهائي على أنه بالفعل هو "الأفضل". ولم يواجه جابر أي صعوبة في مباراتي نصف النهائي والنهائي لألعاب أثينا 2004 بصعوبة، بل أنهاهما الحكم لعدم التكافؤ بينه وبين منافسيه التركي محمد أوزال والجورجي راماز نوزادزي على الترتيب. واعترف جابر أن حصد الميدالية لم يأت بسهولة: "لتكون بطلاً يجب أن تضحي بطفولتك وحياتك الاجتماعية، المصارعة هي حياتي الحقيقية، فالميدالية لم تأت صدفة". نجاح كرم جابر في سحق منافسيه والفوز بذهبية أثينا وضعه في مصاف الأبطال، وعلى اللوحات الدعائية في شوارع القاهرة والتي مازال بعضها موجوداً حتى الآن تكريماً له، رغم مرور أربع سنوات على فوزه باللقب، كما وضعه أمام أعين جماهير المصرية والتي إن كانت شغوفة بالرياضة فانها احتاجت ميدالية أوليمبية لترفعه على الأعناق. تاريخ من الإنجازات ولكن، بالعودة لتاريخ جابر قبل نجاحه في حصد ذهبية أثينا نجد أنه قدم ما يضعه بجوار أفضل الرياضيين في التاريخ المصري. فلم يحتج جابر منذ أن ألحقه الخبير الأرميني يحيى كازاران بالمنتخب المصري عام 1995 أكثر من عامين ليبدأ في حصد الميداليات العالمية الواحدة تلو الأخرى. فمع بداية عام 1997 حصد جابر برونزية دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في إيطاليا عام 1997 والميدالية نفسها في بطولة العالم للشباب بفنلندا، ثم ظهر في 1998حاصداً ذهبية بطولة إفريقيا في القاهرة، وبرونزية بطولة العالم للشباب، ثم انتزع ذهبية دورة الألعاب الإفريقية في جوهانسبرج لوزن 97 كيلوجرام عام 1999، بالإضافة لعشرات الميداليات من البطولات الدولية المختلفة. وبدأ جابر الألفية الجديدة باقتناص ذهبية بطولة إفريقيا في تونس، وأعقبها بذهبية بطولة العالم للقارات وكأس أفضل مصارع في العالم لعام 2002 وذهبية دورة ألعاب البحر المتوسط في تونس، وذهبية بطولة إفريقيا في القاهرة، وذهبية كأس العالم للقارات وكأس أحسن مصارع في البطولة للعام الثاني على التوالي. وقدم جابر أداء مؤثرا في بطولة العالم لعام 2002، منتزعاً ذهبية البطولة لوزن 96 كيلوجرام، وكأس أحسن مصارع في العالم.
ولكن المصارع السكندري – 28 عاماً - لم ينجح في الحفاظ على مركزه في بطولة العالم التالية التي أقيمت في فرنسا حاصداً فضية كأس العالم 2003، ولكنه عوضها بذهبيتي دورة الألعاب الإفريقية في نيجيريا التي أهلته لأوليمبياد أثينا. ورغم انجازاته التي توجها بذهبية الأوليمبياد لم يكد جابر يعود إلى القاهرة وبدأت المشاكل في حصاره. حقبة من الأزمات واشتكى جابر من عدم اهتمام اتحاد المصارعة المصري به، ومن المكافآت الضئيلة التي يحصل عليها نسبة بما يتقاضاه لاعبو كرة القدم دون انجازات تذكر. وبمرور الوقت اختفت أخبار انجازات اللاعب الرياضية، وحلت محلها التقارير التي أرجعت سفره إلى الولاياتالمتحدة إلى موافقته على العرض الأمريكي السخي بالحصول على الجنسية وتمثيل القوى العظمى في أوليمبياد بكين وهو ما نفاه جابر بشدة. يقول جابر: "لا أهتم كثيراً بالمال، الانجاز هو ما أهتم به أكثر، فهو أغلي عندي من الملايين التي يمكنني جمعها، بالفعل من العظيم أن تكون مليونيرا، ولكن ليس هذا هو سبب قيامي بكل هذا". آمن جابر بأهمية حصول بلاده على موقع متميز على الخريطة الرياضية العالمية موكداً "نحن نستحق أن يكون لنا مكاناً وسط القادة، نحن أقدم حضارات العالم، ويجب أن نعمل جاهدين لنحافظ على هذه المكانة، يجب أن يظل اسم مصر وسط الفائزين والقادة في كافة المجالات". وأوضح المصارع المصري: "فى مصر الاعتقاد السائد أن اللاعب المحترف هو الذى يحصل على أموال كثيرة حتى لو لم يفعل بها شيئا، أما الاحتراف الحقيقى الذى أعرفه فهو للاعب الذى يسعى لتحقيق بطولة". وتابع في حديث مع الأهرام ويكلي "هذا هو المحترف الحقيقي لأنك ستجده يتعامل بلغة المحترفين فى كل شئ فى أكله، نومه، أسلوب تدريبه، أما نحن فنتحدث عن الاحتراف ولا نطبق منه شيئا سوى الحصول على المال". ولكن العرض الأمريكي لم يكن فقط ما وضع جابر على صفحات الجرائد، بل تبعه حادث السيارة الذي تعرض له، وخلافه الدائم مع اتحاد المصارعة ما دفعه للتهديد بالاعتزال في 2006، ثم تورطه في قضية اعتداء بالضرب على سائق أجرة في 2007. وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة للبطل الأوليمبي لتمثيل بلاده في المصارعة، خاصة بعد تصريحاته خلال تكريمه في تركيا أنه سيعتزل المصارعة بعد أن يفوز بالميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأوليمبية القادمة بكين 2008، وسيتجه لممارسة لعبة "كي وان" التي تتبع ألعاب "قتال الشوارع". ويعي جابر حجم المسؤولية الملقاه على عاتقه، وهي الخبرة التي جناها من البطولة السابقة. وشدد جابر عقب انتزاعه ذهبية أثينا على أن "تحقيق الميدالية الذهبية ليس مستحيلاً، وليس بالصعوبة التي يظنها البعض، ولكنه ليس سهلاً ايضاً، فهو يتطلب عملاً وتفان وتضحية، ومجهوداً كبير". شاهد المباراة النهائية كاملة في دورة الألعاب الأوليمبية أثينا 2004