أبناء سيناء: الإرهاب أوقف الحياة وشهدائنا مع الشرطة والجيش طهروها بدمائهم    4 أيام متواصلة.. موعد إجازة شم النسيم وعيد العمال للقطاعين العام والخاص والبنوك    بعد ارتفاعها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وغرامات التأخير    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 3 مايو 2024 في البنوك بعد تثبيت سعر الفائدة الأمريكي    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    إسرائيل تؤكد مقتل أحد الرهائن المحتجزين في غزة    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    إبراهيم سعيد يهاجم عبد الله السعيد: نسي الكورة ووجوده زي عدمه في الزمالك    أحمد شوبير منفعلا: «اللي بيحصل مع الأهلي شيء عجيب ومريب»    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    جمال علام يكشف حقيقة الخلافات مع علاء نبيل    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    فوز مثير لفيورنتينا على كلوب بروج في نصف نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد ناجي قمحة يكتب: «الجمهورية الجديدة.. مصر والسعودية قاطرة الاعتدال والتحديث في الوطن العربي والإقليمي»
نشر في الوطن يوم 15 - 02 - 2023

أمام القمة العالمية للحكومات التى عُقدت فى دولة الإمارات العربية المتحدة، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الشكر مجددا للأشقاء العرب، وطالب الشعوب العربية بعدم السماح للأقلام والأفكار ومواقع التواصل المغرضة أن تؤثر فى الأخوَّة التى بيننا.
وأقسم الرئيس قائلا: "والله والله والله لولا الدعم الذى قدمه الأشقاء العرب لمصر بعد 2011 لم نكن لننجح"، وأضاف متابعا: "عقب بيان 3 يوليو، أبلغت بأن الشيخ محمد بن زايد سيزور مصر ومعه وفد من دولة الإمارات، وهذا كان أول لقاء بيننا، كان المصريون وقتها يقفون فى طوابير على محطات الوقود ومستودعات البوتاجاز ولا يوجد سولار ولا بنزين، وفى ذلك الوقت أمر الشيخ محمد بن زايد السفن بتغيير مسارها من البحرين المتوسط والأحمر وتوجيهها إلى مصر محملة بالبوتاجاز والغاز والسولار والبنزين".
وأضاف الرئيس قائلا: "نحن نتعلم نخلى بالنا من بلادنا، ودى الرسالة التى كنت أقولها على طول خلال السنوات الماضية؛ لأن الأمان والسلام والاستقرار مهم للحفاظ على أى دولة، وده كان حال مصر وقتها، وحال كثير من الدول فى المنطقة".
وتابع الرئيس قائلا: "أذكر المصريين وأذكر نفسى بذلك بعد الأحداث التى مررنا بها والشيخ محمد فى ذلك الوقت نظم مع الأشقاء العرب الدعم الذى سيقدم لمصر.
وكشف الرئيس السيسى عن بعض تفاصيل لقائه الذى عقده مع الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات عقب وصوله إلى أبو ظبى أمس الأول، قائلا: "كنت أجلس مع الشيخ محمد رئيس الدولة، وطلبت منه تعزيز مساعداته لسوريا"، وقلت له: "علشان خاطر ربنا ساعدوا سوريا بسبب الأحداث الأخيرة التى يمر بها السوريين"، فقال لى "احنا بنبعت 8 طائرات بمساعدات كل يوم وأنا طلبت منه زيادتها.
وتابع الرئيس: "أقول للشعب الإماراتى لا تحزنوا أبدا أنكم تفعلون ذلك مع أشقائكم، ولكن افتخروا وتشرفوا واسعدوا أنكم تفعلوه لإخوانكم"، مؤكدا أنه: "لولا المساعدات التى قدمها الأشقاء العرب لمصر فى الظروف التى مرت بها كان لا يمكن أبدا لمصر أن تتجاوز ما كانت فيه".
وأشار إلى أن الاحتياطى الأجنبى الذى كان موجودا فى البنك المركزى فى هذا الوقت عقب 2011 وحتى 2013 قارب على النفاد بعد استهلاكه فى شراء المواد البترولية ومتطلبات وسلع الشعب اليومية.
