سرادق كبير تشهده منطقة "أرض اللواء" بالجيزة، تتراص فيه دكاكين بائعي الخضراوات والفاكهة جنبًا إلى جنب مع محل آخر تفوح منه رائحة "اللحم النيء" التي لم تسأمها أنوف المصريين، وما إن تقترب منه حتى ترى صورة تلك "النَصبة" التي عُلقت عليها رؤوس حيوانات مذبوحة، وأجزاء أخرى عرفها العامة ب"فواكه اللحوم"، وهي الكرشة والفشة والقوانص والكبد، تستقر بالقرب منها قطعة خشبية كبيرة معلق عليها سكاكين وأدوات تم تخصيصها للذبح والتقطيع، قبل أن تقع عيناك على شخصين يقفان في حراسة كل تلك الأشياء ليبيعاها إلى "صاحب النصيب"، وفي الأخير يظهر ذلك الرجل الذي يتحدث بلهجة صعيدية، يبدو متوسط البنية عريض المنكبين، يميزه شاربه الكثيف وسمار لونه، وتكفي لهجته المتعالية لتعرف أنه "المعلم صاحب الجزارة". ركن "الغلابة" في جزارة "المعلم فرج"، اقتصر على ما يسمى ب"السقط" وقطع من الكرشة والفشة والقوانص والكبد، ضيق ذات يديهم منعت أقدامهم من الاقتراب تجاه ذلك الجزء من الجزارة الذي يعج بلحوم الجديان والبقر والضأن من اللحم، "أنا شغال في الجزارة من حوالي 30 سنة لما كان عمري 12 سنة، وكنت بشتغل في السقط، أيام ما كان كيلو اللحمة ب4 جنيه ونص سنة 82، وكان كيلو الكرشة ب1.5 جنيه، بس، كان في بركة في الدنيا والغلابة كانوا لاقيين ياكلوا". أزمة غلاء أسعار اللحوم أعادها "المعلم فرج" إلى سعر علف الحيوانات التي تزيد كل فترة عن سابقتها، "التجار اللي عندهم مزارع وبيربوا الحيوانات لما سعر العلف بيزيد عليهم، لازم هما يزودوا في أسعار اللحمة على الناس عشان ما يخسروش". نظرة "الجزار" الستيني ل"الغلابة" تتلخص في جملة قالها بصوتٍ حاسم "اللي معهوش ما يلزموش"، فأسعار فتات اللحم الذي يصلح نصيبًا للفقراء لم تسلم هي الأخرى من الغلاء، "زمان كانت الكرشة والفشة والحاجات ده مش بفلوس، دلوقتي سعر الكرشة ب12، والفشة ب25 جنيه، والممبار ب30 جنيه والكوارع الصغيرة الضاني الواحدة ب2 جنيه، وأقل غدوة كوارع على ممبار بسيطة مش هتكلف صاحبها أقل من 35 جنيه، يعني لو واحد دخله مش كويس مش هايقدر حتى يشتري الحاجات ده، يا دوبك يحابي على نفسه وربنا يتولاه". "اللحمة تجارتها هي اللي بتتحكم فيها"، بلهجة حادة رد "فرج الجزار" على انتقادات بشأن رفع التجار لأسعار اللحوم، "هي الحكومة لما بتغلي البنزين ليه محدش بيعترض، إحنا بنجيب علف بفلوس وبهايم بفلوس، يبقى لازم نكسب تكاليفنا". الحكومة التي غابت تمامًا عن المشهد لديها الحل وفقًا ل"فرج"، حيث يتساءل عن بهائمها وأعلافها المخزنة التي تستطيع الدفع بها داخل السوق وبيعها للمواطنين بثمنٍ بخس من أجل حل أزمة "الغلابة" مع اللحمة، "يا ريت الحكومة تنزل لنا بهايم وعلف إحنا كمان من عندها، وتحدد أسعارها وإحنا نبيعها برخيص للناس، لكن دلوقتي اللحمة مش للغلابة، وكل واحد أدرى بظروفه".