الزحام بأعراضه وأمراضه وثقافته والتزاحم على الفرص وإثبات الذات انتقل من الشارع إلى الشاشة فكانت الغلبة للعنف والتشوهات والفوضى وفى الفوضى تتكاثر الخطايا ويتوه الجمال. وسط الزحام على الشاشة تستطيع رصد العديد من الجرائم أهمها طغيان واستبداد قوة الإعلان، حيث أصبح الفاصل الإعلانى هو الأصل والدراما هى الفاصل القصير وأحياناً القصير جداً. وعندما تقرر الهروب من الإعلان تقع فى قبضة إعلانات على جميع القنوات الأخرى.. فى الهروب من الإعلانات لم ينجُ أحد فرياح الإعلانات أقوى. ووسط الزحام يصبح التقييم محموماً والمتابعة غير دقيقة والحكم غير منصف، فالمسلسلات تتزاحم علينا وكأنها شلال هادر يلقى بنا فى مصب الإعلانات التى تفسد المشاهدة وتحرض على الهروب. وفى ظل زحام أكثر من أربعين مسلسلاً كيف يكون التقييم منصفاً وفى الإبداع تبدو دائماً «افعل التفضيل» ظالمة وكلمة الأفضل تبقى الأبعد عن الصدق والأقرب إلى الظلم. ودراما رمضان هذا العام كشفت أن للخلل وجوهاً كثيرة وعلى التشريعات الإعلامية التى يجرى إعدادها الآن وعلى المنطقة الحرة التى تعطى تراخيص القنوات أن تقنن وتصوب هذه الأوجه المختلة. فالقنوات العامة فى رمضان تحولت إلى قنوات دراما بلا وجود للبرامج، تقريباً اختفت البرامج باستثناء برنامج واحد متكرر بأشكال وأسماء أخرى على أغلب القنوات وهو برنامج المقالب، وإعطاء التراخيص للقنوات العامة لا بد أن يكون ملزماً بألا تزيد نسبة الدراما بالقناة على 50%، فما يحدث الآن هو قمة التحايل، ثم إن وجود المسلسلات 24 ساعة على قنوات الدراما يعطيها القوة ويضبط جزءاً من خلل الزحام. كان هناك وهج خاص لطارق لطفى فى «بعد البداية»، فهو يؤكد فى كل عمل أنه حالة فنية متميزة وخاصة ومختلطة ومن تميز إلى تفوق يعلن وليد فواز عن نفسه ويؤكد امتلاكه لمنجم من ذهب الموهبة يجعله فاخر الأداء فى شخصية النطاط ب«حارة اليهود» ورائع فى شخصية زينهم فى العهد. وفى مظلة التوهج كان هناك بريق أخاذ لإياد نصار وظافر العابدين وأحمد وفيق ومحمد فراج، أما حسن الرداد فكان مفاجأة بكل المقاييس سواء فى «حق ميت» أو «مولد وصاحبه غايب». والمدهش دائماً أحمد كمال وسلوى محمد على وصفاء الطوخى. نيللى كريم تمتلك كامل اللياقة فى الأداء ولا تكرر بنفسها فى مسلسل «ذات»، توقع البعض أنها لن تأتى بمثل هذه الإبداع مرة أخرى ولكنها فى «سجن النساء» كشفت أن منبع التوهج لديها لا ينضب والتحدى الأكبر بالنسبة لها جاء فى «تحت السيطرة»، ففى كل مشهد لها بصمة إبداعية مختلفة. وهناك أسماء كثيرة تألقت تستحق الإشادة منها هند رضا وليلى عز العرب. ورغم الصدمة الاجتماعية التى قدمها مسلسل «تحت السيطرة»، فإن الوهج الخاص به لم يخفت فى أى حلقة. مريم ناعوم وتامر محسن قدما عملاً مختلفاً ربما لم يظهر فى الدراما من قبل، فهناك دقة وعلم بتفاصيل أحوال المدخنين وهناك مزج بين الأداء التمثيلى وتليفزيون الواقع يتجاوز حدود شطارة الممثل، فأحياناً نصدق أننا نسمع ونرى تجارب بشر حقيقية فى برنامج تليفزيونى وليس ممثلين فى دراما. تامر محسن أكد أنه يحب حالة التوهج لدى الممثل وهذا كله انسحب على الجميع فهو يعمل وفق منطق وفلسفة فى الأداء. تميز فى السيناريو والحوار كان واضحاً أيضاً عند أيمن سلامة فى «مريم» وعند أحمد سمير عاطف فى «بعد البداية» وأحمد عبدالله فى «بين السرايات». أما مدحت العدل فى «حارة اليهود» فقد خلق حالة رائعة أكدت أن الأجيال الجديدة مهتمة بالتاريخ والتفاصيل، قدم «العدل» المسلسل بدهشة وجاذبية. الأعمال الكوميدية كان لها رصيد من التوهج يؤكد أن الجمهور فى حاجة ماسة للبهجة ولهذا كانت «لهفة» العمل الأقل تكلفة الأكثر جماهيرية. أما يوسف معاطى فهو يكتب الكوميديا بطريقة مختلفة شديدة الجاذبية و«أستاذ ورئيس قسم» إضافة متميزة إلى رصيده المتميز. محمد أمين راضى فى «العهد» يواصل الاختلاف والاجتهاد وإيجاد مناطق مختلفة فى كتابة الدراما. الشىء اللافت للنظر فى دراما رمضان أيضاً تكثيف ثقافة السينما للتليفزيون وهى ثقافة مزعجة بما تشمله من بلطجة وعنف ومخدرات وجنس، إنها أمراض عشوائيات نقلت من بيئتها الطبيعية على شاشة السينما فى فيلم لمدة ساعتين إلى بيئة غير بيئته وهى التليفزيون لمدة 30 يوماً.