بعد انفراد «الوطن» على مدار اليومين الماضيين بنشر التقريرات السرية للدولة عن أحوال الشباب فى مصر، نواصل عرض «التقارير السرية» عن أوضاع الشباب، لكن تلك المرة ليست على المستوى الخدمى أو تحسين مستوى معيشة شرائح شبابية كبرى فقط، ولكن ننشر خطة للدولة نُسيت خلال السنوات الماضية بعدما أعدتها المجالس القومية المتخصصة فى عهد المشرف العام السابق عليها كمال الشاذلى، ونُوقشت بداخلها فى مارس 2004، بواسطة نخبة من الخبراء والعلماء قبل أن يتم رفعها إلى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك بهدف إعداد الشباب ليتولوا المواقع القيادية بها، وتجهيز «رواد جدد» على غرار أحمد زويل، ومجدى يعقوب، وفاروق الباز، وبطرس غالى، ونجيب محفوظ، ورغم مرور قرابة 11 عاماً على التقرير، فإنه يتضمّن خطوات تنفيذية يمكن اتباعها حتى الآن للتنفيذ على أرض الواقع. «المصرى إذا ما توافرت له الإمكانات والأسباب لسد الاحتياجات اللازمة للعمل الريادى؛ أنتج عملاً مبدعاً متميزاً فى مختلف المجالات».. هكذا قال التقرير، الذى حمل عنوان «الإعداد الريادى للشباب»، عن «تميّز الشباب»، مردفاً: «تميزت مصر منذ العصور القديمة بالكثير من مجالات الإبداع فى الفنون، والعلوم، والطب، والهندسة، والزراعة، والصناعة، وغيرها، واستمر هذا التميّز عبر العصور، حتى أصبحت رائدة فى كثير من المجالات على المستويين العربى والأفريقى، بل تعدتهما إلى المستوى العالمى، فظهر من أبنائها رواد كثيرون، منهم على سبيل المثال فى مجال العلوم أحمد زويل، وفى الطب مجدى يعقوب، وفى الأدب نجيب محفوظ، وفى علوم الفضاء فاروق الباز، وفى السياسة الدولية بطرس غالى، وغيرهم الكثيرون». وشدّد التقرير على ضرورة إعداد «رواد متميزين جدد» لقيادة المستقبل، قائلاً: «الشباب ثروة مصر فى حاضرها ومستقبلها، يقوم على أساسه كل ما يتحقّق لها من تنمية ونجاح، وهو الطاقة القادرة على العطاء والإبداع، ويمكن أن يؤدى دوراً مهماً فى التنمية، بمختلف مجالاتها، إذا ما تعرّفنا على حاجاته الأساسية، وحققنا له إشباعها، بما يضمن استمرار التنمية، والنهضة الحضارية الشاملة فى الحاضر والمستقبل». وتابع: «أول متطلبات النهضة الحضارية الشاملة هو ترسيخ كيان القواعد والأدوات اللازمة لعملية التحديث، وتعزيز القدرة العقلية والبدنية للمواطن المصرى منذ طفولته، وهو ما يستلزم رفع مستوى التعليم فى كل المراحل، باعتباره المحور الأساسى للأمن القومى، ورعاية الموهوبين والمبدعين من الشباب للوصول إلى مستوى مرتفع من الأداء والفكر من خلال إتاحة البيئة الملائمة لتنمية هذه القدرة وإطلاقها وحسن الاستفادة منها، وتوفير ما يمكن أن يسهم، ويساعد على نمو إمكانات الشباب، وإزالة كل ما يحول دون انطلاق هذه الإمكانات الكامنة داخله، وتوفير القدر اللازم للحفاظ على لياقته البدنية، والصحية، والنفسية، مع الإعداد القيادى والريادى المناسبين له، للإسهام فى عملية التنمية». وفرّق التقرير بين «القيادة» و«الريادة»، قائلاً: «تمثل القيادة محوراً مهماً فى العمل الجماعى؛ فهى