شابة عشرينية تمارس طقوسها اليومية فى تصفح مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، تجد فجأة جميع أصدقائها ومعارفها يكتبون كلمات كلها حول قضية واحدة، شاب يسب شيخاً يقدم برنامجاً تليفزيونياً، وآخر يكتب رأيه الشخصى الذى كوّنه بناء على كلام أحد الدعاة يحضر كل دروسه، وصديقة تنتقد حوار الشيوخ مع بعضهم وتدعو المتابعين للبرامج إلى عدم الالتفات للمبارزة الدينية التى شتتت أفكارها ومعتقداتها بشكل كبير. تغلق الفتاة شاشة هاتفها بعد أن يصل الحوار بينها وبين أصدقائها إلى حد الخلاف وعدم معرفة من منهم على صواب فى معلوماتهم الدينية. أرسلت «بسنت» سؤالها إلى «صحبة» مطالبة الإعلام بالإجابة على سؤالها هى وأصدقائها عن كيفية الحصول على المعلومات الدينية البسيطة، فى الوقت الذى أصبح فيه لكل منهم رأى يتبناه بناء على حبه لأحد الدعاة. سألت «صحبة» شباب الجامعات ومواقع التواصل الاجتماعى، من بين تعدد مصادر المعلومات من أين يأتى كل منهم بمعتقداته وآرائه الدينية، ولماذا لا يلجأون للأزهر وشيوخه، وكانت إجاباتهم متباينة. الشيوخ يفتقدون لغتنا.. والأزهر ينخرط فى السياسة يرى حاتم سعد، 24 سنة، أن أزمة الأزهر ليست فى المضمون، ولكنها اللغة التى يتحدثون بها، وقال: «نلجأ للدعاة لأنهم بصراحة شديدة يتحدثون اللغة التى يفهمها الشباب عكس شيوخ الأزهر الذين تميل لغتهم إلى المحافظة والعربية الفصحى، وكأنهم دوماً على منبر الجامع، إلى جانب أن دور الأزهر البارز الآن هو وجوده فى السياسة والاشتراك فى حوارات مع الرئاسة فى الأزمات، فأين دوره الفعلى معنا نحن الشباب؟». ويتفق معه أيمن الشعشاعى، 21 سنة، الذى يرى أنه بنسبة كبيرة يكون تأثير الدعاة أقوى من شيوخ الأزهر على الشباب لأنهم الأقدر على الوصول إلى مداخلهم العصرية، بالإضافة إلى فهم احتياجاتهم المختلفة وتجديدهم المستمر، عكس المظهر الأزهرى الذى ارتبط أكثر بالسياسة، ما يؤدى إلى غياب نوعى لدوره واختفاء واضح للخطاب الدينى الذى يحاور الشباب، وأضاف: «بعض الناس لا يجيدون التعامل مع التكنولوجيا لذلك يفضلون الذهاب إلى شيوخ الأزهر، وأعتقد أن الأزهر لم يتغير لأن جذوره توغلت فى الجانب السياسى، وإذا أراد أن يكتسب مكانته لدى الشباب عليه تركيز سياسته على الجانب الدينى، وتغيير رسالته وخطابه الدينى لما هو عصرى ومناسب ويكون ارتباطه بالسياسة بشكل طفيف، الرئيس السيسى اتصور سيلفى مع الشباب وبيتكلم معاهم بلغتهم، ولسه الأزهر بيستخدم العربية الفصحى». تميل إسراء حسنى، 22 سنة، إلى برامج بعض الدعاة الشباب وتقول: «مابقبلش كلام فى الدين من أى حد تانى، لو عندى أى سؤال بعمل سيرش عليه ومعاه اسم معز مسعود أو مصطفى حسنى أو غيرهما من الدعاة، بحسّ إن الشيوخ حافظين مش فاهمين، ولو حد قعد يتناقش معاهم بيطلع مش فاهم حاجة، وده بيقفلنى منهم». بينما ترى آية مجدى، 21 سنة، أن تأثير الدعاة أقوى من شيوخ الأزهر، حيث تشعر أن الشباب أكثر سماحة فى حديثهم، وتضيف أن ما تفتقده فى شيوخ الأزهر هو أنهم يتحدثون دون أن يشرحوا ما يقولونه، وترى أن الأزهر يجب أن يعمل على فهم عقلية الشباب وأن ينصح الآباء أبناءهم بالإنصات للأزهر واللجوء إليه لحل مشاكلهم وضرورة أن يعقد الأزهر ندوات كثيرة يحضرها الشباب وتكون البرامج عن تعاليم الإسلام وسماحته. اختلافهم ليس دائماً رحمة مشكلة كبيرة أثّرت فى حياة نهلة أحمد، 26 سنة، عندما قررت خلع الحجاب بعد قراءة رسالة دكتوراه لأحد شيوخ الأزهر يتحدث فيها على عدم وجوب ارتداء المرأة للحجاب قالت عنها: «من 6 سنين تقريباً قررت ألبس الحجاب بعد ما سمعت عمرو خالد، وكلامه قد إيه كان قريب من القلب وحبّبنى فى تنفيذ فريضة الحجاب، وبالطبع وقتها كنت مقتنعة تماماً والتزمت به لعدة سنوات، ومنذ عامين تقريباً قرأت على «فيس بوك» أن هناك جدلاً كبيراً مع أحد دارسى الأزهر مش عارفة أقدر أقول عليه شيخ ولا لأ، واحد عمل رسالة دكتوراه عن أن الحجاب مش فريضة، قلت أكيد مفيش بعد الأزهر فتوى، لأن المنبر ده مش هيوافق على رسالة دكتوراه إلا بعد التأكد منها، وبالفعل خلعت الحجاب، حد يقدر يقوللى دلوقتى: الاختلاف ده مين اللى يفصل فيه؟». وترى فاطمة واصل، 22 سنة، أن الدعاة الشباب يتبعون