وصف المركز العربي لاستقلال القضاء، مسودة الدستور التي صدرت عن الجمعية التأسيسية مساء اليوم الأحد، بالصادمة والتي لا ترقى لمصاف النصوص الدستورية، قائلا "إن العديد من هذه النصوص، ونتيجة للصياغة الفضفاضة لها، تفهم على أنها نصوص توجيهيه، لا تلزم المشرع العادي بأن يفعل شيئا، الأمر الذي يجعل هذه الحقوق الواردة في هذه النصوص فارغة المضمون". وأضاف المركز في بيان له، أن النصوص افتقرت إلى التدابير تشريعية أو قضائية أو إدارية لحمايتها وكفالة ممارستها، كاستخدامه تعبيرات "مصونة – مكفولة" بديلا عن التعبيرات ذات الصلة بحماية الحقوق واتخاذ تدابير لكفالة ممارستها، الأمر الذي يتناقض مع مفهوم الوثيقة الدستورية التي تعني الإلزام لكل سلطات الدولة. وأعرب المركز عن قلقه لعجز المادة 75 منها، ممارسة كل الحقوق والحريات المنصوص عليها في الباب الثاني من مسودة الدستور، بعدم تعارضها مع الأحكام الأساسية للدولة والمجتمع الواردة في الدستور، وهى الأحكام الواردة في الباب الأول والتي صيغت نصوصها بعبارات يغلب عليها الطابع الانشائي والصياغة الفضفاضة غير المحددة، الأمر الذي يمثل تهديدا خطيرا لكل الحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من مسودة الدستور، متمثلا في ترك سلطة تقديرية واسعة للمشرع العادي لفرض قيود على ممارسة الحقوق والحريات العامة وتضيق نطاق ممارسة هذه الحقوق. وأشار المركز إلى وجود العديد من التناقض بين مواد مسودة الدستور بعضها البعض في مجملها، بل يزداد التناقض ليصل إلى أحكام المادة الواحدة، كما في المادة 50 على سبيل المثال التي تنص على حرية إنشاء النقابات المهنية، ثم يأتي عجز المادة ليقرر أنه لا تنشأ سوى نقابة مهنية واحدة لكل مهنة. وعبر المركز عن دهشته من تصدي مواد الدستور للعديد من الأحكام التي لا ترتقي لمصاف النصوص الدستورية، ولا حتى التشريعات العادية، وإن كانت من حيث صياغتها وأحكامها تتشابه إلى كبير مع اللوائح التنفيذية للقوانين والتشريعات العادية، ومن ذلك على سبيل المثال ما تناولته المادة 52 من مسودة الدستور بشأن مشاركة المواطنين في الحياة العامة، حيث تناولت أحكام النص المشار إليه للعديد من التفصيلات التي لا تتناسب مع الصياغة الفنية للنصوص الدستورية، والتي محلها اللوائح التنفيذية للتشريعات والقوانين العادية كما سبقت الإشارة. ويرى المركز أن مسودة الدستور تتبنى نفس الفلسفة والنهج لدستور 1971 من حيث تفويض المشرع العادي تفويضا كاملا غير مشروط ، لتنظيم ممارسة هذه الحقوق عبر استخدامه لعبارات "وفقا لأحكام القانون – في الأحوال المبينة في القانون – في حدود القانون.. الخ" وهذا الأمر قد يهدد الحقوق والحريات العامة الواردة في صلب النصوص الدستورية، لدرجة تصل بالمشرع العادي إلى فرض العديد من القيود على ممارسة الحقوق المكفولة بنصوص دستورية، تنحدر بها من دراجات تنظيم الحقوق إلى درك العصف بأصل الحقوق. وأوضح المركز أن مسودة الدستور ذات الصلة بالمحكمة الدستورية العليا، جاءت في صياغتها وأحكامها صادمة وعاصفة بوجود وحدود دور المحكمة الدستورية العليا، حيث جعلت لرئيس الجمهورية الحق في تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية العليا، على خلاف ما كان يجري من اختصاص الجمعية العمومية للمحكمة بتعيين أعضائها، وتزايد المطالب باختصاصها بتعيين رئيس المحكمة كذلك، فإذا بالمسودة تأتي خلاف ذلك، وتضيف لرئيس الجمهورية جانب اختصاصه بتعيين رئيس المحكمة سلطة تعيين أعضاء المحكمة.