عملية التأثير على الأفراد داخل الجماعة، لتحقيق أهداف لا تتعارَض مع أهداف المجتمع، وهى فن بجانب عمليات الإعداد والصقل والتدريب يعتمد على استعداد الفرد للعمل مع الجماعات، ونقل أفكاره وآرائه بصورة واضحة ومناسبة إلى الآخرين، بجانب قدراته على التعامل مع الجماعات ومواجهتها». وواصل: «قد يبدو من أول وهلة أن القيادة والريادة مترادفان لمعنى واحد، لما يربط بين المفهومين من خصائص ومعانٍ، فإذا كانت القيادة قوة محركة دافعة لجماعة توجههم بأسلوب معين لإنجاز عمل ما؛ فإن الريادة تسمو فوق ذلك إلى التميّز والتفوّق والإبداع، إذ يمهد الرائد الطريق للآخرين؛ فيتقدّمهم ليتبعوه؛ ومن ثم فهو يبدع شيئاً جديداً، ويشاركهم فيه، مستغلاً قدرته الإبداعية كقدوة للآخرين». وأشار إلى أن مفهوم الريادة يُستعمل فى المجال العسكرى ليُعبِّر عن الأفراد الذين لهم القدرة على تقدُّم الصفوف، وإعداد المكان للعمل أو الاستقرار فيه، كما يُستخدم فى المجال المدنى، فيُشار إلى الطالب المتفوّق الذى يتقدّم على الآخرين فى الدراسة ليوصف ب«الطالب الرائد»، كما يظهر العمل الريادى بوضوح فى مواقف الحياة الكشفية والتجوال، وفى مختلف الأعمال والفنون، ومع مختلف الفئات والأعمار، سواء فى الأسوياء أو المعاقين. واستطرد: «يشترك كل من القائد والرائد المبدع فى أن كليهما يؤثر فى الجماعة؛ فالقائد يؤثر فى أفراد الجماعة، ويحقق لهم ما يهدفون إليه، كما أنه يتأثر بأفراد الجماعة، أما الرائد فإن تأثيره قد يتعدّى حدود هذه الجماعة لما لديه من إبداعات وطاقات متميزة، فضلاً عن أن القائد يستمد دوره من الجماعة التى يقودها، والتى تمنحه هذا الدور القيادى، حين تستشعر منه ما قد يُسهم به فى تقدّمهم وتحقيق أهدافهم، بينما يستمد الرائد دوره بما يقدمه من عمل جديد وفكر متطور فى مجال ريادته لتطوير الجماعة». وشدّد التقرير على أن الدراسات والبحوث تشير فى مجال المؤشرات المسبقة إلى الإعداد القيادى والريادى للشباب إلى أن أحداً لا يُولد وهو «قائد ناجح»، أو أنه لا يصلح للقيادة؛ فهناك مجموعة من الصفات تظهر وتنمو فى البيئة التى ينمو ويمر بها الفرد منذ طفولته، تساعده فى دوره القيادى، ومن ثم فإن جانباً كبيراً من السلوك القيادى مكتسب، فالأفراد يدرّبون على القيادة وأصولها وأساليبها، ويكتسبون خبراتهم، فتنمو فيهم المهارات القيادية، ويتحقّق لهم مستوى أفضل من الكفاية والنجاح فى مستقبلهم. ولفت إلى أن «الرائد» يسمو على أقرانه بالتفوّق والإبداع والتطوير فيما يقوم به من أعمال، ويمكن اكتشاف هذه الصفات فى الطفل من خلال حركته ولعبه، سواء فى أسرته التى تلعب دوراً رائداً يشجّعه على هذه الريادة أو داخل فصله بالمدرسة وبالجامعة أو فى عمله ضمن جماعات الأنشطة المدرسية والطلابية، وأنشطة الأسر، ولجان الاتحادات الطلابية بالمدارس والجامعات، وبمراكز الشباب والأندية الرياضية والاجتماعية، وحركة الكشافة والمرشدات بالهيئة أو المؤسسة التى يعمل بها، وكلها ميادين خبرة لممارسة وإظهار قدراته وإبداعاته، حيث تنمو المهارات الريادية