مدرسة التأثير القصير على الشباب لأنهم لا يعتمدون على الإقناع العقلى، بل يصبح اعتمادهم على حب الشباب لهم ليلعبوا على مشاعرهم، وهذا ما يجعل الشباب يتأثرون فترة ثم يعودون إلى ما كانوا عليه، إلا المتابعين لهم بصفة مستمرة، حيث تشبه تأثير الدعاة الشباب ب«البنج بيروح بعد فترة»، وترى أن الأزهر مؤسسة سياسية وليس دينية وتضيف أن كثرة عدد شيوخ الأزهر لم يعد أمراً مهماً لأن الأهم هو تجديد الفكر والأسلوب المتبع والأزهر لم يطور أسلوبه منذ زمن، وهو ما أدى إلى فجوة بينه وبين الناس ووجود الأزمة فى المنهج المتبع مع الناس. وتشترك معهم فى الرأى دينا الدجوى، 22 سنة، وتقول إنها رأت شيوخاً تسىء للإسلام، وبكل أسف من ضمنهم شيوخ أزهر، وتطالب بفصلهم من الأزهر، وأما عن الدعاة الشباب فتقول إنها لم تتابعهم بشكل متواصل، لأنها لم تر من يعبّر عن الإسلام بالشكل السليم، وأصبح الكثير يفتون فى الدين: «كل من هب ودب بيتكلم، كتر الشيوخ والدعاة وكأن اللفظ بيتباع ببلاش، واحنا بينهم مش فاهمين حاجة، وبقينا لا نسمع دول ولا دول ونعتمد على البحث على «جوجل» عشان يبقى قدامنا أكتر من رأى ونشوف مين الأصدق، ودى طبعاً كارثة، لأنه ماينفعش فى بلد الأزهر يبقى عندنا جهل فى الدين». الشيوخ والدعاة.. صراع العمة والكاجوال يميز الشيخ سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، بين شيوخ الأزهر والدعاة، حيث وصف الدعاة بالهواة الذين يتشاركون مع الشباب لغتهم، بالإضافة إلى ذهابهم لأماكن تجمعات الشباب مثل النوادى، عكس شيوخ الأزهر الذين يتميزون بالأسلوب النمطى ولا يتحدثون بلغة الشباب، ويضيف أن الدعاة الهواة لديهم الاستعداد لتنمية أنفسهم، بالإضافة إلى تسليط وسائل الإعلام الضوء عليهم ووجود، رجال أعمال يجلبون لهم الشيوخ لتحضير الموضوعات، وهذا ما يفتقده شيوخ الأزهر (الدعاة المحترفون)، وأن الفترة ما بعد ثورة يناير وحتى الآن أضعفت حب الشباب للدعاة بشكل عام سواء كانوا هواة أو محترفين، وحول اتهام بعض الشباب لشيوخ الأزهر بالدخول فى السياسة رد بأن علماء الأزهر لم يتدخلوا فى السياسة ولكن وزير الأوقاف منصب سياسى ويتم تعينه من قبَل الدولة عكس دار الإفتاء، ولذلك الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، ليس له علاقة بالسياسة. أما الدكتور خالد الجندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فيرى أن الأزهر يشجع الدعاة الذين يدعون الشباب للمحافظة على الكرامة الإنسانية والانتماء للوطن ولكنه لا يرحب بالفتوى من غير الأزهريين، كما أن هناك عوامل كثيرة يجدها الشباب فى الدعاة لذلك يلجأ إليهم مثل اللغة المشتركة والشخصية والمستوى الاجتماعى وطريقة الملبس والتواصل الاجتماعى والسن المتقارب، ويتساءل: كم أخرج الأزهر شيوخاً مثل الشعراوى والغزالى؟ هذه مواهب فردية يمتلكها بعض شيوخ الأزهر وليس جميعهم، ويضيف أنه استطاع أن يفرض نفسه ويتواصل مع الشباب وكل هذا بالعلم والدعوة، ورغم اتجاه الشباب للدعاة يقول إنه لا أحد يستطيع الاستغناء عن الأزهر لأنه المؤسسة الوحيدة التى تمتلك المرجعية للدين الوسطى وأنه لا يمكن أن نقارن شيخاً أزهرياً بالداعية، ويستدل بالشخص الذى يقرأ كتب الطب ولكنه ليس طبيباً تخرج من كلية الطب مهما قرأ من كتب: «التفاف الشباب حول الدعاة أمر لا يقلقنى لأن الأزهر ليس فى منافسة مع أحد، وكل ما يحتاجه الأزهر هو تطوير المسألة التعليمية مثل صيانة المعاهد الأزهرية وتطوير المناهج التعليمية بالإضافة إلى دخول النت فى المعاهد الأزهرية». ويلتقط طرف الحديث الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، ليقول إن لبعض الدعاة تأثيرهم على الشباب لأنهم لا يعتمدون على الأسلوب التقليدى، حيث إن أسلوبهم أشبه بالأسلوب الإعلامى الوعظى يعتمد على خطاب حوارى ومشاركة المتلقى ما يجعل هناك نوعاً من الألفة، وأضاف: «بعض الشباب يعتقدون أن شيوخ الأزهر هم دعاة الحكومة وبالتالى بدأوا يفقدون مصداقية الأزهر، وأيضاً الطريقة الوعظية التى يلجأ إليها بعض مشايخ الأزهر أصبحت إلى حد ما لا تناسب الشباب، ولذلك يجب تغيير الخطاب الدينى والتجاوب مع الشباب وينبغى على الإعلاميين أن يكفوا عن الهجوم على الأزهر».