فى اجتماعات شابها الاستقطاب الحاد وكلمات إثبات القوة والحضور، وخطابات حملت لهجة التهديد الممزوج بادعاءات السلام والخوف على البشرية، جاء خطاب الرئيس السيسى فى الأممالمتحدة، مساء الاثنين الماضى، مكتوباً على ميزان من الحكمة المستندة إلى الكبرياء المؤسس على مفهوم «من يمثل الرئيس فى تلك الاجتماعات؟»، نعم كان يتحدث بلسان المصريين المخلصين بفهم وعمق، مدركاً تاريخاً سنظل نفخر بانتمائنا له حتى لو تطاول علينا رعاء الشاة، فى إشارة نبوية لاقتراب الساعة. جاء الخطاب يا سادة محدداً برسائل حاسمة قبل أن يحدده وقت إلقائه فأصاب الأهداف فى إيصال الرسائل التى أراد التعبير عنها. فالحديث عن الإرهاب كان واضحاً حاسماً عبرت عنه كلمة «لا تهاون» فى إشارة لمن يظنون قدرتهم على التلاعب بالداخل المصرى ومن يمولهم من الخارج سواء كانوا منظمات أو تنظيمات أو دولاً. جاء الكلام ليؤكد أن مصر فى طليعة الدول العربية والإسلامية المقاومة للإرهاب الذى صدر لنا التكفيريين باسم الإسلام، وهو ما رفضه خطاب الرئيس معلناً أنه لا يُعقل أن يدفع مليار ونصف المليار مسلم ثمن إرهاب أنشأته دول لمصالح لا علاقة لها بالدين أو الإنسانية، فيدفعون ثمن صراعات الجهل والاتجار بالدين، أو يوصمون بالإرهاب جميعهم. ثم جاءت الرسالة الثانية حينما تحدث الرئيس عن القضية الفلسطينية كأحد أهم عوامل عدم استقرار الشرق الأوسط منذ سنوات طالت على المنطقة التى تدفع ثمن ذلك فى كل لحظة تمر علينا. وهنا جاءت الرسالة التى أراها الأقوى فى خطاب الرئيس وحملت معنى حاسماً بوضع إسرائيل والغرب جميعاً أمام حقيقتهم المخادعة، حينما قال الرئيس السيسى إنه لا يرى غضاضة أو موانع فى توسيع دائرة السلام مع إسرائيل لتشمل دولاً عربية غير مصر والأردن والسلطة الفلسطينية فى رام الله. ولذا سارع مكتب ديوان نتنياهو بإصدار بيان عاجل رحب فيه بالمبادرة التى أدرك فحواها بأنها تضع الكرة فى ملعبهم. فأى سلام ستقبله إسرائيل تضطر فيه لتقديم تنازلات للدول العربية؟ سلام مع سوريا التى تنتهك حرمتها وأرضها منذ 2011 لتفتيتها إلى حد إعلان ضرب الجيش السورى على حدود الجولان منذ يومين؟ أم مع لبنان التى لا تزال تحتل أجزاءً حدودية منها؟ أم مع الفلسطينيين الذين تنتهك فرص الحياة على أرضهم ومقدسات الله بينهم دون أن ترحم حتى الرضّع منهم؟ أم مع العراق الذى تسيطر على تجارة النفط فيه منذ سقوط بغداده؟ ليس هذا فقط ما حملته تلك الرسالة فى رأيى المتواضع ولكنها كانت موجهة أيضاً لدول عربية تعلن اللاءات كلها عندما تأتى سيرة إسرائيل فى الإعلام والاجتماعات والبيانات، بينما هى خادمة فى الكنيست الإسرائيلى فى الخفاء إلى حد بناء المستوطنات لليهود ليستولوا على المزيد من الأرض التى لا حق لهم فيها! ثم كانت النقطة المهمة فى خطاب الرئيس حينما تحدث عن مبادرة الأمل والعمل التى تمنى لو تبنتها دول العالم لحماية شباب العالم من مخاطر الإرهاب والبطالة والفقر. وأتوقف لأذكّر نفسى وإياكم بمقال كتبته منذ عام مضى حمل عنوان «إغلاق الجامعات لحين فتح العقول» كنت أطالب فيه بإغلاق الجامعات فى وجه الدراسة لمدة عام فقط، وفتحها للطلبة كمعسكرات ونوادٍ يتعلمون فيها الاستراتيجيات والفنون والآداب والمهارات ويشاهدون فيها السينما والمسرح ويناقشون فيها كل من يريدون فى السياسة والاقتصاد والمجتمع، مع الاستماع لهم والأخذ منهم وعدم إهمال ما يقولون. ولذا فتأييدى لتلك المبادرة التى حملت معانى المشاركة المجتمعية الحقيقية لا حدود له. فبدلاً من إهدار ميزانية التعليم العالى على جيل لا يتمتع بمواصفات احتياجات السوق، فلننفقها على إنقاذ جيل كامل من الضياع. ولذا تحياتى للخطاب ومن صاغه ومن قرأه على الملأ بعزة. حمى الله بلادى.