مضت سنة منذ فناء الجسد، لكن روحك التى دائماً أشعر بها ستظل حولى، لأنها قطعة من روحى، أستمد منها قوتى، ستظل شعاع نور يضىء قلبى. رغم أن الفقد لا يعنى نهاية الوجود لكنه يوجع الغارقين فى ذكريات الأحبة، وهذا لا يمنع أن الروح تكمل رحلتها فى قلب الذين لم ولن ينسوها، مثل ملاكٍ حارس يرافقنا ويرشدنا نحن القادرين على الشعور الفعلى بكل ما يحمله الفؤاد من حقيقة الحياة والموت، والحب النقى غير المشروط الذى خُلقنا به جميعاً، وسيظل هو الأساس. افتقدت حضناً ودفئاً لم أكن أتوقع انقطاعه المفاجئ، ولا غيابه الأبدى فى غمضة عين، حيث تحولت الحياة إلى اختبار عبور لمرحلة لاحقة من حياتى وتجربة أليمة، لا محالة من التعرض لها فى مرحلة ما، حينها ينقلب عالمنا ومفاهيمنا رأساً على عقب، ونرى أن للحياة معنى يمكننا فقط أن نبدأ فهمها عند مواجهتنا الموت المفاجئ، فيتمكن منا الحزن على مَن كانوا فى حياتنا منذ أول صورة رأتها أعيننا وصوت تردد فى عقولنا. رأيت نفسى فيك قبل أن يتشكل الوعى داخلى، كنت دائماً لصيق الصلة بى وبتفاصيلى، كنت تقول لى دائماً: «هذا الشبل من ذاك الأسد» جملة نرددها كثيراً ونضحك عند التحدث عن كل الصفات والأفعال التى تجعلنى نسخة مصغرة منك، حتى أصدقاؤك كانوا يطلقون علىّ لقب «الكردوسى الصغير»، وذلك كان ترجمة صادقة لمدى التشابه الروحى بيننا، أكثر من ملامح الشكل التى ورثتها من وسامتك. كم أتمنى لو عاد بنا الزمن وجاد علىّ بفرصة أخيرة، لأخبرك عن مدى حبى وتقديرى لك، واشتياقى إلى كل لحظة كنا نتشاركها معاً، نتحدث فى أمور شتى بقلب مفتوح كأننا صديقان، تستغرقنا المناقشات والأحاديث المختلفة، كونية وفلسفية وروحانية ودنيوية، أتذكر كيف كنا نلهو ونضحك ونمرح معاً كأننا طفلان يتعرفان على بعضهما، أتذكر كيف كنت تحدثنى عن الموسيقى والحب والحياة بكل تناقضاتها، آه لو تعلم مدى امتنانى وسعادتى، لأنك كنت تشجعنى، وتقدر موهبتى وفنى ونظرتى إلى الحياة، كنت ترانى على حقيقتى دون رتوش، وكيف كانت لديك القدرة على فهمى واستيعابى دون حواجز؟ كم أتمنى فرصة أسبر لك أغوار نفسى وأذكّرك كم تعنى لى، وكم أفتقد أحاديثنا معاً حتى لو كانت تافهة أو جدية، لكن باغتتنى الحياة بقسوة، وذكرتنى بأنك غير موجود. لقد اختطفك الموت منى قبل أن أدرك معنى الفقد، وأتجرع مرارته، وأعيش كوابيسه، قبل أن أتمكن من العيش فى رحاب عاطفتك وعطفك، لكن روحك السامية لا تزال ترفرف حولنا ولن تختفى أبداً. يربكنى واقع مرور عام كامل منذ رحيلك، فالزمن توقف عند تلك اللحظة الفارقة من حياتى، لكن على الرغم من غيابك الجسدى عن دنيانا، وعدم قدرتى على لمسك أو احتضانك مرة أخرى، يتعاظم وجودك داخلى أكثر وأكثر يوماً بعد يوم. تفقد الكلمات أى معنى أو مغزى عند رؤيتى لصورك وأشعر بمدى افتقادى إليك، حينها يتحدث فقط نهر الدموع المنهمرة من أعماق قلب فتاتك الصغيرة التى لا تكف عن البكاء قائلةً: «أريد أبى». «محمود» كما كان يحلو لك أن نناديك.. فخورة بك أباً وصديقاً ومعلماً وكل معنى جميل علمتنى إياه فى هذه الحياة، فخورة وممتنة كونى جزءاً منك. أشعر بروحك دائماً تحوم حولى، مع كل شروق للشمس، مع كل إحساس بأن الحياة لا تكتمل إلا بك، كل أغنية أستمع إليها أتخيل أنك ستكون مستمتعاً ومعجباً بها، وكل لوحة فنية أرسمها، أتخيل رد فعلك وإحساسك بها، كل كوب من الشاى، وكل مزحة، وكل فعل، أوقن أنه نابع من «الكردوسى» الذى بداخلى، وتضحك عليه معى من عليائك. أحبك دائماً وأبداً وستظل حياً فى قلبى حتى نلتقى من جديد.