إلى الموكوس خايب الرجا.. مرسى أكتب إليك فى محبسك، وكلى يقين أنك لن تقرأه، فمثلك لا يجيد القراءة، لو فعلتها يوماً ما كنت انتُزعت من كرسى لا يليق بك، لتعود إلى زنزانة هى الأنسب لك على الإطلاق.. أكتب إليك لا لأطمئن على صحتك «فمثلك لا يمرض»، ولا لأطمئن على أعصابك «فمثلك لا يشعر»، ولا لأطمئن على صمودك، فمثلك لا يعرف معانى الصمود والمبادئ لأنه يوماً لم يتحلَّ بها. أكتب فقط «لأذكرك وأنكّد عليك»، لأطمئن على مرارتك، لأتابع اكتئابك وهو يزيد بمعدل سريع مع كل إنجاز تحققه مصر، ومع كل تصفيق يناله السيسى، أكتب لأن الكتابة هى الفعل الوحيد الذى انتعش فى عهدكم بالفعل، فلم يكن وقتها للعمل أى معنى، وكانت الكتابة ضدكم هى الفعل الوحيد المؤجر عليه، هى الملاذ لملايين صبروا وصابروا من أجل «عيش - حرية - عدالة اجتماعية»، ولم يتحقق لهم من العيش سوى الفتات، ومن الحرية سوى تلك التى لا تتعارض مع أفعالكم، ومن العدالة الاجتماعية سوى تلك التى تؤمنون بها وتعتقدون وهماً أنها عدالة وأنها اجتماعية. أكتب إليك وأعلم جيداً أن الإنجاز لم يكن من مفرداتك، وأن الانتماء الحقيقى الذى تدين له هو انتماؤك للجماعة، وأن انتماء الوطن لم يوجد يوماً فى أدبياتكم التى ورثتموها عن «بَنَّا» الإرهاب، و«قطب» القتل.. أكتب لأعلمك بما تفعله الدولة المصرية، بما عاد لها من كرامة وعزة ودور ومكانة فقدتها على أيديكم، بما حققته فى غضون شهور، ليس بفضل شخص رئيسها، فهو واحد من مجموع أراد أن يعمل وينهض، لكن بما تحققه لها إرادة أبناء قرروا فجأة وعلى غير عادتهم أن «تحيا مصر». لا أؤمن بالبطل الأوحد الذى رسخته الدراما فى عقول المصريين، المنطق ينافى أن شخصاً يقوم بكل الأدوار ويضطلع بالبطولة وحده، لا بد له من معاونين ولو بأدوار أقل، هكذا هو السيسى، ليس وحده بطلاً للحدث، حتى لو منحناه شرف بطولته، يشاركه ملايين آخرون، لم يظهروا معه فى صورة، ولم يلتقطوا له «السيلفى» ولم يدافعوا عنه بمقالات، فقط صدّت دعواتهم له عشرات العثرات التى كانت لتعترض طريقه فى رحلة البناء. أعلم من هؤلاء كثيرين، بل ملايين من المصريين، تجاوزوا عن فتات اللقمة، صبروا على هامش الحرية، عطلوا مطالبات العدالة الاجتماعية، منحوا الفرصة لمن منحهم الأمل، وأقروا قاعدة المساندة بالصمت والصبر، الصمت عن الاحتياجات والصبر على الأمنيات، لتبدأ إرهاصات التغيير تحل واحداً تلو الأخرى، لا يغفلها سوى عين لا ترى، وأذن لا تسمع، وقلب لا يود الفهم. تقول الأسطورة إن «من حبنا حبيناه وصار متاعنا متاعه، ومن كرهنا كرهناه يحرم علينا اجتماعه» هكذا يؤمن المصريون، وأنا معهم، هذه الأسطورة هى ملخص للحالة التى أصبحنا فيها، لا سيما بعدما أتت أُكُلها وتراءت النتائج قريبة، ممكنة، قابلة للتحقق، ما زرع مزيداً من الثقة فى الرجل، رغم أن المطالب الثلاثة لم تتحقق بعد، فلم ينعم المصريون حتى اللحظة بالعيش ولا الحرية ولا العدالة الاجتماعية، وإن زاد يقينهم فى تحققها. ■ إلى شعبى الصبور الحبوب المجاهد المكافح.. ليس لدىّ خيارات فى توجيه الشكر، فلو كان للرئيس السيسى دور، فإن لكل مصرى آمن به وسانده ولو بالصمت دوراً أعظم وأعمق، فلماذا لا نحيّى أنفسنا على إنجازنا، لماذا لا نكرم هذا الدور ونعليه، ولماذا لا نحرق دمهم ونفقع مراراتهم ونذكرهم بخيبتهم؟