بين ماضٍ يضمر حريقاً وماضٍ يحرق وطناً. بين ماضٍ يحاول التسلل والقفز مرة أخرى إلى نقطة ضوء، وبين ماضٍ يعبث ببصيرة عمياء ولا يعنيه سوى «تأبين» الحاضر والمستقبل يبقى الوطن مهدداً من «بلطجة الماضى» على الحاضر. محاولات الظهور لمبارك وأبنائه وبعض عناصر نظامه بانتهاز الفرص كلما جاءت وأينما تيسرت تؤكد أن الرغبة ما زالت قائمة لدى البعض منا للعودة بالزمن إلى الوراء، وأن بعضهم يعتقد أن دوره السياسى لم ينته بعد.. إنها بلطجة بالقوة وبالابتزاز الإنسانى تستدعيها «الميديا الإعلامية» أو تصنعها وتبحث عنها لأسباب وحسابات شخصية بعيدة عن مصلحة الوطن. جماعة الإرهاب بكل وجوهها القبيحة تقوم بالإرهاب مع كل طلعة شمس، يظنون، وفى ظنهم كل الإثم، أنهم سيعودون يحكموننا حتى ولو متنا جميعاً. إنهم يقفون عند اللحظة التى تمكنوا فيها من سرقة كرسى الحكم فى مصر وصدقوا أنفسهم، فبعد 80 عاماً من التآمر وصلوا إلى السلطة ثم فقدوها بين عشية وضحاها، فكانت الإصابة بحالة إنكار كامل ينم عن جميع الأمراض النفسية، فأعلنوا البلطجة والإرهاب لقتل الشعب قبل إيذاء النظام، وكل يوم يسجلون وثيقة إدانة لأنفسهم بما يرتكبون من جرائم تكاد تكون أول وأطول جرائم يومية فى التاريخ المصرى، فمنذ 28 يناير 2011 حتى اللحظة يرتكبون الجرائم نفسها من خيانة وخداع وترويع وإرهاب وإفك وأكاذيب. وبين بلطجة المحاولة وبلطجة الفعل والإجرام يعيش الوطن مهدداً من «لغم» الماضى القبيح. وعلى اسم مصر تعدد الأعداء، فأعداء الماضى ليسوا فقط فى «إخوان الوطنى» أو جماعة الإخوان، وإنما هناك ميراث العدو الأكبر وهو «الفساد» الذى تمكن من الجهاز الإدارى للدولة والذى أصبح فساده أقوى من محاولات الإصلاح إن وجدت، فالفساد طال عمره وطال جميع المؤسسات لا نستثنى منها واحدة، فالجهاز الإدارى للدولة فسد وأزمن فيه الفساد وأصبح مع فساده قائداً للوعى والخيال، فالأداء الوظيفى الخالى من أى فكر ومن أى إبداع سيد الموقف، والأداء الوظيفى العاجز يصدر العجز ولا ينتج تقدم الغد، وفى ظل منظومة تشريعات بعضها غير صالح وبعضها غير رادع وبعضها لا ينفذ استوحش الفساد وأصبح متوهج النشاط. وللفساد جبروت واستبداد يجعل الحلم بالغد المشرق والأفضل غير قادر على فرض واقع مختلف. الفساد يحتاج إلى آليات وإرادة تعلن الحرب عليه بخطط واستراتيجيات وتشريعات، فلا يعقل أن يكون لدينا عدو معلوم ولا نمتلك خطة للتعامل معه ونبقى ندور حول أنفسنا فى الوقت الذى تتسع فيه دوائر الفساد وحول رقاب الوطن والعباد. من زرع الفساد يحصد العشوائية والقيم الرديئة ونحن نتوارث دليلك إلى العشوائية وكأننا نبعث فيها الحياة بكامل الإصرار، فنشجع الفكرة العشوائية ونقوم بالسلوك العشوائى ونتداول الأفكار العشوائية ونصنع من كائنات عشوائية مشوهة نماذج للنجاح، عشوائية أيامنا صاحبة البطولة الأولى بجدارة وسط تصفيق وتهليل الشعب والحكومة، إذا أبقينا على العشوائية كأسلوب فكر وحياة فبحر الفساد لن يبقى أمامنا، بل سنغرق فيه وسيبقى باقى الأعداء خلفنا. ومن كانت العشوائية دليله عاش مقيماً فى الماضى ليصير حائراً بين أفكار ميتة وأخرى مميتة، ولا يمتلك جرأة تنقية التراث والاعتراف بالطالح منه، وكأننا لا بد أن ننحى الماضى بسيئاته وحسناته دون تمييز، ومن يتجرأ على الخروج عن النص والاجتهاد فقد أتى إثماً عظيماً وأصبح معتداً أثيماً. التصحر الفكرى يلحق بنا الأذى ويجعلنا نفتح نافذة على الماضى ونغلق الحاضر والمستقبل. لا بد من خطوات تبنى الثقة فى القادم وتعيد الحياة لأحلام أجيال تسربت إلى جيوب الذين كانوا يبتلعون البلاد ويتوحشون فى الثراء واسترداد قيم نبيلة طاردتها قيم الفساد الرديئة وإعادة جماليات الماضى المتوهج فى الذاكرة من قيم وأخلاق وأناقة حوار وأزياء ومعمار وإبداع نبعث فيها الحياة، فنحن نعيش جمال الماضى وكأنه الرحم الذى نبحث عنه ليحتوينا من حاضرنا عساه ينجينا من جديد.