بلا شك، من المبكر جدا الحديث حاليا عن موسم دراما رمضان 2024 أو تقييمه، أو من الإنصاف تحليل المحتوى الدرامي المقدم على شاشات التلفزيون ومنصات المشاهدة الرقمية في الأيام الأولى من الشهر الكريم، فمعظم الأعمال لم تتضح بعد خيوطها الدرامية أو طبائع شخصياتها ولم يتطور حدثها الدرامي وسرد حكايتها حتى نستطيع الحكم عليها. وليس هدفي في نفس الوقت الانسياق وراء أشكال التفاعل المختلفة تجاه بعض النجوم وبعض الأسماء والمسلسلات التي ظهرت من اليوم الأول لعرضها، في موسم درامي يصنف بالأقوى على مدار العام في مصر والوطن العربي، ونظرا وأن طبيعة المنافسة فيه مختلفة، ربما لا أميل للمثل الغربي "لاتحكم على الكتاب من غلافة"، وإنما سأكون أقرب للمثل العربي "الكتاب يُعرف من عنوانه"، وعنوان الكتاب هنا الوجبة الدرامية المدروسة بعناية لتقدم على مائدة الشاشات في رمضان للمشاهد المصري والعربي. فالمنافسة الدرامية في رمضان، لها أحكامها التي لا تعترف بالمُسَلمات الفنية المعتادة في صناعة الدراما، ذلك أن ميزان الحكم دائما في عين المشاهد والجمهور، فالمعادلة تتلخص دائما في مدى تقدير مشاهدك وتقديم ما يحترم فكره ويناسب اهتماماته ورغباته وتنوعه، هذه هي القاعدة أو الفلسفة أو المرجعية التي يمكن أن ننظر بها ولو مبدئيا للأعمال الدرامية المتنافسة في السباق الرمضاني هذا العام، والتي يشكل قوامها الأساسي ما تقدمه "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" من أعمال، ذلك أنها اعتبرت أن الهدف الأساسي أمامها هو "المشاهد" دون انحياز. ومن هذا التقدير كانت وجبتها الدرامية مليئة بالتنوع، بمجموعة من المسلسلات تقارب 20 عملا، متعددة الألوان الدرامية ما بين الاجتماعي والتاريخي والديني والكوميدي والشعبي والإثارة وحتى الكرتون، وبالتالي سجلت حضورا لمختلف اهتمامات وميول المشاهد المصري والعربي على الشاشات المصرية. والقضية هنا أبعد من فكرة تنوع الألوان الدرامية، لكنها فلسفة للشركة المتحدة قائمة على أن "الشاشة للجميع"، أو أن الشاشة تتسع للجميع على مستوى المشاهدة والمحتوى وعلى مستوى الصناعة، فلا يمكن أن نغفل أو ننكر هذا الكم من المشاركة الواسعة من النجوم والفنانيين والصُناع من مخرجين وكتاب ومنتجين وغيرهم، والأهم التوظيف الفني لهم بأدوار مختلفة ومتناسقة في المشاريع الدرامية المقدمة، وتلك ميزة يجب التمعن والتوقف أمامها كثيرا، مع مميزات أخرى يجسدها طفرة الإنتاج الدرامي، يمكن حصرها في النقاط التالية: 1- صاغت "الشركة المتحدة" محتواها الدرامي والبرامجي هذا العام ليكون رمضان "شهر الفرحة" للأسرة المصرية، من خلال ما تناقشه تلك الأعمال من قضايا مهمة ورسائل إنسانية تشكل وجدان جمهور الوطن العربي وترتقي بوعي المشاهد، بعيدا عن أي مشاهد أو ألفاظ خارجة، ومن باب احترام جميع المشاهدين، كان قرار "المتحدة" بترجمة جميع مسلسلاتها للغة الإشارة ليتمكن ذوي الهمم من متابعة مسلسلات رمضان عبر قنواتها ومنصتها الرقمية WATCH IT، للمرة الاولى. 2- على مستوى المشاركة، تدحض فكرة المشاركة الواسعة من صُناع الدراما، واحده من آفات إفساد صناعة الدراما في سنوات قريبة وهي فكرة "الإحتكار"، التي كانت قائمة على حصر بطولة الأعمال والمشاركة فيها على أسماء محدده من النجوم، أو على مستوى احتكار الإنتاج، ليختلف الأمر حاليا بتحقيق عدالة في التوزيع، من خلال التعدد في الإنتاج، حيث تشارك أكثر من 12 شركة إنتاج في الأعمال المقدمة تحت مظلة الشركة "المتحدة" هذا العام، بجانب التوسع في إنتاج مسلسلات "15 حلقة" بواقع 10 مسلسلات هذا العام، بما يفتح مجال أكبر وأوسع لمشاركة أكبر من نجوم الفن، وإعطاء فرص أوسع لوجوه شباب، وخير شاهد على ذلك حديث الأرقام خلال العامين الماضيين، فقد تعاقدت الشركة المتحدة مع أكثر من 20 شركة، واشترك