وأكد مجددا قائلا: "إنه لولا وقوف الأشقاء فى الإمارات والسعودية والكويت مع مصر لم تكن مصر لتقف ثانية على قدميها"، وأضاف قائلا: "قرأت لأحد الكتَّاب يطلب إزالة كلمة الأشقاء العرب من القاموس، وأريد أن أرد عليه بأن الله سبحانه وتعالى قال "إنما المؤمنون إخوة" ونحن أشقاء وإخوة، وكل التقدير والاحترام لكل من ساهم وساعد أى دولة عربية وربنا يديم عليكم الستر والأمان والنعم والسلام".
ثوابت عربية فى سياسة مصر الخارجية
كان الرئيس السيسى قد سبق أن صرح خلال افتتاح المرحلة الثانية من مدينة الصناعات الغذائية "سايلو فودز"، يوم الخميس الذى سبق انعقاد القمة، بأن: "علاقة مصر رشيدة ومتزنة مع الجميع، خاصة الأشقاء فى السعودية، ولا تنسى موقف المملكة الداعم لها عقب ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن سياسة مصر تتسم بالانضباط الشديد، وناصحا بعدم التجاوز والانسياق وراء أمور لا أساس لها من الصحة، أو الانجرار وراء مواقع وصفحات مغرضة تهدف للإساءة والوقيعة بين الدول".
ودلل الرئيس السيسى على كلامه، قائلا: "إنه رغم وجود أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، لم تصدر كلمة واحدة تُسيئ للإثيوبيين، موضحا أن مصر علاقتها طيبة بالجميع والدول الشقيقة، وحتى لو وجدت أزمة مع دولة شقيقة فسيتم تجاوزها، مؤكدا أنه فى عز الأزمة مع أطراف عربية كان يقينه أنه سيتم تجاوزها؛ لأن ما بين العرب من مصالح استراتيجية أهم وأبقى". مشددا على: "أن سياسة مصر تتسم بالتوازن الشديد فى الداخل والخارج، موضحا أنه يتابع جميع مواقع التواصل الاجتماعى، داعيا للحرص على العلاقات مع الدول الشقيقة".
كلمات الرئيس السابقة، جاءت بعد أن حاولت بعض الأقلام والأصوات والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى إحداث الوقيعة بين مصر وأشقائها العرب، وبالتحديد المملكة العربية السعودية، متجاوزين وغافلين جميعا ثوابت السياسة المصرية تجاه العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، التى تُعلى من أساس احترام الدول والشعوب الشقيقة، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، والدعوة الدائمة إلى التضامن العربى ووحدة الصف ورأب الصدع، والارتفاع عن الصغائر ونبذ الخلافات وتقريب المسافات، وتعظيم القواسم المشتركة بين الأشقاء، بهدف تحقيق التكامل العربى وصون الأمن القومى العربى.
ويحسب للدولة المصرية بالتعاون مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ومملكة البحرين، إعادة إحياء مفهوم الأمن القومى العربى، بآليات حديثة تتناسب وواقع التحديات الإقليمية والدولية، بل القدرة على التجاوز عن خلافات ضيقة حاولت تمزيق المواقف العربية الموحدة تجاه ثوابت رئيسية ما قرَّب المسافات بين دول وأعاد اللُحمة العربية.
بما مكننا من إعادة صياغة خطاب عربى موحد ثبتت فاعليته فى القمة العربية الأمريكية والقمة العربية الصينية، لكى تتمكن قوة الدفع الرباعية تلك من إعادة الفاعلية لمفاهيم طالما استهدفت على مر السنوات الماضية، وعلى رأسها الحفاظ على الدولة الوطنية، والحفاظ على الجيوش والمؤسسات الوطنية، وحق الشعوب فى تقرير مصيرها.
كل ذلك فى إطار الكرامة الوطنية وإعلاء القيم والمبادئ الأخلاقية فى العلاقات بين الدول واحترام القادة والزعماء، والتأكيد على أن مصر القوية حائط صد لعروبتها، يقوون بها وتقوى بهم.
وهى البديهيات التى أكدها فخامة الرئيس مبكرا فى فبراير 2016 لدى لقاء سيادته مجموعة من الإعلاميين الكويتيين، والتى يكررها دائما، ومنها تم صك مبدأ "مسافة السكة" للتدليل على قوة الروابط التى تجمع مصر بأشقائها فى الخليج، وقال فيها نصا: "إن مصر على أهبة الاستعداد للدفاع عن "أشقائها" فى الخليج فى حال تعرضهم ل"تهديد مباشر"، وأن الجيش المصرى سيكون فى "مسافة السكة" حال تطلب الأمر، مؤكدا أن القوات المسلحة المصرية هى "جيش كل العرب"
وأضاف: "أن مصر تحترم إرادة الشعوب ولا تتدخل فى شئون الدول الأخرى ولكنها قادرة على صد أى هجوم، والرد على أى اعتداء أو تهديد مباشر سواء عليها أو على أشقائها، مؤكدا أنه: "لا توجد أفضال بين الأشقاء، وإنما كل الحب والتقدير والاحترام، وأن مصر لو كان لديها ما يكفى من الإمكانات لما كانت ستتوانى عن تقديم كل الدعم لأشقائها العرب".
