(1) تنشأ المؤسسات العسكرية للدول بهدف الدفاع عن حياة الشعوب وأمنها وحريتها وهويتها وسلامتها وأعراضها وأموالها، وحماية الأوطان بكل ما تمثله وتتضمنه من حرمات ومقدسات.. وبقدر ما تكون المؤسسة العسكرية قوية وعفية، بقدر ما تكون الشعوب والأوطان عزيزة، ومصانة، ومرهوبة الجانب، لذا لا عجب أن المؤسسة العسكرية هى العمود الفقرى لأى دولة، وتمثل المحافظة عليها والعناية بها محافظة على الحياة والوجود، فضلاً عن السيادة والحرية والعزة والكرامة، وتتميز المؤسسات العسكرية بالانضباط الصارم والالتزام الجاد فى كل شئونها، الإدارية والتنظيمية والفنية والمالية والتدريبية.. إلخ، ولا يعنى هذا أن يفقد الفرد داخلها -عند أى مستوى- عقله وفكره وحقه فى أن يناقش ويحاور ويفهم، حتى يطمئن قلبه ويرتاح فؤاده وتدعم ثقته فى قياداته، وهذا ضرورى للغاية للارتقاء بأدائه. إذ لا شك أن هناك فارقاً كبيراً بين من يؤدى واجباً عن رضا وقناعة وإيمان، ومن يؤديه على خلاف ذلك، فالأول عادة ما يكون أداؤه راقياً ورائعاً وعظيماً، ويكون استعداده للبذل والتضحية والفداء جليلاً ونبيلاً، أما الثانى فيكون أداؤه متواضعاً ومحدوداً، واستعداده للبذل والتضحية والفداء فى أدنى درجاته، ولكى يكون أداء المؤسسة العسكرية عظيماً، فلا بد من توفير كافة الوسائل والآليات والإمكانات لها. لا تنتظر من هذه المؤسسة أداء متميزاً، وأنت تحرمها من كل أو بعض الأساسيات الضرورية واللازمة، إذ ينبغى أن يتم إمدادها بأحدث أنواع الأسلحة، ودعمها بكل الوسائل التقنية المتقدمة والمتطورة، والتدريب عليها واستيعابها بشكل كامل. إن المؤسسة العسكرية -بكل فروعها ومجالات عملها- ليست قوالب جامدة، فهى تتطور فى رؤيتها، وتكتيكاتها، ووسائلها، وأساليبها، وأدواتها، تبعاً للظروف المحلية والإقليمية والدولية. صحيح أنها لا تعمل بالسياسة، لكنها تؤثر فيها وتتأثر بها.. وغنى عن البيان، أن المؤسسة العسكرية المصرية تمتلك، فى القديم والحديث، تاريخاً مشرفاً، يدعو إلى الثقة والفخر والاعتزاز.. يكفى ما فعلته فى حرب أكتوبر عام 1973، والتى ما زالت أصداؤها تتردد إلى يومنا هذا. (2) لا بد من الاعتراف والإقرار بأنه لولا المؤسسة العسكرية أثناء ثورة 25 يناير، لتفككت أوصال مصر وانفرطت حبات عقدها، مع ذلك، كانت الثورة فرصة كبرى لجماعات التكفير والعنف والإرهاب للخروج من جحورها والظهور علناً بإعلامها وتجمعاتها، فضلاً عن وصول السلاح إليها من كل حدب وصوب، كما كانت فرصة أيضاً للانتهازيين ولصوص الأوطان -الذين لا علاقة لهم بالثورة- أن يتحولوا إلى ثوار، يطالبون «بحقهم» فى الثروة والسلطة. لم يكفهم ما نالوه واستولوا عليه خلال العقود الثلاثة التى حكم فيها مبارك. أرادوا استكمال مسيرتهم فى الحصول على المزيد والمزيد، فهؤلاء نهمون، لا يشبعون، أما الذين عاشوا على هامش الحياة، وخارج التاريخ، فلا مكان لهم. هم أيضاً استكملوا -رغم أنوفهم- مسيرتهم فى المعاناة التى لا تتوقف ولا تنتهى. اختلاط الحابل بالنابل كان السمة العامة التى تميز المشهد العام، وكانت التظاهرات