والإبداعات، ويتحقق مستوى أفضل من الكفاية والنجاح إذا ما توافرت المقومات اللازمة للنجاح من فرص الإعداد والإظهار والتدريب، واكتساب الاتجاهات والمهارات، والتفاعل مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى يمر بها مجتمع الشباب المحدود، والمجتمع الكبير الذى يعيش فيه ليُساير التطورات الحادثة، علمياً وتكنولوجياً، التى قد تؤثر على فكره وسلوكه، موجهة إياه بالسلب أو بالإيجاب. بيد أن المهارات المميزة الواجب توافرها فى «الرائد» من تفوّق وإبداع، وتجمع ما بين تحدى الصعاب، والإذكاء برؤية للعمل الجماعى، وتمهيد أسلوب العمل لتمكين الآخرين من الاشتراك فى هذا العمل الجماعى، وقد يكون من الرواد الأوائل أصحاب الفكر، والإدارة، والقيادة المبدعة من العاملين فى المجال التعليمى، والتربوى، والبحثى، والسياسى، والاقتصادى، والاجتماعى، والثقافى، والرياضى، والفنى، والإعلامى، والدينى. وشدّد على أن تحديث مصر مرتبط بروادها وقياداتها ممن يقومون بإحداث التغيير، ويتم ذلك من خلال برامج إعداد الكوادر المتفوّقة والمبدعة، تُنتقى بأساليب ومعايير خاصة تُعد وتُوجه ببرامج متخصّصة، تفرز القيادة والريادة القدوة القائمة على التحديث والقادرة على التفاعل والإسهام والعطاء فى العمل الجماعى والإنتاجى، والتفانى فى خدمة الوطن، فى إطار من القيم الدينية والتربوية الراسخة. وعن السمات الواجب توافرها فى الشخصية الريادية عند اختيارها، أكد التقرير: «تنبع هذه السمات من نظرية الريادة التى تشير إلى وجوب توافر مجموعة من السمات الشخصية التى تُميّز الرائد عن غيره من القيادات، وقد وضع مؤيدو هذه النظرية عدداً من القوائم تضم سمات مشتركة بين القائد والرائد كالذكاء والقدرة العلمية والاستقلالية والثقة بالنفس والنضج الانفعالى واللياقة والحيوية والاقتناع بالعمل، إلا أن هذه النظرية قُوبلت عند تفسيرها من رواد فى مجالات التنمية والتربية ببعض الاعتراضات، حيث إن الرواد يمتلكون سمات ومؤهلات تتعدى ما يتسم به القائد، مثل المبادأة والإبداع والتميُّز والتفوّق والقدرة على الحوار، لذلك يرى مؤيدو هذه النظرية أن الرائد يجب أن يتسم، بالإضافة إلى ما سبق بحب الناس، والحماس للعمل الريادى، والصدق والثقة بالنفس، والتمتُّع بروح المرح، والصبر والتفاؤل، والاستقامة والعدل، والقدرة على الملاحظة والمراقبة، والقدرة على التخيُّل والإبداع، والعمل بأسلوب ديمقراطى، والقدرة على الاتصال، وتطبيق المهارات الإنسانية، والقدرة على تطوير الذات واتخاذ القرار». وأردف: «إذا ما توافرت هذه السمات فى القائم بالعمل مع الجماعة، مكنته من التفاعل بنجاح معهم، والتأثير فى سلوكهم، وصولاً إلى تحقيق الأهداف، فى إطار من العلاقات الإنسانية المبنية على أساس من الثقة المتبادلة، والاحترام، والعلاقات الطيبة بين الأفراد، بالإضافة إلى أن المهارات الإنسانية لدى الرائد تتضمن مدى كفاءاته فى التعرّف على متطلبات العمل مع الجماعة، ومعرفة احتياجاتهم، وتحقيق الرضا النفسى لديهم، وتأكيد الثقة المتبادَلة بين الرائد والجماعة».