مصر والسعودية.. نمذجة العلاقات التكاملية
وسط كل ذلك، تعد العلاقات المصرية السعودية ركيزة لاستقرار المنطقة العربية بأسرها، ويكمن ذلك فى طبيعة العلاقات الأخوية الممتدة التى تجمع البلدين الشقيقين على مر التاريخ.ويكمن خلف هذه العلاقات المتميزة، المكانة والقدرات الكبيرة التى تتمتع بها البلدان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، فعلى الصعيد العربى تؤكد الخبرة التاريخية أن القاهرة والرياض هما قطبا العلاقات والتفاعلات فى النظام الإقليمى العربى، وعليهما يقع العبء الأكبر فى تحقيق التضامن العربى والوصول إلى الأهداف الخيرة المنشودة التى تتطلع إليها الشعوب العربية من المحيط الأطلسى إلى الخليج العربى.
كما أن التشابه فى التوجهات بين السياستين المصرية والسعودية يؤدى إلى التقارب إزاء العديد من المشكلات والقضايا الدولية والقضايا العربية والإسلامية مثل الصراع العربى-الإسرائيلى والقضية الفلسطينية، ومن هنا كان طبيعيا أن تتسم العلاقات السعودية المصرية بالقوة والاستمرارية .
وثمة مزيد من الخصائص والمرتكزات تتعلق بالعلاقات السعودية المصرية وتضفى عليها قدرا أكبر من التميز والخصوصية، كما يلى:
العلاقات السياسية:
لقد أدرك المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود بكل وضوح الأهمية الاستراتيجية للعلاقات المصرية السعودية، وانتهى إلى مقولته الشهيرة "لا غنى للعرب عن مصر – ولا غنى لمصر عن العرب"؛ فمنذ أن بدأ المغفور له بناء الدولة السعودية الحديثة عام 1902 حرص على إيجاد علاقة قوية مع مصر .
وتم التوقيع فى عام 1926 على معاهدة صداقة بين البلدين، ثم وقعت اتفاقية التعمير بالرياض عام 1939 التى قامت مصر بموجبها بإنجاز بعض المشروعات العمرانية فى المملكة، وكان لمصر والمملكة دور كبير فى التوقيع على ميثاق تأسيس جامعة الدول العربية بالشراكة مع خمس دول عربية أخرى، ثم كانت زيارة المغفور له الملك عبد العزيز إلى مصر دفعة قوية للعلاقات بين البلدين.
وقد أيدت المملكة مطالب مصر الوطنية فى جلاء القوات البريطانية عن الأراضى المصرية، ووقفت إلى جانبها فى الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفى 27 أكتوبر عام 1955 وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين؛ حيث رأس وفد المملكة فى توقيعها بالقاهرة المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز.
وفى أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقدمت المملكة لمصر فى 27 أغسطس 1956 (100 مليون دولار) بعد سحب العرض الأمريكى لبناء السد العالى، وفى 30 أكتوبر أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثى على مصر.
وعقب العدوان الإسرائيلى على الدول العربية مصر وسوريا والأردن عام 1967، توجه المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود.
واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر 1973، حيث أسهمت المملكة فى الكثير من النفقات التى تحملتها مصر قبل وفى أثناء الحرب، وقادت المملكة معركة البترول لخدمة حرب أكتوبر، وجاءت هذه الحرب بنتائجها العسكرية السياسية لتثبت حقيقة استراتيجية مهمة هى؛ أن لقاء مصر والمملكة على استراتيجية واحدة ممثلة فى التنسيق الشامل يمكن أن يحقق الكثير للأهداف والمصالح العربية العليا.
