ما بين صرخات الأمهات وآهات فقدان الأحباب ومحاولات الاقتحام المستمرة، ظل العمل مستمراً على قدم وساق، فأحداث «محمد محمود» ستظل علامة فارقة فى مشوار «مشرحة زينهم» مع «جثامين الشهداء»، فالمشرحة التى استقبلت 46 جثة طوال 7 أيام من الاشتباكات تكدست بداخلها. «جنود الواجب» كما لقبوا أنفسهم، تسابقوا بين بعضهم البعض حول أولوية من يحصل على «بركة تغسيل جثمان الشهيد». «الوطن» اخترقت جدران مشرحة زينهم لتنقل «روايات» أهلها حول أيام «الحزن والصبر» بعد عام من موقعة «شارع الحرية». ربما يفتخر «الشيخ سعيد»، أقدم مغسل بالمشرحة، لعمله المستمر بها لمدة تقترب من 18 عاماً، بأنه عاصر أيام «الثورة» داخل المشرحة، لأنها مكنته من «التبرك بغسيل شهدائها»، متذكراً ضحايا «محمد محمود» قائلاً: «كلهم كانوا ولاد ناس.. شهداء بجد»، موضحاً أن جميع الجثامين التى قام بتغسيلها منذ اندلاع الثورة وحتى أحداث محمد محمود كلها كانت بعيدة عن أحاديث «الإعلام والحكومة» بأنهم مجموعة «بلطجية وخارجين على القانون»، فأجسادهم كانت خالية من أى علامات تدل على وجود أى سوابق جنائية لهم، قائلاً: «وجوههم كان مرسوما عليها الهدوء والسعادة»، متحدثاً عن جثمان الشهيد المبتسم الذى ظل لمدة 3 أشهر «مجهول الهوية» وأنه بكى بعدما انتهى من «تغسيله»، حينما وجده رافعا أصبعه ليوحد الله، فهو يعامل الضحايا ك«أبنائه»، بحسب تعبيره، أملاً فى الحصول على «الثواب». المغسل الأقدم بالمشرحة كشف أن شهداء «محمد محمود» كانت أسباب الوفاة تتركز فى الإصابة بطلق نارى حى فى مناطق «الصدر والرأس والبطن»، فضلاً عن وجود عدد من الحالات المتوفاة نتيجة الاختناق جراء تأثير القنابل المسيلة للدموع، مشيراً إلى أن مصلحة الطب الشرعى تعرضت لأكثر من هجوم من قبل أهالى المتوفين خلال الأحداث، ولكنه يلتمس العذر لهم؛ «اللى بيفقد ضناه.. عقله بيبقى مش معاه»، موضحاً أن المشرحة تعرضت لمحاولة الهجوم على الثلاجات من الأهالى، فضلاً عن محاولتهم حضور التشريح، خاصة بعدما تردد فى الإعلام من أن أطباء المشرحة يحاولون تزوير التقارير الطبية بنفى وجود أى إصابات ب«مقذوفات نارية»، لمصلحة جهة بعينها، مؤكداً أن جميع المغسلين بالمشرحة تحملوا مشقة العمل «ليلاً ونهاراً، حتى إننا اضطررنا للعمل 3 أيام دون توقف بسبب كثرة عدد (الشهداء)، من أجل إنجاز العمل وسط قلة عدد العمالة المساعدة». زوجة «الشيخ سعيد» قررت أن ترافقه «فى المنزل والعمل»، فالسيدة «أم عاطف» -أشهر مغسلة سيدات فى مشرحة زينهم- صاحبة ال60 عاماً، التى اتخذت من «دكان خشبى» فى الجهة المقابلة للبوابة الرئيسية للمشرحة موقعاً لاستقبالها «زبائنها» بجانب «دولاب» الأكفنة الحريمى والرجالى، قالت ل«الوطن» إنه بالرغم من كونها أما ل«6 أبناء» وجدة ل«5 أطفال»، فإنها شعرت خلال أحداث «محمد محمود» بأنها تفقد يومياً «ابنا من أبنائها»؛ «فساعات طويلة كنت أقضيها مع الثوار والمتظاهرين وهم يستقبلون جثامين أصدقائهم وأبنائهم، أبكى مع بكائهم وأنفطر لآلامهم، أشاركهم الأحزان، وأصبرهم بالكلمات والأدعية»، موضحة أنها لم تشارك فى تغسيل الشهداء خلال الأحداث لعدم وجود أى متوفين من «النساء»، ولكنها اختتمت حديثها بأن «عشرة الميت أحسن مليون مرة من الحى». «المقهى» المقابل ل«مشرحة زينهم» طالما كانت محطة انتظار «الثكالى»، عامل المقهى «عادل» يتحدث عن أنه كلما سمع عن «اشتباكات وقتلى»، ينطلق قلقه خوفاً من عواقب ذلك على المشرحة ومحيطها، فالأسر حينما تأتى لتسلم جثث ذويها تكون فى قمة الغضب وخارج «دائرة السيطرة»، ولكنه فى الوقت ذاته يحاول تقديم كافة سبل المساعدة فهم «فيهم اللى مكفيهم».