يمسك بعصاه ليهش بها على غنمه، يتخفى وراء زيه البدوي، يمر إلى جانب معسكر تابع لجيش الاحتلال، يتزامن مروره مع حركة غير اعتيادية لعربات الجيب أو الدوريات التابعة للمحتل، يدرك أن وقت العمل قد حان، يخرج من جيبه أو حقيبته المتواضعة، جهاز لاسلكي خبأه في قطعة قماش، ليتصل بضابط المخابرات، يخبره في شفرات لا يفهما سواهم، عن كافة تفاصيل تحرك الدورية أو أي معلومة عن الجيش الإسرائيلي. "رمال الصحراء في سيناء لا تزال شاهدة على بطولات قام بها رجال من قبائل سيناء أو نساء أو حتى أطفال"، بحسب ما يروي الشيخ نعيم جبر، منسق عام قبائل شمال سيناء، والذي تذكر طريقة تشكيل القبائل أيام حرب الاستنزاف بشكل منظم وضمت عددًا من أبناء القبائل، وكانت مهمتها رصد مواقع العدو وتحركاته وإبلاغ رجال المخابرات والجيش المصري، ورصد تجهيزات العدو في عمق سيناء. تخبئ وجهها وترتدي زيها الأسود، وترعى بضعة أغنام، لتسطر بملامحها البسيطة وزيها الأصيل ملحمة وطنية تتحاكاها الأجيال، تلك هي قصة امرأة سيناوية كانت ترعى الأغنام بالقرب من المواقع والمعسكرات التابعة للجيش الإسرائيلي، فيتم تجنيدها من قبل الجيش المصري، وتتزود بجهاز لاسلكي لتبلغ المخابرات المصرية بمعلومات سرية عن المواقع الإسرائيلية، وترصد كل خطط وتحركات العدو، وهي القصة التي لازال يتذكرها "جبر" ويحكيها لأحفاده جيدًا. "أحمد" هو اسم لبطل قصة جديدة، ونضال وبطولة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فبينما كان يلهو بالقرب من معسكرات الجيش الإسرائيلي، ويلعب مع الجنود الذين يصيبهم الملل من صحراء سيناء الواسعة، كان يرصد كل تحركاتهم وخططهم من خلال أجهزة تنصت زودته المخابرات المصرية بها، ليصبح أصغر مناضل وجاسوس لصالح وطنه في العالم، بحسب ما يروي منسق عام القبائل ل"الوطن". كبر الطفل وذاع صيته، فخاف قيادات الجيش من أن ينكشف أمره، فأرسلوه إلى القاهرة ليكون في مأمن من الجيش الإسرائيلي، وهناك كان في استقباله الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذي استقبله بحفاوة وكرمه، وأشرف على تعليمه حتى تخرج من الكلية الحربية، وأصبح ضابطًا الآن في المخابرات العامة المصرية، لتنتهي قصة نضال طفل سيناوي، ويخلدها التاريخ. في وسط الصحراء، يتجمع عدد من القبائل عام 1967 بدعوة من موشي ديان، فيما سيعرف لاحقًا باسم مؤتمر الحسنة، ووسط حضور قوي لوسائل الإعلام العالمية، قدم موشي ديان، عرضه على قبائل سيناء بتدويل قضيتهم، وتحويل سيناء إلى دولة مستقلة لا تتبع مصر، وبحسب "جبر"، فإن شيوخ القبائل اختاروا رجلًا منهم ليتحدث وكان طليق اللسان، فقال وسط الجمع: "سيناء هي جزء لا ينفصل عن جمهورية مصر العربية، وبناءً على ذلك من يريد أن يتحدث عن سيناء فليذهب إلى حيث يقيم الرئيس جمال عبدالناصر.. انتهى المؤتمر"، كلمات مثلت هزيمة معنوية للجيش الإسرائيلي الذي كان يراهن على وقوف القبائل ضد وطنهم، لكن هذا ما لم يحدث.