وأسهم قرار الدول العربية بحظر تصدير النفط للدول المؤيدة للعدوان الإسرائيلى، الذى أدت السعودية والإمارات فيها دورا قياديا فيه فى تقوية الموقف العربى، ومسارعة الولايات المتحدة إلى العمل على حل الصراع، كما أدى فى الوقت ذاته إلى ارتفاع أسعار النفط، ما أفضى إلى ازدياد الوزن الاقتصادى والسياسى للمنطقة العربية برمتها، خاصة دول الخليج، وإطلاق الطفرة النفطية التى جعلت المنطقة العربية واحدة من أهم مناطق العالم، التى تبحث القوى الدولية عن سبل تقوية العلاقات معها.
وخلال حقبة الثمانينيات، دعمت مصر الأمن القومى لدول منطقة الخليج العربية فى مواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية، كما حدث خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم أسهمت مصر - بقوة - فى التحالف الدولى الذى نفذ عملية (درع الصحراء) بعد الغزو العراقى للكويت، ثم شاركت مصر فى عملية (عاصفة الصحراء)، التى حررت الكويت من الاحتلال العراقى عام 1991.
وازدادت أواصر العلاقات بين البلدين قوةً بعد ذلك، عبر التعاون فى مختلف المجالات، كما دعم البلدان الشعب الفلسطينى فى جهوده لنيل حقوقه المشروعة عبر عملية السلام التى أطلقت فى التسعينيات بفضل ضغوط الدول العربية، وفى مقدمتها مصر والسعودية على الولايات المتحدة والمجتمع الدولى، ودعمت المملكة العربية السعودية أيضا بكل ما تملك من قوى للتأثير الدبلوماسى ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013.
مصر والسعودية فى عهد السيسى وسلمان
وبلغت العلاقات المصرية السعودية ذروتها فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ حيث تعددت الزيارات المتبادلة بين الجانبين.
وفى يوليو 2015 على سبيل المثال، صدر إعلان القاهرة فى ختام مباحثات الرئيس السيسى وولى العهد السعودى محمد بن سلمان، وتضمن تأكيد مصر والسعودية على تطوير التعاون العسكرى والتكامل الاقتصادى والاستثمارات المتبادلة بين البلدين.
وأبرم البلدان - فى عهد الرئيس السيسى والملك سلمان - عددا من الاتفاقات المهمة، ففى عام 2016، وقع الرئيس السيسى والملك سلمان بقصر عابدين، 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، تدشينا للشراكة الإستراتيجية بين البلدين. كما وقع البلدان - بعد ذلك - اتفاقات أخرى، مثل اتفاقية التعاون الجمركى بين مصر والسعودية، واتفاقية بشأن استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودى فى مصر.
وشمل التنسيق والتعاون بين البلدين مختلف المجالات من الشئون السياسية إلى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والرياضية، وهو التعاون الذى عزز حالة الشراكة الكبيرة القائمة أصلا بين البلدين، حيث ظهر واضحًا فى التبادل الاقتصادى الكبير بين البلدين؛ حيث تشير إحصاءات لوزارة التجارة والصناعة المصرية إلى أن السعودية تعد أكبر شريك تجارى لمصر فى منطقة الشرق الأوسط، فقد قفز حجم التبادل التجارى بين البلدين خلال عام 2021 مسجلا 4.3 مليار دولار مقابل 3.2 مليار دولار خلال عام 2020 بنسبة ارتفاع بلغت 34%، فيما تتصدر المملكة، الدول العربية المستثمرة فى مصر.
وجاءت آخر زيارة لولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، إلى مصر لتؤكد متانة العلاقات المصرية السعودية وتناميها فى جميع المجالات والقطاعات، ولعل المحور الاقتصادى قد شهد نموا ملحوظا فى ظل القيادتين المصرية والسعودية خلال السنوات الماضية، ما يعد الترجمة الطبيعية للعلاقات المُميزة بين البلدين.
كما نجد أن الجالية المصرية فى السعودية هى ثانى أكبر الجاليات فى السعودية؛ حيث يسهم أبناؤها فى تعزيز قطاعات الاقتصاد السعودى، ويمثلون جسرا اجتماعيا وثقافيا للعلاقات بين البلدين. كما أن الطلاب السعوديين المبتعثين إلى مصر يمثلون نسبة كبيرة من المبتعثين العرب والأجانب؛ حيث أسهمت الجامعات والمؤسسات التعليمية المصرية فى تخريج أعداد كبيرة من الطلاب السعوديين الذين خدموا بلادهم وكانوا سفراء للعلاقات المصرية السعودية.