الفئوية فى كل مجال وميدان، هى الطريق الوحيد للحصول على المأرب. (3) وجاء الإخوان إلى الحكم، لا ليقيموا وطناً يتعايش على أرضه الجميع، وإنما ليسيطروا عليه ويتحكموا فيه من خلال اختراق كل مؤسسات الدولة والنفاذ إلى مفاصلها: الجيش، الشرطة، القضاء، والإعلام، علاوة على مؤسسات المجتمع المدنى، عقدوا صفقات مع جماعات التكفير والعنف والإرهاب، بحيث تتوافر لديهم المعسكرات والتدريبات، والسلاح بكافة أشكاله وألوانه، فى مقابل ألا يصدر منهم ما يعكر الصفو، وأنهم -أى الإخوان- سيلتزمون بتطبيق الشريعة (!) فى نفس الوقت، تظل هذه الجماعات رصيداً يعتمدون عليه ويستعينون به فى مواجهة مؤسسات الدولة إن هى أبدت رفضاً أو تمنعاً، وقد لعبت الإدارة الأمريكية وتوابعها (الاتحاد الأوروبى، تركيا، قطر، ليبيا)، دوراً فى ذلك، من أجل تحقيق أهداف المشروع الصهيوأمريكى فى التحكم والهيمنة للمنطقة العربية وضمان أمن وأمان العدو الصهيونى، وفى مقابل ماذا؟ أن يظل الإخوان فى السلطة إلى الأبد، لكن «جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن»، بعد أن أساء الإخوان استخدام السلطة وفشلوا فى إدارتها، وهو ما دفع عشرات الملايين من المصريين إلى الثورة عليهم فى 30 يونيو. (4) وللمرة الثانية، يبرز دور المؤسسة العسكرية استجابة لإرادة المصريين، ففى 3 يوليو، أطاحت بحكم الإخوان، ولولا ذلك، لانزلق المجتمع المصرى إلى حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله، ولأصبح الاستقلال الوطنى فى خبر كان. فشلت إذن خطة التمكين، وبزغت شمس الحقيقة واضحة وجلية، وهى أن من يريد تحقيق مصالحه على أشلاء الوطن، لا بد أن يسقط، وبدلاً من مراجعة الذات وتصويب المواقف، حرصاً على مصر واستقرارها وأمنها، باعوها. ازدادوا غياً وضلالاً. أعلنوا الحرب على المؤسسة العسكرية، بل على المجتمع كله، حيث تماهوا مع جماعات التكفير والعنف والإرهاب، ورغم عنف المواجهة وعظم التضحيات، فإن هذه المؤسسة الوطنية العريقة لم تدخر وسعاً فى التصدى لها، وملاحقتها، وتعقبها، وتوجيه ضربات موجعة لها، وبلغ الغى والضلال بالإخوان وأنصارهم أن دعوا المؤسسة العسكرية للانقلاب على قياداتها، نسى هؤلاء أنها وحدة واحدة، لا تقبل التفتت أو التفكك، وفشلت المحاولات، وكان لا بد أن تفشل، فانقلاب المؤسسة على قياداتها لا يخدم الشعب ولا الوطن، وإنما يخدم أعداءهما. إن تماسك المؤسسة العسكرية، من الرأس حتى القدم، ومن أعلى قائد حتى آخر جندى فى الصف، هو مصدر قوتها، وبالتالى قدرتها على الوفاء بمسئولياتها بكفاءة عالية، فى الحرب والسلم على سواء. تخيل معى، عزيزى القارئ، مؤسسة عسكرية تسرى فيها روح التمرد والعصيان وعدم الامتثال للاوامر أو التعليمات. سوف نجد أنفسنا أمام فوضى واضطراب، يستحيل معهما حماية الأوطان والذود عن الحرمات والمقدسات. ومن نافلة القول التذكير بأنه لولا المؤسسة العسكرية، ما كان للمؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ أن ينعقد بهذا الشكل المبهر والرائع، فلها منا كل التحية والإجلال والتقدير.