«لم يعد أمامنا غير حمل حقائبنا ومغادرة أرض الفيروز التى عشقناها، لا شىء يمكن أن يدفعنا للبقاء فى سيناء الآن، تحملنا تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية سنتين كاملتين، أنفقنا فيهما كل ما نملك».. بهذه الكلمات برر على محمد، معلم محارة من المنصورة، مغادرته وأسرته لشمال سيناء، بعد أن عاشوا بها عدة سنوات. وأضاف الرجل: البقاء هنا لم يعد يجدى، ولا يبدو أن الأمور فى طريقها للحل، لذا فإن الرحيل هو الحل الوحيد لكسب قوت يومنا، بعد أن انتهت مدخراتنا. «ليس الأول، ولا الأخير»، هذا ما أكده أهالى سيناء، وهم يودعون على محمد، وأضاف «محمد سليمان»، من مدينة رفح: عمال المحارة والسباكة والبناء والكهرباء المقبلون من المحافظات الأخرى رحلوا من رفح والشيخ زويد، بعد أن عاشوا بهما لأكثر من 10 أعوام، وقال أغلبهم إنه «رحيل بلا رجعة». وأضاف «حماد أبوحمدان»، سيناوى: جاءنى عامل صعيدى كان يسكن بالإيجار فى منزل لى، وسلمنى مفاتيح المنزل، وأخذ أغراضه «عفشه»، وحين سألته عن سبب مغادرته قال: إننا بلا عمل منذ سنتين، ولم يعد هناك أحد يبنى ويعمر، وكل ما أصبحنا نراه هو الهدم». «سيناء رحل منها أهلها الأصليون، فكيف نبقى بها نحن الذين جئنا للعمل بها؟!»، قالها «صالح أبوسامى»، مقاول بناء من الزقازيق، قبل أن يضيف: «الرصاص الطائش، وقلة العمل، وقلق الأهل علينا وعلى الأولاد، كل هذه الأمور جعلتنا نعقد العزم على الرحيل». وحول الأسباب التى دفعتهم للرحيل، يقول مصطفى الصعيدى، مقاول بناء: كنا فى السابق نأخذ مقاولات كبيرة تدرّ لنا دخلا جيداً، أما الآن فإننا نعمل بشكل محدود جداً، وبأسعار قليلة، بسبب الوضع الاقتصادى للناس، مضيفاً: «هناك تضامن بين الأهالى والوافدين، ولا أحد يبنى بيتاً وهو لا يعلم ما هو مستقبل المنطقة». ويضيف محمد حسين، عامل طوبار من الشيخ زويد: توقف البناء تماماً فى رفح، ولم يعد هناك أى عمل ل«معلمين» البناء والطوبار والمحارة والسباكة الذين انقسموا لفريقين، الأول رحل بالفعل، والثانى عازم على الرحيل، ويتمنى أن يستجد شىء ليستمر معنا، لكنهم لم يعودوا يطمئنون للتصريحات الحكومية بقرب حسم الحرب على الإرهاب وتحسن الوضع خلال الفترة المقبلة بعد انتهاء العمليات. محمد الشرقاوى، عامل بناء، أحد الوافدين الذين لم يرحلوا بعد، على أمل تحسن الوضع، يقول: انقسم أولادى إلى قسمين، الأول يطالبنى بالرحيل، والثانى يرفض العودة إلى بلدنا بالشرقية، لأننا عشنا هنا فى سيناء منذ أكثر من 20 عاماً، ومعظم أولادى وُلدوا وتربوا هنا، ويحبون الحياة هنا، لكن الأوضاع الاقتصادية والأمنية باتت صعبة جداً، ومع هذا يقول أولادى الرافضون للرحيل: «ما يسرى على السيناوية يسرى علينا». من جهته، انتقد مصطفى محمد، ناشط سيناوى ، ما وصفه بعدم وضوح الرؤية الحكومية المستقبلية للمنطقة، وقال إن الغموض دفع الأهالى والعمال للرحيل، فلا أحد يعرف ما هو المقبل، والشائعات تنتشر فى شمال سيناء كالنار فى الهشيم، ولا يجد الأهالى رداً واضحاً صريحاً عليها.