من جهة أخرى، فقد بلغ التنسيق بين مصر والسعودية مستوى كبيرا؛ حيث أسهمت الدولتان فى مكافحة التطرف؛ إذ يتبوأ البلدان مكانة فريدة فى المجال الدينى، فالمملكة العربية السعودية، هى الأرض المقدسة التى نزلت بها الدعوة النبوية، ومصر هى أرض الكنانة وبلد الأزهر الشريف، ومعقل دراسة اللغة العربية والحضارة الإسلامية، والبلد الذى استقبل هجرة السيد المسيح. وبذل البلدان - خلال السنوات الماضية منذ القمة التى جمعت زعيمى البلدين بالرئيس الأمريكى الأسبق ترامب - جهودا كبيرة لدحض الفكر المتطرف، وتقديم نموذج يعبر عن حقيقة الإسلام، الذى يرفض العنف والتطرف، وقاد البلدان حملات للتصدى لمحاولات استغلال الدين سياسيا ومساعى القوى المتطرفة والرجعية لادعاء احتكارها التحدث باسم الإسلام.
كما شهد البلدان تطويرا للخطاب الدينى، لم يؤد فقط إلى انحسار التطرف، لكن ساعد كذلك على تعزيز حقوق المرأة عبر تنزيه الإسلام من ادعاءات المتطرفين التى تقلل من هذه الحقوق، كما شكلت هذه الإصلاحات خطوات أساسية لانطلاق عمليات التحديث الذى تنفذها قيادات البلدين.
وفى مواجهة تعرض الأمن القومى العربى لمخاطر كثيرة خلال السنوات الماضية، كان الثقل السياسى لمصر والسعودية عاملا رئيسيا فى حفظ الأمن والسلم فى المنطقة، وتقليل المخاطر التى تعرضت لها الشعوب العربية والعمل على تطويق نيران الفوضى من الامتداد لمزيد من الدول العربية، والعمل فى الوقت ذاته على حل الأزمات التى اشتعلت فى العديد من الدول الوطنية العربية، مثل سوريا وليبيا واليمن بدرجات من التقارب وتوحيد المواقف العربية بصورة غير مسبوقة تجلت فى القمتين العربية - الأمريكية والعربية - الصينية، بهدف رفض التدخلات الخارجية فى شئونها الداخلية.
والحفاظ على سلامة حدودها ووحدتها، باعتبار ذلك من ثوابت المبادئ المنظمة للعمل العربى المشترك، ترسيخا للأمن القومى العربى. وسعت مصر والسعودية إلى تحقيق السلام فى البلدان العربية المضطربة، وإيجاد حلول توافقية بعيدا عن محاولات بعض القوى الإقليمية للسيطرة على هذه الدول. وأكدت مصر رفضها الكامل لاعتداءات الحوثيين على الأراضى السعودية، ودعمت جهود المملكة لتحقيق السلام فى اليمن.
وأكدت السعودية مرارا على أن أمن مصر والسودان المائى جزء من الأمن القومى العربى، معربة عن رفضها أى إجراءات أحادية من جانب إثيوبيا تهدد الحقوق التاريخية المصرية والسودانية فى مياه النيل. هذا وعززت مصر والسعودية مستوى تنسيقهما، عبر جامعة الدول العربية، بوصفها المنظمة العريقة التى تعبر عن مصالح المنطقة العربية.
لعل كل ما سبق، قد أسهم فى نجاح البلدين فى تنفيذ عملية تطوير وتحديث غير مسبوقة داخليا، أدت إلى تعزيز مكانتهما وتقوية عوامل القوة الذاتية فى عالم تزداد فيها المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية.
وأدى التعاون الوثيق المصحوب بتعزيز عوامل القوة الذاتية فى البلدين، وحكمة قيادتهما فى التعامل مع المتغيرات الدولية، إلى تقليل المخاطر المحدقة بالمنطقة، والتأكيد على وحدة الدول العربية وسلامة أراضيها، والعمل على حفظ مصالحها فى مواجهة الأزمات الدولية التى تعصف بالعالم، كما ظهر فى اتخاذ موقف عربى متجانس ويتسم بالحكمة فى التعامل مع العديد من الأزمات وآخرها الأزمة الأوكرانية، ما أكد على القيم العربية برفض التدخل فى الشئون الداخلية للدول، واحترام مبادئ القانون الدولى وعلى رأسها حسن الجوار ورفض استخدام القوة العسكرية فى حل وتسوية النزاعات.