في أعمالها أكثر من ألف ممثل. 3- على مستوى التنوع، تتسع الشاشة في رمضان لكافة الألوان الدرامية، بداية من الدرامة التاريخية من خلال مسلسل "الحشاشين" للفنان كريم عبد العزيز الذي تعود أحداثه للقرن الحادي عشر للتأصيل لجذور فكرة الإرهاب، ومسلسل "جودر المصري" للفنان ياسر جلال، إلى جانب الدراما الكوميدية بعدة أعمال على رأسها "الكبير" الجزء الثامن للفنان أحمد مكي، و"عتبات البهجة" للفنان الكبير يحيى الفخراني، و"فراولة" لنيلي كريم، و"بابا جه" لأكرم حسني". وعلى مستوى الدراما الشعبية، نجد "حق عرب" لأحمد العوضي" و"المعلم" لمصطفى شعبان، بجانب الدراما التشويقية مثل "بيت الرفاعي" لأمير كرارة، و"سر إلهي" لروجينا، و"مسار إجباري" لإثنين من الوجوه الشابة أحمد داش وعصام عمر، وعلى صعيد الدراما الاجتماعية، نجد "امبراطورية ميم" لخالد النبوي، و"صيد العقارب"، و"محارب" لحسن الرداد الذي يأتي ضمن الدراما الصعيدية، و"بقينا اتنين" لشريف منير، و" كامل العدد+1" لدينا الشربيني، كما أن القضية الفلسطينية حاضرة على الشاشة الرمضانية من خلال مسلسل "مليحة"،، وعلى صعيد الأطفال نجد الموسم الثالث من "يحيى وكنوز" وايضاً كارتون "نورة". 4- على مستوى التطور في الصناعة، فقد عكست كثير من الأعمال المقدمة مدى التطور الذي تشهده صناعة الدراما خلال السنوات الأخيرة، عاما بعد الأخر، ولعل خير برهان على ذلك انطلاقة مسلسل "الحشاشين"، المعروض على الشاشة المتجددة قناة dmc، إذ تعكس المشاهد الاولى للمسلسل مدى ما وصلت له صناعة الدراما التلفزيونية المصرية، كعمل عالمي لا يقل عن إنتاجات كبريات الشركات العالمية، خصوصا بمشاهده الخارجية المصورة، والإبداع المتناسق بين الصورة والملابس والديكورات، وكل العناصر المشاركة في العمل الدرامي، وفوق كل ذلك موضوع العمل وأداء نجومه التمثيلي خصوصا كريم عبد العزيز وأحمد عيد. الملاحظة الأخرى، تتعلق بالتطور في محتوى وجمال الصورة المقدمة، في الاعمال الدرامية، فالمشاهد خصوصا في الأعمال التاريخية أشبه بلوحة فنية حقيقية مرسومة بأدق التفاصيل، أو بمعنى أوضح مشاهد تُغلب الجمال في الصورة، على عكس ما كان يقدم سابقا من مشاهد العشوائيات والقبح في الشارع المصري. 5- على مستوى البطولة، تعطى الأعمال الدرامية المعروضة هذا العام، مساحات واسعة لوجوه شابة لتقدم نفسها للمشاهد، لتتجاوز فكرة البطل أو النجم الأوحد وحصر المشاركة في الأعمال على أسماء محدودة، لكن الفارق حاليا في تغيير "القاعدة" القائمة عليها صناعة الدراما، فالبطل هو العمل نفسه، ومعيار المشاركة هو الموهبة ومدى القدرة على الإضافة للعمل والخط الدرامي، وخير شاهد على ذلك منح البطولة لوجوه شابة كما هو الحال في مسلسل "مسار إجباري" لأحمد داش وعصام عمر. 6- على مستوى التكامل في عرض المحتوى الدرامي، من المهم التوقف مع الجهد المبذول لتقديم وعرض المحتوى الدرامي والبرامجي وإيصاله لمختلف الشرائح، عبر منصات الشركة المتحدة المختلفة، سواء تلفزيونية أو صحفية أو رقمية، وذلك من خلال تكامل وتناسق الأدوار بين قطاعات "المتحدة"، بداية من قطاع الإنتاج الدرامي وقطاع التلفزيون وقطاع الصحف والمواقع الإلكترونية، وقطاع منصات الديجيتال والسوشيال ميديا، لتحقيق هدف واحد، وهو الوصول للمشاهد أينما كان. 7- على مستوى الإنتشار، بعد تحول بوصلة الإنتاج الدرامي والبرامجي في رمضان للتلفزيون والشاشات المصرية، على مستوى "الأفكار والمحتوى والتمثيل والإخراج"، فرضت الأعمال المقدمة هذا العام نفسها على اهتمامات الشاشات العربية، حيث تعاقدت كثير من الشاشات العربية لعرض عدد من المسلسلات مثل "الكبير وعتبات البهجة والمعلم وحق عرب ومسار إجباري" وغيرهم، في مشهد يعكس أهمية تصدير الفن المصري واستعادة مكانته كقوة ناعمة لا يستهان بها.. وللحديث بقية.