تفصيلات ما يحدث فى محافظة بنى سويف موجودة على استحياء فى صفحات الحوادث وبوتيرة أعلى قليلاً على صفحات التواصل الاجتماعى، والتفصيلات على صادميتها المباشرة ليست بقدر خطورة وخلل ما يتم نسجه بحضور وغياب الأطراف المسئولة فى الدولة، فالمعادلة باختصار شديد أن هناك انتهاكاً فاضحاً متعدد الاتجاهات يمارس تحت سمع وبصر الجميع ويمارس معه جريمة الصمت الحرام، والانتهاك هنا فى هذه الحالة له العديد من الأبعاد منه الإنسانى ومنه حق المواطنة وكثير منه له أشكال قانونية، وجميع تلك العناوين رئيسية وكبيرة بصورة بدا تجاوزها ومحاولة تمريرها يشكل أركان جريمة سياسية لا أعرف من يقوى على ارتكابها. مواطن مصرى مسيحى يعمل بالخارج قام بنشر صور مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى، وتداولت تلك الصور فى مجموعة من قرى محافظة بنى سويف ومنها قريته التى تقيم فيها أسرته، وهى جريمة يعاقب عليها القانون، ولأنه خارج مصر فقد تفتق الذهن الطائفى المختل أن يتم الانتقام من أسرته الموجودة أمامهم، هذه الذهنية الطائفية تمثلت فى مجموعات تنسب نفسها إلى التيار السلفى العريض متنوع اللافتات، أخذت هذه المجموعات ومن يتوقع أن يدخل على هذه الموجة على عاتقها مهمة تنظيم احتجاجات وتصدير صورة بأن هناك حالة من الاحتقان العام، وهى صورة فى غالبية مكوناتها زائفة إلى حد كبير، ابتلع المسئولون الأمنيون الطعم بسهولة وبدأوا يتعاملون مع المشهد من زاوية أنهم أمام مشكلة كبيرة، وحتى يحكم الطعم الزائف قبضته على الجميع قامت تلك المجموعات السلفية بتسريب تهديدات بأنهم قادرون على إشعال الموقف فى المحافظة بأسرها ومن الممكن أن يشمل هذا الحريق منازل كل المسيحيين المقيمين بالمحافظة!! وفق تلك المعطيات المغلوطة بدأت رحلة العلاج على خلفية تشخيص خاطئ، فذهبت المسألة إلى جلسة عرفية بدلاً من توجيهها إلى ساحة قانونية قادرة على محاسبة المخطئ وردع المتجاوز، وتركت كرة الثلج الكريهة تتحرك دون أن يتدخل أحد وحضر رجال الشرطة تلك الجلسات وشاهدوا الثلج وهو يتحول سريعاً إلى كرة من اللهب بصدور أحكام جائرة ما أنزل الله بها من سلطان، فقد حكم بتلك الجلسة المأساوية كثمن لتهدئة زائفة للأوضاع أن يخرج أهالى المتهم من منازلهم ليرحلوا خارج البلدة عنوة تاركين أملاكهم وحياتهم ثمناً لجريمة ارتكبها أحد أفراد تلك الأسرة، الدستور المصرى والقوانين المنبثقة منه توصف تلك الحالة مباشرة بأنها «جريمة تهجير قسرى» بعيداً عن تلك المجالس العرفية الفاضحة، رجال الأمن وبعض من كبراء المحافظات والشخصيات الدينية والعامة كانوا سابقاً يحضرون مثل تلك الجلسات فى مشكلات أكثر تعقيداً تحت مهمة محددة ألا يتجبر القوى على الضعيف فى جلسات المصالحة، وأن تكون الشروط متوازنة ما بين أطراف نزاع ما، وهى جلسات ونمط مصالحات تجاوزها الزمن والمتغيرات وصارت تضر وتعمق المشكلات بدلاً من حلها، وفى هذه الحالة تحديداً كان لا بد أن يقف المشهد عند تلك النقطة بعد أن سقط تلك السقطة المدوية، وكان لرجال الأمن أن يرصدوا هذا السقوط ولا يسمحوا بتمريره تحت أى ادعاء وكان الأوفق والأصلح أن يتم إحالة القضية برمتها فوراً للنيابة العامة، ويتفرغ رجال الأمن فوراً لمواجهة كل من يهدد أو يزرع الخوف فى نفوس أهالى بسطاء ينطلى عليهم سريعاً خدع الفتنة وسيناريوهات العنف ونصرة الدين التى يروجها السلفيون كذباً وبهتاناً. طرف آخر تبقى تلك الجريمة معلقة فى رقبته، وهو السلطة السياسية للدولة ممثلة فى السيد المحافظ ومن خلفه الحكومة، فمن الواجب أن تكون متابعة هذا النوع من القضايا متابعة دقيقة وفاعلة ويتم رصد تقديرات وتحركات الأمن على الفور، والمحافظ شخصياً وفق مقتضيات وظيفته الممثلة للدولة كان لا بد أن يكون هو الطرف الأول الذى يدرك فشل الأمن فى المسار الذى ذهبت إليه الأحداث وهذا ليس عيباً، فالتصويب السريع وتصحيح الأوضاع بقوة وعلانية تصل لكل الأطراف هى مساهمة فعالة فى العلاج، وكان التدخل السريع لا بد له عنوان واحد بأن الدولة حاضرة ولن يسمح بممارسة أى انتهاك بحق مواطن مصرى حتى وإن صدر عن تلك المجالس الكرتونية، لكن إعادة استنساخ نموذج قديم أسقط نظاماً بكامله كانت فيه حكوماته ومسئولوه يختبئون ويغسلون أيديهم من المسئولية خلف ستار الحلول الأمنية التى يتوقع منها أن تخطئ وتصيب، واستحداث نموذج بغيض لإهانة وتدمير حياة مواطن تحت ذريعة الدفاع عن الدين من جانب والحفاظ على حالة هدوء أمنى زائف لا يمكن أن يتم خاصة مع خرقه لكل مبادئ الدستور والحقوق والمواطنة، المواطن المصرى مسيحى الديانة فى أى بقعة من أرض مصر يعيش ويعمل من أجل وطنه وليس على سبيل المجاملة، فى مقابل ذلك -وهو حقنا جميعاً المشروع- أن يجد وطنه حاضراً معه فى كل موقع، ولا يسمح مسئولو هذا الوطن لأى من كان أن يعبث بمقدراته وثوابته، التصحيح العلنى السريع لهذه الأوضاع منتظر من رئيس الحكومة، وهو علاج حقيقى لمرض متكرر ورسالة ردع فى آن واحد لمن يخطط أن يسير فى هذا الطريق المدمر.