الخلاصة، يواجه الوطن العربى اليوم العديد من التحديات، ويأتى على رأسها عدم الاستقرار الإقليمى بفعل تهديدات العديد من القوى الإقليمية والتنظيمات الإرهابية التى ترغب فى ضرب هذا التحالف والشراكة الاستراتيجية بين مصر والسعودية؛ حيث يمثل التقارب المصرى / السعودى - والتوافق الكبير بين الدولتين على سياسات تحديثية تقود إلى برامج معتدلة لمواجهة التطرف، وتسريع معدلات النمو لشعوبها وفقًا لخطط التنمية الإستراتيجية فى البلدين 2030- تحديا كبيرا لتحالف هذه القوى والتنظيمات التى تهدف إلى الإخلال بعوامل الأمن والاستقرار للدول الوطنية العربية، حيث تعد الشراكة الاستراتيجية المصرية - السعودية درعا واقية لها.
كذلك، فإن عدم الاستقرار الدولى نتيجة الأزمة الروسية - الأوكرانية، وما أفرزته من تحديات عالمية تهدد الأمن الغذائى العالمى، ومن ثم الأمن الغذائى الإقليمى والوطنى، فضلا عن التبعات الاقتصادية للأزمة وعلى رأسها التهديدات بدخول الاقتصاد العالمى مرحلة الركود التضخمى، وما يفرضه ذلك من اضطرابات فى أسواق البورصة والمال، بالإضافة إلى أزمة الطاقة العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة بصفة عامة والمحروقات بالتحديد، وما يفرضه ذلك من تحديات على الاقتصاد الدولى والاقتصادات الوطنية.
كل ذلك، يفسر عوامل كثيرة تقف وراء محاولات النيل من قوة الشراكة الاستراتيجية المصرية – السعودية ومتانتها، والدفع نحو تأزيمها، وذلك من خلال استغلال عدم الوعى والفهم الكامل لطبيعة العلاقات وعدم توفر الصورة الكلية لدى البعض، من أجل محاولات تمزيق هذه الروابط.
يقينى أن قائدى البلدين قادران على تجاوز وعبور هذه المحاولات الرخيصة من قبل القوى الإقليمية التى تجيد توظيف عمل اللجان الإلكترونية الذبابية لإشعال الخلاف، كلنا ثقة بقائدى البلدين وإدراكهما أن المنطقة فى حاجة إلى مزيد من التنسيق وتوحيد المواقف لمواجهة كل هذه التحديات الإقليمية والدولية، ويقينى أن هذا الخطاب العربى القوى فى القمة العربية - الأمريكية قد أزعج العديد من القوى الإقليمية والدولية، تلك التى راهنت على استمرار تمزق المواقف العربية، ولكن كانت القيادة المصرية - السعودية للمواقف العربية أكثر قدرة على نبذ الخلافات وتصدير خطاب قوى يتمسك بالثوابت العربية فى القضية التاريخية الأم وباقى القضايا التى تهدد الأمن القومى العربى.
ويقينى أننا بفعل القيادة الرشيدة والحكيمة لقائدى البلدين سنصل إلى تفعيل وصياغة تحالف جديد لعمل عربى مشترك، يُعلى من تنسيق المواقف وتوحيد الرؤى وتعزيز التكامل العربى سواء من خلال دوائر مبتكرة من قلب الدائرة العربية - الإفريقية أو العربية -الآسيوية أو العربية - الأوروبية، وكذلك من خلال إعادة تفعيل دور الجامعة العربية التى زارها الرئيس السيسى بصحبة العاهل الأردنى والرئيس الفلسطينى قبل توجهه لحضور القمة الإماراتية مؤخرا، فى إشارة مهمة إلى دور الجامعة مستقبلا.
هذه التحالفات ستكون لها أبعاد تراعى العمق التاريخى والجغرافى الذى يجمع بين أعضائه، وستكون له أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وثقافية، تراعى مشروع البلدين الكبيرين فى التحديث والعمران والاعتدال، بما يسهم فى دعم الأمن والاستقرار لشعوب الوطن العربى بعيدا عن كل ما تخطط له بعض القوى الإقليمية والتنظيمات الإرهابية.
أحمد ناجى قمحة.. رئيس تحرير مجلتي السياسة الدولية والديمقراطية بالأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.